العدد 4945 - الإثنين 21 مارس 2016م الموافق 12 جمادى الآخرة 1437هـ

أعلام في التسامح والسلام... رحلة في واحة السلام

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

في الحادي والعشرين من شهر أبريل/ نيسان 2015، وتحديداً مع العدد 4609 من صحيفة «الوسط»، انطلقت هذه السلسلة من المقالات، مقالات (أعلام في التسامح والسلام). وها هي، اليوم مع العدد 4945 وفي الثاني والعشرين من مارس/ آذار 2016، تعلن توقّفها لمزيد تعميق البحث في قضايا السلام والعيش المشترك. نعم سنة كاملة من البحث والغوص في سِيَرِ شخصيّات عربيّة مسلمة، وأحياناً غير مسلمة، أو هيئات، أو منظمات أو جمعيات، أو حتى مواقع أو شبكات إلكترونية تعمل في مجال نشر ثقافة التسامح وصناعة السلام... سنة من التجوال في حيوات أعلام من القرن العشرين وبداية هذا القرن في مسعى لإثبات أنّ هذه الأمة العربية الإسلامية أنجبت ولاتزال قادرة على إنجاب منارات فكرية وميدانية من شأنها أن تساهم في صناعة السلام.

سنة تنقّلت فيها من مشرق الأرض العربية إلى مغربها، سنة من السياحة بين أرجاء الفكر الرحب المستنير من المغرب الأقصى إلى البحرين، مروراً بكل الحواضر العربيّة. ولا أزعم أن هذه السلسلة قد أحصت عدداً كل الشخصيات العاملة والناشطة في مجال نشر ثقافة التسامح والسلام، ولكنّها تأمل أن تكون قد ألقت الضوء على جهود شخصيات أو هيئات أو جمعيات أو حتى مجلات كانت تستحق أن يُشاد بجهودها، ويتعرّف إليها القارئ العربي لعلّه يهتدي بخطاها وينسج على منوالها في مبادراتها من أجل أن يعمّ السلام كل البلاد العربية.

لقد جاءت هذه السلسلة تفاعلاً مع ما يعصف بالأمة العربية الإسلامية من تطرف بلغ حدّه، ومن غلوّ فاق حدود الغلوّ، وكان الجميع ينادي بمكافحة هذا الفكر المتطرّف المتشكّل في تنظيمات اتّخذت من الإسلام مرجعيّة عقائديّة لها، وحين استولت على بعض المدن والقرى شرعت هذه التنظيمات في تنفيذ أحكام باسم الشرع، والدين الإسلامي منها براء، ولم تكتف هذه التنظيمات بما تفعله، بل كانت تروّج له على مواقعها، وتنقله أحياناً بعض القنوات إلى العالم مما زاد في حجم تيار الإسلاموفوبيا، لا في بلاد الغرب فقط، بل وحتى في بلاد العرب.

وإنّ رحلة مثل التي خضتُها، مع هؤلاء الأعلام صُنّاع التسامح والسلام، لكفيلة بأن تدعونا إلى التأمّل في بعض الأمور لعلّ أبرزها ما يأتي:

- مكافحة الإرهاب الذي اتخذ من «فَهمٍ ما» للإسلام مرجعيّة له لا يمكن ردّه إلاّ بتطوير الخطاب الدينيّ وتكوين جيل من الدعاة والخطباء يقع تأسيسهم على هدى من الفكر المقاصدي الإسلاميّ، ويجري تأطيرهم لخدمة نشر هذا الدين الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة، لا بفرضه على جثث الأطفال والشيوخ وأجساد السبايا والمختطفات مهما كانت ديانتهم، أو اختلفت عقيدتهم؛ ذلك أنّ الشباب الذي اقتنع بالخطاب التكفيريّ لا يمكن أن يردّه تطرّف الإعلام العلمانيّ، بل ربّما يزيد في تأجيج نار نقمته على الأخضر واليابس. إنّ هؤلاء يمكن ترويضهم وتحجيم خطرهم واستدراجهم شيئاً فشيئاً بخطاب إسلاميّ ينهل من معين فكر جماعة التقريب بين الأديان الناشئة في منتصف القرن العشرين، ويتغذى من مدرسة الطاهر بن عاشور المقاصدية.

- استمرار تفجّر الاختلافات سواء في علاقتنا بذاتنا أو بالآخرين يهدد نسيجنا الاجتماعي بأسره، وما من ضابط لهذا الاختلاف يمكن أن يحول دون استخدام العنف وسيلةً لفرض مبادئ، أو عقيدة ما سوى قيمة التسامح وسيادة ثقافة العيش المشترك. ولنا في العديد من الدول العربيّة (سلطنة عمان، البحرين...) المثال تلو المثال على تماسك النسيج الاجتماعي بفضل ما نشأ عليه أبناء تلك الشعوب منذ قرون من فضيلة التسامح على رغم التعدد المذهبيّ أو التنوّع الدينيّ، وما تحرص عليه قيادات تلك الدول من توفير مناخ يجعل الجميع يلتقي تحت سقف المواطنة.

- ضرورة الإسراع في بناء أطر ومؤسسات للحوار، وتطوير ما هو قائم منها ودعمه من أجل تنمية مهارات التفاهم مع الآخر؛ ذلك أنّ الحاجة ملحّة أكثر من أيّ وقت مضى إلى مكافحة ثقافة التعصّب والعنف وتعميق خيارات التسامح الذي لا يعني إزالة الخصوصيات بالضرورة أو صهر الاختلافات وإذابة الفوارق الفكرية بين المذاهب أو القوميات، وإنما هو قبول لأن يكون للآخر مكان معي من دون أن أزيله أو يزيلني.

- انتشار ثقافة العنف والفوضى والاقتتال وخاصّة في بعض الدول والمجتمعات الفسيفسائية دينياً ومذهبياً وعرقياً، (كالعراق وسورية...) يعود إلى فشل النخبة الفكرية والسياسية في إدارة ذلك الاختلاف على قاعدة الجمع بين المختلفين تحت سقف الوطن حتى لا تتحوّل تلك التناقضات أو الاختلافات إلى أدوات تخريب يستحيل معها كل تعايش.

وأخيراً، إنّ التنوّع والاختلاف الذي يتجلّى في الطبيعة يمثّل مظهراً أصيلاً للجمال؛ فلو تخيّلنا البشر على سمت واحد، أو الحيوانات بشكل واحد أو النباتات أو التضاريس أو كل ما خلق الله من كائنات على نمط واحد لما أدركنا جمال هذا الوجود، ولصار الكون كئيبا موحشا؛ ففي التعدّد جمال وفي التنوّع والاختلاف حُسْن لا مثيل له. فإذا ارتضت الطبيعة هذا التعدّد والتمايز، فكيف لا نرتضيه نحن البشر وكيف لا نلتقي على قيم التفاهم والتعايش والتسامح؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4945 - الإثنين 21 مارس 2016م الموافق 12 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:15 ص

      لا يعلم لم لم يتصدى أي مصلح لأهم الأمراض و منبع الشرور "التكفير"
      رائد التسامح الذي ننتظره هو أول من ينكأ و يعالج جرح التكفير الذي هوى فيه الجميع دون استثناء. فإن أول الأمراض و منبع الشرور هو التكفير.

    • زائر 1 | 12:47 ص

      أحسنت
      وأخيراً، إنّ التنوّع والاختلاف الذي يتجلّى في الطبيعة يمثّل مظهراً أصيلاً للجمال؛ فلو تخيّلنا البشر على سمت واحد، أو الحيوانات بشكل واحد أو النباتات أو التضاريس أو كل ما خلق الله من كائنات على نمط واحد لما أدركنا جمال هذا الوجود، ولصار الكون كئيبا موحشا؛ ففي التعدّد جمال وفي التنوّع والاختلاف حُسْن لا مثيل له. فإذا ارتضت الطبيعة هذا التعدّد والتمايز، فكيف لا نرتضيه نحن البشر وكيف لا نلتقي على قيم التفاهم والتعايش والتسامح؟

اقرأ ايضاً