العدد 4927 - الخميس 03 مارس 2016م الموافق 24 جمادى الأولى 1437هـ

العرب والسؤال الأساسي

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

في خِضمّ الصراع الإقليمي والدولي حول الشرق العربي، يبقى السؤال الأساسي، ومن دون التقليل من أهمية كل الأسئلة الأخرى، مرتبطًا بقضية الحقوق الأساسية للفرد وللجماعة في العمل السياسي. إن مشهد الموت المنتشر في حروب ونزاعات لن يكون لها نهاية قريبة يحتم علينا أو على بعضنا أن يطرح هذا البُعد الذي بدونه لن يتأسس مشهد العرب القادم. لن تحقق منطقتنا نجاحات حقيقية في جبهة عسكرية أو حربية من اليمن إلى سورية من دون النظر إلى مدى خطورة أن يكون الوضع العربي في معظم حالاته خالياً من العمق الحقوقي والمؤسسي التنموي والسياسي.

نحن بحاجة إلى مراجعة، لسياسات التمييز، ولمأزق الحقوق والحريات السائد في الدول العربية. بلا هذه المراجعة فإننا سائرون نحو حروب أكثر فتكًا. الحروب في منطقتنا التي قد تنجح في إضعاف فئات وتيارات ودول هي نفسها التي تصنع مقاتلي الغد. وطالما لم تصل إلى نخبنا الصيغ الأكثر التزاماً بالحقوق والحريات والاقتصاد المتوازن والتنمية ودور الثقافة الديمقراطية والعدالة في نشر السلم في المجتمع بما يتضمن الإشراك لقواعد المجتمع سنبقى في نزاع مع أنفسنا أولا ومع الأجيال الصاعدة على كل صعيد.

النموذج العربي، حتى اللحظة، مختلف عن النماذج التي تطورت في العالم، وذلك لأنه أحادي التوجه، يتعامل مع ما يحيط به من الأعلى بمعزل عن المجتمع. لسان حال النموذج العربي الرسمي: «التاريخ تصنعه النخب ولا دور للشعوب والجماهير في تلك الصناعة».

إنَّ النموذج العربي الراهن يتمسك بتحويل السلطة إلى حالة فردية. الفردية في النظام السياسي قد تنجح في حالات على المديين القصير والمتوسط، لكنها تتحول إلى مأزق كبير على المدى البعيد. فالفترات الطويلة من الحكم الفردي غير المساءل كفيلة بتكليس السياسة وتدمير الاقتصاد وتعميق الجمود ونشر الفساد.

النظام السياسي الفردي الذي لا يخضع لآليات ديمقراطية يصيب كما يخطئ، لكنه وبسبب عدم المساءلة، نجده غير مضطر إلى أخذ توازنات المجتمع في الاعتبار، إنه غير مضطر إلى مراجعة وضع الفئات المتضررة مصالحها من جراء سياساته، إنه يتصرف بحرية، وكثيرًا بقساوة، وبمعزل عن هذا النصف أو ذاك الربع من المجتمع في كل شأن اقتصادي وحقوقي وسياسي في الحرب كما هو في السلم. لا يوجد لدى الأنظمة غير المساءلة كوابح كافية لوقف الأخطاء التي قد تكون مدمرة ولمناقشة صنع القرار قبل ان يستفحل.

إنَّ كل الأنظمة السياسية في الشرق والغرب هي أنظمة أقليات، ففي النظام الديمقراطي ينتخب الناخب اقلية من الأفراد للقيادة، وفي النظام غير الديمقراطي تأتي إلى الحكم أقلية من الأفراد بواسطة شرعية تاريخية أسرية او انقلاب عسكري أو انتقال سلطة من فرد إلى آخر. تلك الأقلية هي الاخرى بإمكانها أن تنظم الدولة والسلطة بنجاح. لكن الفارق الحقيقي بين النظام الديمقراطي وغير الديمقراطي مرتبط بكون الأقلية الحاكمة في النظام الديمقراطي تعلم جيدًا ان لسلطتها حدوداً، لهذا تجدها في معظم الحالات أكثر تمهلاً ومرونة في صنع القرار، واكثر استعدادا لأخذ آراء المعارضين في الاعتبار بما في ذلك امكانية استخدام بعض من تلك التصورات في سياساتها العامة.

إنَّ الجانب الذي يميز النظام الديمقراطي، الذي يخطئ كما يصيب، مرتبط بعقلانيته في تناول مسائل الخلاف، وكونه أقل اندفاعا وقساوة وأكثر قدرة على تصحيح الخطأ بعد الوقوع فيه. إن حرص الديمقراطية على اتجاهات الرأي العام واعادة الانتخاب وخضوعها بشكل واضح لفصل السلطات (لا تملك كل الأوراق) يلعب دوره في احترام تعددية الآراء والمدارس في المجتمع. هناك في الحالة الديمقراطية حياة سياسية تفاعلية، تختلف تلك الحالة عن النظام غير الديمقراطي الذي يخلو في معظم الحالات من الحياة السياسية بين أحزاب وتيارات وصحافة وإعلام. في الجوهر تبقى الانظمة غير الديمقراطية صناديق سوداء في الحرب كما هي في السلم، ومن الصعب معرفة مضامينها قبل فوات الأوان.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 4927 - الخميس 03 مارس 2016م الموافق 24 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:28 ص

      . لا يوجد لدى الأنظمة غير المساءلة كوابح كافية لوقف الأخطاء التي قد تكون مدمرة

      النظام السياسي الفردي الذي لا يخضع لآليات ديمقراطية يصيب كما يخطئ، لكنه وبسبب عدم المساءلة، نجده غير مضطر إلى أخذ توازنات المجتمع في الاعتبار، إنه غير مضطر إلى مراجعة وضع الفئات المتضررة مصالحها من جراء سياساته، إنه يتصرف بحرية، وكثيرًا بقساوة، وبمعزل عن هذا النصف أو ذاك الربع من المجتمع في كل شأن اقتصادي وحقوقي وسياسي في الحرب كما هو في السلم. لا يوجد لدى الأنظمة غير المساءلة كوابح كافية لوقف الأخطاء التي قد تكون مدمرة ولمناقشة صنع القرار قبل ان يستفحل.

اقرأ ايضاً