العدد 4846 - الأحد 13 ديسمبر 2015م الموافق 02 ربيع الاول 1437هـ

السعودية ترسم استراتيجية للتعايش مع عصر النفط الرخيص وسط عجز الموازنة

من المتوقع أن تعلن الحكومة السعودية عن خفض للإنفاق وبرنامج لزيادة الإيرادات من مصادر جديدة في إطار استراتيجية تعكف على إعدادها للتعامل مع عصر النفط الرخيص، حسبما أبلغت مصادر مطلعة رويترز.

ويسود القلق الأسواق في السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، إذ أثّر هبوط أسعار النفط على المالية العامة للبلاد التي تتجه لتسجيل عجز كبير في موازنة العام الجاري. وحتى الآن لم تعلن الحكومة عن خطة شاملة ومفصلة لمواجهة عجز الموازنة.

لكن حسبما أفادت مصادر مطلعة ستعلن السلطات في الأسابيع المقبلة عن خطة واضحة المعالم مع إعلان موازنة 2016 المتوقع بحلول 21 ديسمبر كانون الأول.

وفي الأسابيع التي ستعقب ذلك الموعد -ربما في يناير/ كانون الثاني- ستكشف الحكومة عن خطة اقتصادية تمتد لعدة سنوات قد تشمل إصلاحات طويلة المدى مثل خفض الدعم وفرض ضرائب جديدة.

وموازنة 2016 هي الأولى التي يجرى إعدادها في ظل حكم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي تولى عرش البلاد في يناير 2015، كما ستكون الأولى التي تحمل بصمة ولده الأمير محمد بن سلمان الذي يرأس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية المناط بوضع السياسات الاقتصادية، والذي يمسك بزمام السياسة الاقتصادية للمملكة حاليا.

وحتى الآن يركز الأمير محمد بن سلمان -الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع- الكثير من طاقته على التدخل العسكري في اليمن. لكن من المتوقع الآن أن يوجه قدرا من هذه الإرادة نحو اتخاذ إجراءات جذرية تتعلق بالاقتصاد.

يقول خالد السويلم وهو مسئول رفيع سابق لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) وحاليا عضو بمركز بيلفر التابع لمعهد كينيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة «تجري الحكومة مراجعة إستراتيجية للسياسة الاقتصادية ويضع المسئولون معا هيكلا جديدا لإدارة الاقتصاد».

وأوضح السويلم أن معظم العمل على الهيكل الجديد يجرى داخل وزارة الاقتصاد والتخطيط التي يرأسها عادل فقيه منذ ابريل/ نيسان.

إلى ذلك، يتوقع اقتصاديون ومحللون بارزون أن تنطوي ميزانية 2015 عن عجز يتراوح بين 400 و500 مليار ريال (بين 107 مليارات و133 مليار دولار) وهو ما يمثل نحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ولتهدئة مخاوف الأسواق ستحتاج الحكومة إلى خفض العجز بشكل كبير في 2016. وتوقع اقتصاديون بارزون تحدثوا لرويترز عبر الهاتف أن يبلغ الإنفاق الحكومي في موازنة العام المقبل نحو 800 مليار ريال وهو ما يقل بنحو 20 في المئة عن تقديراتهم للإنفاق الفعلي في ميزانية العام الجاري.

يقول الاقتصادي السعودي البارز عبدالوهاب أبوداهش: «فيما يتعلق بعام 2016 مازالت لدى الحكومة القدرة على الاقتراض والمحافظة على الاحتياطيات لكن في حال استمرت أسعار النفط في الانخفاض ستلجأ الحكومة لتبني عدد من الإصلاحات لخفض العجز».

وربما يكون أحد أوجه خفض الإنفاق هو الحد من الزيادات والعلاوات في فاتورة الرواتب الحكومية العام المقبل. لكن يؤكد المحللون والاقتصاديون أن هذا الأمر ينطوي على حساسية سياسية، لذا تتوجه أغلب التوقعات إلى أن خفض الإنفاق سيكون من نصيب الاستثمارات العامة.

يقول رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال مازن السديري: إن «الدولة نفذت بالفعل الكثير من مشاريع البنية التحتية، لذلك من الطبيعي أن ينخفض الإنفاق تدريجيا على البنية التحتية في السنوات القليلة المقبلة... لكن الدولة ستظل تشجع الاستثمارات من خلال القطاع الخاص».

وأجمع الاقتصاديون على أن القطاعات التي سيركز عليها الإنفاق الحكومي في المستقبل ستكون الرعاية الصحية والتعليم والنقل العام.

وعلى مدى السنوات الماضية تجاوز الإنفاق الحكومي الفعلي الأرقام المستهدفة بفارق كبير؛ ففي 2014 على سبيل المثال بلغ الإنفاق الفعلي 1.1 تريليون ريال مقارنة مع 855 مليار ريال في الخطة الرئيسية للموازنة.

لكن أحد التغييرات المتوقعة تتمثل في الالتزام بخطط الموازنة، إذ قال الأمير محمد بن سلمان لصحيفة نيويورك تايمز الشهر الماضي: إن من أبرز التحديات «طريقة إعداد الموازنة وطريقة إنفاقها».

وستكون النتيجة في حال استقرار أسعار برنت حول 40 دولارا للبرميل هي؛ تسجيل عجز في الموازنة بنحو 200 مليار ريال، وهو رقم على ضخامته كاف لإبطاء وتيرة تسييل الأصول الخارجية.

في حال استمرار أسعار النفط عند مستوياتها المتدنية لسنوات، ستحتاج الحكومة السعودية لتبني إصلاحات أعمق؛ للحفاظ على عجز الموازنة تحت السيطرة. وقد تمهد الخطة الاقتصادية المزمع الإعلان عنها الساحة لمثل هذه الإصلاحات.

وكان وزير البترول علي النعيمي قال في اكتوبر/ تشرين الأول إن المملكة تدرس رفع أسعار الطاقة المحلية، وهو ما قد يوفر بعضا من النفقات التي تتجاوز 100 مليار دولار سنويا والتي تتحملها الحكومة للإبقاء على أسعار الطاقة منخفضة.

ومن المتوقع أن تبدأ خطوات خفض دعم الطاقة برفع تكلفة الغاز الطبيعي واللقيم وأسعار الطاقة للقطاع الصناعي، أما رفع أسعار البنزين المحلية -وهو أمر ينطوي على حساسية سياسية- فقد يأتي في وقت لاحق ويجرى تطبيقه على مدى سنوات وليس دفعة واحدة.

كما تدور التوقعات بشأن الإصلاحات حول توجه الحكومة لفرض الضرائب. ووافق مجلس الوزراء مؤخراً على فرض رسوم على الأراضي غير المطورة الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن، والتي قد يبدأ تطبيقها بنهاية العام المقبل.

كذلك تتجه دول مجلس التعاون الخليجي الست لفرض ضريبة القيمة المضافة في المنطقة. وقال مسئول إماراتي في وقت سابق من الشهر الجاري إن الحكومات الخليجية تستهدف تطبيق الضريبة خلال 3 سنوات.

وقال السويلم إنه على المدى الطويل لن تكون زيادة مصادر الدخل المحلية كافية للرياض وإن الحكومة السعودية ستحتاج لتطوير مصادر غير نفطية مدرة للنقد الأجنبي لتعويض انخفاض عائدات النفط جراء هبوط أسعار الخام.

العدد 4846 - الأحد 13 ديسمبر 2015م الموافق 02 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً