العدد 486 - الأحد 04 يناير 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1424هـ

نحو تحويل الجمعيات السياسية البحرينية إلى أحزاب شرعية

أحمد عباس الخزاعي comments [at] alwasatnews.com

كان لتصريحات جلالة الملك الصحافية الخاصة بالسماح بإنشاء أحزاب سياسية، على أن تتحمل الجمعيات السياسية مسئولية تحولها إلى أحزاب، صدى واسع لدى الجمعيات السياسية البحرينية التي لم تتخذ شكلا سياسيا قانونيا لها كأحزاب شرعية، المبادرة ستتيح لهذه الجمعيات السياسية ممارسة الحياة السياسية بحرية تامة، بعد أن كانت تمارس العمل السياسي في الماضي بسرية تامة ومن خارج البحرين، التيارات السياسية البحرينية التي تفاجأت بخطوات جلالة الملك الإصلاحية أربكها ذلك التغيير، وخصوصا أن تلك التيارات السياسية تفتقر إلى التنظيم وفقدان الهيكلية السياسية، مثال على ذلك البرنامج السياسي والتصور المستقبلي للديمقراطية في البحرين.

الواقع أنها شعرت أن مبادرة جلالة الملك منحتهم الفرصة الذهبية للتعبير عن آرائهم السياسية بوضع تصور لبرنامجهم السياسي المقبل. فإن الاختلاف الواضح في الاتجاهات السياسية والانتماءات الفكرية والعقائدية بين هذه التيارات، التي لها أتباع ومؤيدون، دق آسفين بحجر في تشكيل جبهة وطنية سياسية موحدة، تضع برنامج عمل سياسي موحد لاستشراق المستقبل، ويناقش جدول أعمال الدولة الديمقراطي وفضاءه الواسع. إذا التقارب بين التيارات السياسية المشاركة في الانتخابات والمعارضة قد يفسح المجال لنجاح المؤتمر الدستوري الشعبي المنوى إقامته للخروج من عنق الزجاجة، وتأكيد مشاركة جميع التيارات السياسية في الانتخابات المقبلة. من هنا تكمن أهمية عقد مؤتمر شعبي تصالحي للتيارات السياسية البحرينية لمناقشة التعديلات الدستورية، والخروج ببرنامج عمل موحد يحمل رؤيا واضحة للعمل الوطني للمرحلة الديمقراطية المقبلة. وهذا ما يقترحه هذا المجال.

الأحزاب في الديمقراطيات الحديثة

ممارسة الحياة السياسية بسلاسة وشفافية في الديمقراطيات الحديثة تتطلب هيكلا سياسيا قائما وثابتا تعتمد عليه أداء التيارات السياسية البحرينية، والشكل التنظيمي المقبول هو السماح بتحويل هذه التيارات التي تتخذ نظام الجمعيات التابعة لوزارة العمل والشئون الاجتماعية غطاء لعملها السياسيين وكمخرج لاستيعابها للعمل الديمقراطي. ليس هناك مجال للشك أن تشكيل التيارات السياسية البحرينية في شكل جمعيات سياسية خطأ كبير لأن وزارة العمل تعتبرها أية جمعية من جمعيات المجتمع الوطني، وهذا وضع غير طبيعي في الديمقراطيات الحديثة. إذا كان الهدف الأساسي للتيارات السياسية المشاركة في صنع القرار عن طريق الاقتراع المباشر والحر، فيجب أن تحدد هويتها السياسية في شكل حزب منظم حتى تتمكن من المشاركة في الحكم بمراعاة الأصول الديمقراطية. في الديمقراطيات الناشئة، كالديمقراطية التي ستشهدها مملكة البحرين، ستكون المنافسة في البرلمان بين ثلاثة أحزاب رئيسية إذا ما سمح وقدر لتلك الأحزاب أن تشكل رسميا: الأحزاب الدينية وهي أقوى هذه الأحزاب السياسية، ويليه الحزب الليبرالي الأوفر حظا من الأحزاب اليسارية. هذه الأحزاب السياسية ستتنافس في الانتخابات البرلمانية للاحتفاظ بغالبية برلمانية، وفرض برنامجها الانتخابي على جدول أعمال البرلمان المقبل، وهذا يتيح لها سلطات واسعة ستؤثر على التركيبة الحكومية المقبلة. إلا أن هذه الأحزاب السياسية المختلفة الاتجاهات والانتماءات الفكرية والعقائدية قد تنشط سياسيا على المستوى القومي أو الإقليمي أو المحليين وسيكون لها تأثير سياسي على بقية المنطقة التي تشهد متغيرات سياسية مهمة.

في نظام الحكم الديمقراطي تعد الأحزاب السياسية هياكل سياسية بالغة الأهمية، فكثير من الديمقراطيات تكون ديقراطيات تمثيلية منتخبة، إذ ينتخب الناس ممثليهم ليقوموا بسن القوانين، وتنفيذها نيابة عنهم. وفي ظل نظام الحكم التمثيلي الديمقراطي، تنشأ الحاجة إلى وسيلة تقديم المترشحين لتولي المناصب العامة، ولطرح القضايا المهمة للنقاش العام، وتقوم التيارات السياسية بحسب نوعية الديمقراطيات بهذا الدور. وفي الانتخابات يختار الناس من يريدونه من المترشحين لتولي المناصب العامة. لكن الأحزاب السياسية ما هي إلا عبارة عن تنظيمات طوعية، تسعى لينظم إليها أكبر عدد ممكن من الأعضاء، كما أن بعض هذه الهيئات لها لوائح وأنظمة تخصها، ولا تجمع اشتراكات عضوية.

الأحزاب داخل هيئة التشريعية

ينسق الأعضاء المنتخبون المنتمون لمختلف لمختلف الأحزاب الساسية داخل المجلس التشريعي أو البرلمان أعمالهم، من أجل أداء مهماتهم بفعالية. ويدير جلسات المجلس رئيس ينتخبه الأعضاء، وفي الواقع تختار كتلة الغالبية السياسية رئيس المجلس. ولكل حزب سياسي أعضاء نشطون يقدمون لرؤساء الكتل السياسية ملاحظاتهم عن رأي الأعضاء في مشروعات القوانين المعروضة للاقتراع، ويعملون على تأكيد التزام الكتلة أو الحزب السياسي فيما بين الأعضاء. وفي داخل معظم الهيئات التشريعية تنشأ لجان تمثل فيها كل الكتل السياسية، بحسب ثقلها في المجلس للبحث في مشروعات القوانين. ويرأس هذه اللجان عادة عضو من كتلة الغالبية.

الأحزاب المعارضة

في كل بلد ديمقراطي يقع عبء انتقاد سياسات الحكومة على المعارضة، كما أن طرح سياسات بديلة تقع على عاتق الكتل السياسية خارج السلطة. وفي بلدان التعددية السياسية مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا، قد تختلف آراء الكتل أو أحزاب المعارضة عن نوع نظام الحكم نفسه اختلافا كبيرا. أما في النظام الديمقراطي ذي الحزبين فإن حزب الأقلية يشكل عادة معارضة لوحده. وتتجمع عدة أحزاب في شكل ائتلاف ليعارض الحكومة او ليحل محلها.

برامج الأحزاب السياسية: في الدول الديمقراطية تستخدم الأحزاب السياسية وسائل الإعلام كالصحف والإذاعة والتلفزيون والانترنت وغيرها، لتتحدث الى الناس عن برامجها وأهدافها، فهي تنشد كسب الفوز بمقاعد البرلمان في بعض الأنظمة الديمقراطية او الفوز بالسلطة في أخرى، او البقاء فيها. وتحاول الأحزاب المعارضة الكشف عن مواطن الضعف في سياسات وبرامج الحكومة، وتزعم انها تقدم البديل الأفضل لها. وبذلك تزيد الأحزاب السياسية من وعي الناس بشئونهم، وتسلط الأضواء على المشكلات التي تهمهم.

جماعات الضغط السياسي: تضم تجمعات من المواطنين الذين يؤمنون بأهداف سياسية معينة، ونظرية سياسية مشتركة، وينظمون أنفسهم بغرض ايجاد ظروف أكثر ملاءمة لتحقيق برنامجهم السياسي الذي وضعوه، ومبادئهم السياسية التي اعتنقوها، ويمكن من بين أهداف هذه الجماعات الوصول الى السلطة او الفوز بغالبية مقاعد البرلمان في بعض الأنظمة التي لا تسمح بظهور أحزاب، كوسيلة لوضع أهدافها موضع التطبيق.

والحزب السياسي او الكتلة السياسية يختلفان عموما عن جماعات الضغط التي تتكون من الاتحادات المهنية، او النقابات العمالية او الهيئات الحرفية أو جمعيات النفع العام المعونة للمجتمع المدني الديمقراطي، إذ إن جماعات الضغط لا تسعى الى تولي السلطة في البلاد، ولكنها تسعى الى الضغط على الحكومات لتحقيق مصلحة فئاتها وأعضائها باستخدام الضغوط المناسبة لتجعل الحكومات تحقق لها برامجها الفئوية.

وكما عرفت الأحزاب السياسية في البلاد الأوروبية وغيرها، فقد عرفت أيضا في البلاد العربية وانتشرت فيها أملا في الوصول الى الحكم وتولي السلطة، على رغم ان بعضها استخدم العنف والانقلاب العسكري للوصول الى السلطة، بغرض تحقيق الأهداف الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والوطنية، بعض الأحيان يتولى بعض الزعماء السياسيين السلطة فرادى أو جماعات، ثم يعملون على تأسيس حزب ليقوى به مركزهم في الحكم.

تصنيف الأحزاب السياسية: هناك إشكالية تتعلق بتصنيف الأحزاب السياسية، من حيث طبيعة تكوين التجمع وتنظيمه وأهدافه. وفي ضوء ذلك، يتم التمييز بين تجمعات الصفوة والجماهيرية والأشخاص. كذلك يتم التمييز بين تجمعات الرأي التي يمارس أعضاؤها حرية القبول او رفض مواقف الأحزاب السياسية المختلفة، وتجمعات المبادئ التي يلتزم أعضاؤها بتبني سياسات تجمعهم السياسي واختياراته. وتعتبر محاولة عالم السياسة الفرنسي موريس دوفرجيه من المحاولات الأولى المهمة التي بذلت لتصنيف التيارات والأحزاب السياسية. ولجأت بعض التجمعات السياسية، الى وصف نفسها بأنها حركة او جبهة او منظمة او جمعية او اتحاد ومؤتمر او غير ذلك، لتوحي بتحررها من القيود العقائدية والانضباطية الصارمة المفروض توافرها في الحزب السياسي. فالحركة مثلا تيار عام يدفع طبقة من الطبقات او فئة اجتماعية معينة الى تنظيم صفوفها بهدف القيام بعمل موحد لتحسين حالتها الاجتماعية او الاقتصادية او السياسية او تحسينها جميعا. وهي أكثر شمولا من الحزب وأقل تماسكا وانضباطا منه.

مقترحات لتنظيم الأحزاب السياسية البحرينية: اختلاف برامج الجمعيات السياسية البحرينية البحرينية تخدم تطلعات الجماهير البحرينية التي تقبل تلك البرامج او ترفضها، وصندوق الاقتراع يحدد ذلك القبول او الرفض، ولتتبنى الأحزاب السياسية البحرينية المقبلة لبرنامج عمل سياسي واضح وناجح ومقبول جماهيريا يستطيع تحقيق الأهداف الآتية:

1- مرونة الممارسة الديمقراطية.

2- التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

3- توفير العدالة والمساواة بين جميع أفراد الشعب المتباينة طوائفه.

4- القضاء على جميع مسببات الفساد الإداري والمحسوبية.

5- القضاء على البطالة وتشجيع الاستثمار الاقتصادي لايجاد فرص عمل أفضل للعاطلين عن العمل، وإعادة توظيف المفصولين عن العمل.

6- القضاء على البيروقراطية ومركزية اتخاذ القرارات الإدارية.

ليس هناك مجال للشك، ان كل حزب سياسي بحريني متمسك بتيار سياسي يختلف فكريا وعقائديا عن الآخر، وربما هذا هو سبب شتات التيارات السياسية في البحرين. ولكن الشارع البحريني الذي يعيش الآن مرحلة انتقالية مهمة يعيش مرحلة شتات فكري وسياسي لعدم وضوح البرنامج السياسي للأحزاب المقبلة، ولكن تشكيل الأحزاب سيكون بمثابة نقلة سياسية نوعية نحو الممارسة الديمقراطية الجادة، وسيساهم في إنشاء جبهة وطنية موحدة تحافظ على شرعية الدستور الملكي. الأحزاب تستطيع مجتمعة مناقشة برنامج الحكومة السياسي بوضع برنامج سياسي وطني للمرحلة المقبلة. ولكن كيف يمكن وضع برنامج موحد للأحزاب السياسية البحرينية التي تشكل الجبهة الوطنية البحرينية؟

في اعتقاد ان أفضل السبل للوصول لتلك الغايات والمقاصد هي:

1- الدعوة الى إنشاء لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر شعبي تعقده الأحزاب السياسية عند تشكيلها، تحت شعار الجبهة الوطنية الموحدة. وأنا على ثقة ان جلالة الملك الذي سيسمح بإنشاء تلك الأحزاب سيبارك هذه الخطوة لأنها لمصلحة المواطن والدولة.

2- كل حزب سياسي يختار نخبة من نشطائه لحضور المؤتمر على أن لا يزيد عدد المشاركين الكلي عن 2000 شخص.

3- تضع اللجنة التحضيرية جدول أعمال المؤتمر الشعبي وبرنامج عمله.

4- تقر الجمعية العامة للمؤتمر الشعبي ورقة باسم منطلقات العمل السياسي الديمقراطي البحريني، على أن يقدم للحكومة قبل الانتخابات المقبلة.

5- سيقدر الجمهور البحريني تعاون وزارة الإعلام، إذا ما بثت فعاليات المؤتمر الشعبي على الهواء مباشرة لإشراك الجمهور في الحدث.

يبقي الآن علي الجمعيات السياسية البحرينية أن تعمل على الإسراع في خطوات التحول إلى أحزاب سياسية معترف بها شرعيا، وأنا مقدر شخصيا تفاعل رموز هذه الجمعيات السياسية مع الأحداث، ومشاركتهم في الندوات الجماهيرية على رغم اختلافهم عقائديا لكنهم جميهم ديمقراطيون

العدد 486 - الأحد 04 يناير 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً