العدد 4903 - الإثنين 08 فبراير 2016م الموافق 29 ربيع الثاني 1437هـ

لماذا لا توجد لدينا أحياء للكتب؟

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

أحتفظ في خاطري لمصر بأمرين: ظرافة شعبها وخفة ظله، وضخامة الحركة الثقافية والفنية التي تعبّر عن نفسها بأكثر من صيغة وأسلوب، في طليعتها بالطبع إنتاج الكتب، والقاهرة كانت قلب العروبة يوم كان لها قلب، وقلعتها الحصينة يوم كنّا محصنين نرفل بكبرياء المقاتل الذي لا يقبل الهوان.

أما الظرافة فكنا نعايشها أيام الدراسة عياناً بياناً في كل من نصادفه من أبناء أرض الكنانة، وشعب مصر ساخر وموهوب، وإن لم يجد من يسخر أو يضحك عليه سخر وضحك على نفسه، وأما الكتب فكنَّا نحرص على اقتنائها من كبرى المكتبات، ومن «الأكشاك»، أو أرصفة الشوارع التي كنا نجد فيها كتباً ترضي كل الأذواق، التافه منها والنفيس، وكانت تباع بسعر رمزي، وكنا نترقب صدور عناوين جديدة من السلسلة التي تصدر عن المشروع الجميل (مهرجان القراءة للجميع) الذي كانت ترعاه يومها حرم الرئيس السابق سوزان مبارك.

وكنت أمنّي النفس بزيارة للأزبكية بالقاهرة لأكتشف بنفسي ما قرأته وسمعته عن سوق الوراقين الكبير هذا، وكان الراحل الصديق خالد البسام لا يكف عن الحديث عن هذا المعلم الثقافي الذي بات مقصداً سياحيّاً محترماً جلب شهرة إضافية لقاهرة المعز، وفي هذا المكان عثر البسام على كنوز ثمينة من الكتب والمجلات القديمة أوحت له بفكرة كتابه «نسوان زمان»، لكن سنوات الدراسة تصرّمت دون أن أحقق أمنيتي وأرتاد جنة الكتب في الأزبكية.

أحياء الكتب في العواصم العربية والغربية تُعدّ وجهاً جميلاً ومعبراً يعكس رقي ونضج أي شعب، وكما في مصر، في بغداد أيضاً هناك «شارع المتنبي» ذائع الصيت، والذي ورث كل أمجاد هذه المدينة العظيمة، هناك ستعثر على غابة من الكتب يبيعها باعة يحدثونك عن الكتب حديث المتخصص، ويناقشونك في محتوياتها بإحاطة تامة وعشق صوفي عجيب للمعرفة.

وفي بيروت، مصنع الكتاب العربي الأول، كانت حتى وقت قريب تُفرش الكتب القديمة على الأرصفة في وسط البلد، كما تتأنق منطقة الحمراء بأكثر من مكتبة لها عراقة تاريخية في هذه الصناعة الجميلة، أما الضاحية الجنوبية فتتجاور فيها المكتبات ودور النشر بنحو بديع، يوفر على المهتمين الوقت والجهد ويجنبهم مشقة البحث والتجوال.

ويقال إن هناك سوقاً للمكتبات في الدار البيضاء، وفي إيران بالطبع، هناك مجمعات كثيرة متخصصة ببيع الكتب، والكتاب العربي فيها رائج بشكل ملحوظ وخصوصا في مدينة قم، عاصمة التعليم الشرعي الأبرز في الوقت الحالي.

وإذا ما اتجهنا إلى الغرب، سنجد أن مدينة أوتاوا الكندية وعاصمتها، سوقاً للكتب يمتد بين المقاهي في مكتبات أنيقة، وفي نيويورك تحرص مكتبة «ستراند» على عرض كتبها في نهاية الأسبوع على رصيف «سنترال بارك».

أما «باريس» عاصمة النور، ففيها ينتظم عقد المقاهي والمكتبات، وفي»حي المثقفين» كان جان بول سارتر يدخن سيجارة ويقرأ ويناقش في مقهاه المفضل «لي دو ماغو» على ناصية «سان جيرمان دو بري»، وباتت مقاهي الحي كلها «أماكن سياحية» يرتادها أميركيون ويابانيون إلى جانب سياح أوروبا الشرقية، وعن هذا الحي كتب سهيل إدريس رواية «الحي اللاتيني»، وجهة عشاق الثقافة، والحي الذي يزدهر بمكتباته وتنمو على أرصفته مقاهٍ تحتضن المثقفين وتشهد على جدالاتهم ونقاشاتهم.

أحياء الكتب وجهات سياحية ومنتدى دائم لعشاق المعرفة في أي بلد، وأعتقد أن من المناسب التفكير جدّيّاً بإنشاء حي خاص للكتب المستعمل منها والحديث، والعمل على استقطاب المكتبات بمختلف اختصاصاتها وتوجهاتها ومستوياتها وتشجيعها لفتح أفرع لها في هذا الحي عبر إيجاد تسهيلات مادية ورعاية معنوية لأصحابها، وهو ما سيشكل برأيي خطوة متقدمة باتجاه الترويج للبحرين على مستوى السياحة الثقافية. هذا مقترح نرفعه إلى هيئة البحرين للثقافة والآثار باعتبارها الجهة المنفّذة للخطط والبرامج المتعلّقة بالثّقافة والفنون والتّراث في مملكة البحرين.

وحيث إن ملخص رؤية هيئة الثقافة يتمثل في»تحديث وتطوير البنى التّحتية الثّقافية» و»تفعيل دور الثّقافة في التّنمية الاجتماعية والاقتصاديّة الشّاملة» و»الترويج لمملكة البحرين ورسم صورتها كبلد حضاري متميز يتّسم بالحيوية والنشاط الإنساني المتنوّع، والمنفتح على ثقافات العالم» فلا أفضل من إنشاء صرح ثقافي كبير يجمع تحت سقفه دور النشر والمكتبات البحرينية ويكون بمثابة معرض دائم للكتاب.

ويجدر هنا أن نشيد بمشروع «تاء الشباب» الذي دأبت على تنفيذه وزارة الثقافة لسنوات خلت وحقق نجاحاً كبيراً، واستقطب كوادر شبابية نشطوا في المجمعات والأماكن المفتوحة وساهموا بشكل حضاري جميل في الترويج لقيمة القراءة وتقدير الكتاب، وهذه فعالية ناجحة يجب البناء عليها والإفادة من مكتسباتها.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4903 - الإثنين 08 فبراير 2016م الموافق 29 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:16 ص

      أحياء؟!
      لماذا لا توجد لدينا مكتبات عامة للقراءة و المذاكرة؟
      لدينا مكتبات بعدد محدود و أوقات عملها مع الدوام الرسمي .. و بعض المناطق تفتقر لأي منها كالمنطقة الغربية و مدينة حمد.
      شعب البحرين شعب مثقف و ما نحتاجه هو بيئة مساعدة و عوامل مشجعة خصوصا مع محدودية الدخل و ضعف القدرة الشرائية

اقرأ ايضاً