العدد 4933 - الأربعاء 09 مارس 2016م الموافق 30 جمادى الأولى 1437هـ

الإجازات العلمية مصدراً للتاريخ المحلي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

للإجازة العلميّة عند فقهاء الإسلام وعلمائه مكانة عظيمة وتقدير كبير، وعنايتهم بهذا النوع من التصنيف العلمي تأتي في إطار حرصهم البالغ بالسنة النبوية الشريفة وخدمة علومها. فقد حرص علماءُ الإسلام منذ أقدم العصور على الاهتمام بهذا اللون من الأدب، وصرفوا له الوقت واستفرغوا الجهد وتكبدوا عناء السفر في سبيل الاستجازة وطلب العلم وأخذ الرخصة برواية الحديث من كبار العلماء، بما أسهم في مراكمة تراث هائل من أدب الإجازات الروائية ظل يمثل أزهى صور التاريخ العلمي والاجتماعي لعلماء الإسلام في مختلف العصور، وظل هذا الجانب من أكثر الجوانب إشراقاً في الحضارة الإسلامية.

وقد جاءت عناية علماء البحرين بالإجازات العلمية، امتداداً لهذا التقليد الثقافي الراسخ في عمق الحضارة الإسلامية، غير أن هذا المورث العلمي الغزير، لم تواكبه محاولات منظمه لدراسته وإعادة فحصه بما يتناسب مع أهميته في التراث الإسلامي.

إن أدب الإجازات يتضمن الكثير من الأبعاد والمضامين التاريخية والعلمية والاجتماعية ويساهم بشكل كبير في تزويد الباحث في تاريخ المجتمعات الإسلامية بخزين ضخم من المعطيات التاريخية التي تعين الباحث التاريخي على كتابة تاريخ تركيبي لطبيعة الحياة العلمية والفكرية في المجتمعات الإسلامية التي تمثلها هذه الإجازات في حقب زمنية متعددة.

وهي أيضاً أن يجيز الشيخ لتلميذه التحديث عنه بعد أن يصبح قادراً على ذلك، وقد سُمّيت بعض الشهادات التي منحت للعلماء بالإجازة.

في حين عرّف أحد الباحثين المعاصرين الإجازة «هي التي يمنحها الأستاذ (الشيخ) إلى الطالب بعد انتهائه من دراسة مادة من المواد وإتقانها والتي تخول (الطالب) حق تدريس تلك المادة».

والإجازة نوعان شفوية وتحريرية، أما الأولى فقد كانت تمنح في العصور الإسلامية الأولى أيام الصحابة والتابعين، وهي أقدم من الثانية.

وتقسم الإجازة على ثلاثة أقسام هي: (الكبيرة أو المبسوطة، والمتوسطة، والمختصرة)، وربما يكون منشأ هذا التقسيم من حجم نص الإجازة أو التوسع في ذكر الأسانيد.

ومن الأمثلة على هذا النوع من الإجازة، إجازة الشيخ يوسف بن أحمد البحراني «لؤلؤة البحرين»، ومنها إجازة البحراني أيضاً للشيخ علي بن محمد المقابي، كتبها له في كربلاء في 9 صفر 1169هـ (14 نوفمبر / تشرين الثاني 1755م) وهي إجازة كبيرة مبسوطة.

جسّد أدب الإجازة العلمية أحد التقاليد الثقافية العريقة لدى علماء البحرين، فلا تجد عالماً من علماء هذا البلد إلا وله إسهام في هذا اللون من النشاط العلمي، إما مجاز أو مجيز، وقد ضمّن العلامة المجلسي (ت 1110 هـ / 1698م) كتابه «بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار» بعضاً من إجازات علماء البحرين والذي جمع فيه كل ما وصل إلى يده من نصوص هذه الإجازات، كما أورد الشيخ أقا بزرك الطهراني نحو 39 إجازة لعلماء البحرين.

وتبرز أهمية الإجازة العلمية بوصفها وثيقة تاريخية تنطوي على أهمية بالغة إذا ما لاحظنا أن المجتمعات الإمامية في منطقة إقليم البحرين القديم على اتساعه، لم يشهد استقراراً سياسياً يمكنها من ترتيب وضعاً إدارياً يسمح بإيلاء الجوانب الثقافية والأدبية والفكرية أهميتها التي تستحقها في حياة الشعوب، فلقد ظلت هذه المنطقة في مرتبة دنيا ضمن اهتمامات دولة الخلافة الإسلامية، بدءاً من (القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي).

من هنا، كانت المدونات العلمية التي كتبها علماء البحرين في القرون السابقة تنطوي على أهمية تاريخية بالغة الأهمية، لعدة اعتبارات:

1. لأنها تؤرخ لمظهر من مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية.

2. تقدم شهادة محلية نادرة لجوانب مختلفة من حياة المجتمع والناس في العصور الماضية.

3. تقترح هذه المدونات بدائل عملية للنقص التاريخي الفادح للأرشيف الأجنبي الذي يرتكز أغلبه على الاهتمام بالجوانب السياسية والاجتماعية من حياة مجتمع البحرين بعيداً الاهتمام بالجوانب الثقافية ورصد الظواهر الإنسانية.

4. تقدم هذه المدونات العلمية المحلية تاريخياً موازياً للتاريخ الرسمي، تاريخ يكتبه المهمشون بلغة أهل العلم، المبرأون من أطماع الساسة وأهواء أهل السلطة وحساباتهم الخاصة القائمة على مبدأ المغالبة وصراع الإرادات الدامي.

وتظهر استفادة المؤرخين البحرانيين المتأخرين من أدب الإجازة العلمية بوصفها وثيقة تاريخية تتيح الكثير من المعطيات والمعلومات المهمة المرتبطة في زمن كتابتها، وسنختار مدونتين تاريخيتين تمثلان أنموذجاً ملائماً لإيضاح هذه الفكرة: كتاب «الذخائر في جغرافيا البنادر» للشيخ محمد علي العصفور (ت 1365هـ / 1945م) وكتاب «منتظم الدرين في تراجم أعيان الأحساء القطيف والبحرين» للمؤرخ الأديب الحاج محمد علي التاجر (ت 1387هـ/ 1967م).

فأما كتاب «الذخائر» للشيخ محمد علي العصفور والذي انتهى من تأليفه في 1319 هـ/ 1901م فقد تنوعت مصادره وقد اعتمد على مصنفات جده الشيخ يوسف آل عصفور «الكشكول» و «الدرر النجفية في الملتقطات اليوسفية»، وكذلك «كشكول» الشيخ ياسين بن صلاح الدين البلادي البحراني وعدد كبير من مصادر التراجم الرجال والمجاميع الأدبية في مختلف العلوم والمعارف. كما ينقل عن كتاب «تاريخ فارس في حالات علماء آل عصفور الذين جاوروا الفساء والشيراز» للسيد صدر الدين الحسيني.

إلا أننا نلاحظ أيضاً الحضور اللافت لأدب الإجازة العلمية في الكتاب ضمن هذه المصادر، فقد استعان المؤلف بكتاب «لؤلؤة البحرين» للشيخ البحراني، وذلك في سياق ترجمته إلى (190) علماً من أعلام البحرين وشعرائها وأدبائها.

أما الكتاب الثاني وهو «منتظم الدرين» فقد اعتمد فيه التاجر في المنتظم بصورة أكبر من محمد علي العصفور على نصوص الإجازات العلمية لعلماء البحرين، وأفاد من معطياتها التاريخية إفادة ممتازة، ذلك أن الإجازة تتضمن بطبيعة الحال الاسم الدقيق للمجاز والمجيز، وعلى تاريخ ومكان الإجازة غالباً، فضلاً عن أسماء الكتب والموضوعات التي كانت موضوعها أو ذكرت فيها لسبب أو غيره، والإجازات في الغالب يُستفاد منها في بعض كتب السيرة. وعليه يمكن اعتبارها من هذه الوجهة مصادر بكر.

وقد أخذ التاجر عدداً كبيراً من هذه الإجازات من كتاب «بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار» للشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1110 هـ / 1698م)، الذي جمع فيه كل ما وصل إلى يده من نصوص هذه الإجازات وبذلك حفظها من الضياع، ويسر للباحثين ذخيرة لا تقدر بثمن.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4933 - الأربعاء 09 مارس 2016م الموافق 30 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:01 ص

      الف شكر وتحيه

      كالعادة وليس غريب عليكم هذا الطرح العلمي الرصين والمتميز مقال يستحق القراءة بتمعن

    • زائر 1 | 12:42 ص

      جعفر الخابوري

      صباح الثقافه

اقرأ ايضاً