العدد 4954 - الأربعاء 30 مارس 2016م الموافق 21 جمادى الآخرة 1437هـ

الخلاف المذهبي وإشكاليات الطائفية

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أقام منتدى الثلثاء الثقافي بالقطيف ضمن برنامجه للموسم الثقافي السادس عشر ندوة بعنوان: «الخلاف المذهبي وإشكاليات الطائفية»، وذلك بتاريخ (21 جمادى الأولى 1437هـ)، الموافق (1 مارس/ آذار 2014)، استضاف فيها الكاتبان والباحثان في قضايا الدين والحداثة محمد الشافعي وعبدالله الدحيلان، تناولا فيها الأبعاد المختلفة لهذا الموضوع واشكالاته بمشاركة نخبة من المثقفين الذين ساهموا في اثراء الحوار بمداخلاتهم.

وضمن برنامجه الأسبوعي لاستضافة فنانين في فعاليات مصاحبة للندوة، فقد شارك الفنان محمد يوسف السيهاتي في عرض مجموعة من أعماله الفنية، وتحدث عن تجربته الفنية وبداياته في هذا المجال، مستعرضا أهم المعارض المحلية والدولية التي شارك فيها، وبين أن أعماله الفنية التي عرضها في المنتدى تجسد الواقع المحلي بشتى أطيافه، مؤكداً ضرورة الاهتمام بهذه الفنون الجميلة ونشرها كثقافة مجتمعية تساهم في تحسين الذائقة الفنية.

أدار الندوة مجتبى عمير، حيث قدمها بالتنويه إلى خطورة تداعيات الخلاف المذهبي، موضحا أن الوضع المأزوم في أكثر من منطقة عربية يستدعي العمل على توالي الحلول والمبادرات لمعالجة أزمة الاصطفاف الطائفي، داعيا الحضور الى التفكير المعمق في أبعاد هذه المشكلة والعمل على تشخيصها من أجل تجاوزها.

وعرف بضيفي الأمسية وهما عبد الله الدحيلان من مواليد الدمام وخريج كلية الآداب بجامعة الملك سعود، وعمل بصحيفة «الحياة»، أما محمد الشافعي المدون، فهو من مواليد مدينة سيهات بالمنطقة الشرقية حاصل على ماجستير هندسة من جامعة تلسا بولاية اوكلاهوما، يعمل مهندسًا بشركة أرامكو السعودية، وهو عضو في العديد من المنتديات الثقافية بالمنطقة وعضو مؤسس لمنتدى سيهات الثقافي، وله العديد من المقالات المنشورة في شأن قضايا الدين والحداثة.

في بداية حديثه، أوضح عبدالله الدحيلان أن الطائفية ليست أن تؤمن بفكرة محددة أو الانتماء إلى جماعة دينية معينة، إنما هي في تسييس الانتماء المذهبي والتحول إلى عشيرة وعصبة تقوم على تحصيل مصالح تلك الطائفة، والصراع على النفوذ داخل كيان الدولة، فهي تولد جماعات تتنافس على تحقيق سيادتها وتغييب مصالح الجماعة الوطنية الموحدة.

وأشار الدحيلان إلى أن الطائفية منهج سياسي لا اعتقاد ديني؛ نتيجة تشكيل رابطة سياسية تلزم أفرادها بتحصيل مصالح الطائفة أولا، ومن يحاول الخروج عن هذا الطوق يتم نبذه وتفسير تصرفه بأنه ضد مصلحة الطائفة بالضرورة. كما تشكل الحالة الطائفية حصارا داخليا لأفرادها كأن يبقوا رعايا مطيعين لزعماء الطوائف الذين ينمون زعامتهم من خلال توجيه الخطاب المتشدد والمحرض على الكراهية ضد الآخر المقابل.

وواصل في حديثه أن الطائفية قد تتجاوز الحالة الدينية لتشمل الأفراد من ذوي المرجعيات العلمانية الذين يظلون حبيسي الخيار الطائفي وينظرون الى الصراع على أساس طائفي، مشددا على أن الطائفية ليست خطاب كراهية مذهبيّاً وحسب - كما يروج لذلك البعض عند تشخيص الطائفية - لكنها قد تكون ذات قالب سائل يتم تقديمه في خطاب تسامحي لا ينفك عن تفسير الصراع والأحداث بعين مصلحة الطائفة. وأكد أن الطائفية في حال نموها تمهد لاحتراب أهلي فعلي، ومثال هذا ما جرى في العراق ولبنان في أوقات متفاوتة، موضحاً أن المشكلة الطائفية ليست دينية وإن تلبست بذلك، بل هي مشكلة سياسية حديثة.

من جانب آخر اعتبر المحاضر أن بناء الدولة القطرية العربية الحديثة أساس رئيسي في بروز المشكلة الطائفية، نظرا إلى تغييب العلاقات السليمة بين المواطنين التي تقوم على العدالة والمساواة، وهو ما يدفع الهويات إلى البحث عن ذاتها المفقودة في حقها في التمثيل والعدل وتكافؤ الفرص، ما جعلنا أمام جماعات متصارعة على السيادة، وليس أمام دول حديثة تفترض وجود أمة لها هوية وطنية موحدة تشمل جميع المواطنين. وتساءل الدحيلان عن أسباب التراجع عما أسماه حركة الكفاح الثقافي التي كانت تقوم بها النخب الطليعية سابقا، من التعبئة ضد العدوان والاستعمار والهيمنة على مقدرات الأمة، إذ أثمرت هذه الدعوات الوحدة والتكامل العربي، وحضور قضية فلسطين في المجال العام كقضية قومية مركزية مشتركة.

ونوه إلى أن تراجع المشاريع القومية والوطنية أدى إلى تعزز التوجهات الطائفية التي تعمقت منذ 1979م مع انتصار الثورة الإيرانية ثم احتلال العراق العام 2003م، موضحا أن النخبة العربية عجزت عن تحمل المسئولية في التصدي للسعار الطائفي، بل وساهمت بعض أطرافها لتكون بيدقاً في تأجيج الصراع، وتكريس تفسير الصراع تفسيرا مذهبيا، عبر تبني خطاب دوغمائي شعبوي، يصعب عليه تحييد الساحات المحلية من نيران الصراع في المنطقة، وتقديم حلول التقسيم والمحاصصة الطائفية، بالتزامن مع فتح الأذرع للترحيب بالتدخلات الخارجية حتى ولو من العدو الصهيوني.

ولفت المحاضر إلى أن هذه النخب انحازت إلى جماعات إبادية ذات مشروع طائفي لتقسيم الوطن العربي، وقامت بالتبرير المستمر لفتاوى التكفير وخطاب الكراهية، ولاحقا ذرف دموع التماسيح عند وقوع تفجيرات طائفية، تماما كما حدث في الكويت والسعودية.

وختم الدحيلان حديثه بأنه على رغم الواقع العربي وما يعانيه من تصدعات وتحديات، فإنه يجب على النخب المعتدلة والواعية أن تفعل دور جيوب المقاومة الثقافية، لنشر الوعي والتحذير من المنزلق الطائفي بقدر المستطاع، وإعادة البوصلة إلى وجهتها الصحيحة من جديد، فعلى رغم هذا السوء والعتمة لايزال هناك بصيص أمل لا ينطفئ.

بعد ذلك استهل محمد الشافعي ورقته بالحديث عن الدوافع التي تقودنا لتناول موضوع الطائفية والتعاطي معها من فترة لأخرى أنها تعود إلى ما قبل انفجار الهويات في المشرق العربي حيث كان الحديث عن الطائفية مرتبطاً بدوافع تنموية متعلقة بالمجتمعات المحلية كتعايش المواطنين داخل بلدانهم، وإتاحة الفرص المتساوية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. لكن بعد حدوث الانفجار الكبير للهويات في المشرق العربي وخصوصا بعد الغزو الأميركي للعراق، أصبح الحديث عن الطائفية هو حديث لوقف الاقتتال والاحتراب، ووقف الارهاب وتدمير الدولة الوطنية الحديثة وانجازاتها.

وبيّن أن جميع محاولات المعالجات للمشكلة الطائفية كانت موضعية تتناول الطائفة على أنها تنوع مجتمعي، وهذا خلل في المصطلح، موضحا أنها ليست تنوعا دينيا أو عرقيا أو غيره، وإنما هي حالة من حالات تمترس داخلي يرفع من مكانتها لتكون القيمة العظمى في المجتمع.

وأكد أن الطائفية اليوم هي الخطر الحقيقي الذي يهدد الاستقرار والأمن المجتمعي بسبب بقاء وتضخم الروابط التقليدية داخل إطار الدولة الحديثة وسعي المؤمنين بتلك الروابط إلى الحفاظ على تموقعهم داخل النظام الاجتماعي القائم على مرتكزات مختلفة بل ومتناقضة.

وأكد الشافعي أن الدولة الوطنية الحديثة لا تقوم على أساس التفريق بين عقائد الناس بل تلتزم الحياد حيال ذلك، وتقوم أساسا على ثنائية الحقوق والواجبات.

واستوضح المحاضر الحالة التي نعيشها الآن في المنطقة العربية مقارنا إياها بأوروبا في العصور الوسطى على أنها نعمة، فما حدث في أوروبا كان أكثر بكثير من الذي نعيشه الآن من حيث حجم الحروب التي وقعت فيها، لكن أوروبا تجاوزت هذه المرحلة بتأسيس الدولة الوطنية الحديثة.

واشار إلى أن الدولة القطرية التي قامت في منطقتنا لم تتمكن من الحد من الروابط التقليدية أو توظيفها لتعزيز الكيانات الوطنية، بينما تطورت مفاهيم ومبادئ وقيم حديثة في أوروبا ساهمت بشكل كبير في تفكيك الروابط التقليدية القديمة القائمة على أساس العشيرة والطائفية وتم إبدالها بالصيغة الجديدة وهي الدولة الحديثة.

وشدد محمد الشافعي على ضرورة النظر في تجربة الدولة الحديثة عند الأوروبيين ومقارنتها بالتطور الذي حصل في منطقتنا لنكشف من أين تستمد الطائفية قدرتها على البقاء في مجتمعنا، فالدولة الحديثة في العالم العربي لم تمر بالتدرج السليم لتطورها وإنما حدث فراغ كبير بسبب الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، واستيراد بعض الدول مفهوم الدولة الحديثة كمنتج ناجز وجاهز ولبنان نموذج واضح في هذا المجال.

وتطرق المحاضر في نهاية مشاركته إلى الحديث عن الخيارات التي تواجهها مجتمعات المنطقة في ظل استمرار المشكلة الطائفية وهي إما العمل على المحافظة على مكتسبات الدولة الحديثة وتنمية وتطوير الأطر المناسبة لبنائها، أو العودة إلى ما قبل الدولة الحديثة وحكم الجماعات الأصولية، مؤكدا أنه لابد من تحقيق انزياح حقيقي بين مركزية الطائفة والجماعة وتعزيز حضور الدولة المدنية واعتمادها في تنظيم المجتمع؛ لأننا في مواجهة متوالية تاريخية تراكمت فصولها منذ القرون الوسطى.

بعد ذلك بدأت مداخلات الحضور، فأشار منصور آل سلاط إلى أن حركة التحرير الوطني العربي حملت معها الكثير من الأخطاء على مستوى المثقفين وعلى مستوى الحركة الوطنية نفسها، وقادت إلى تجاوز العديد من المسلمات والمعطيات الأساسية، كما أكد صالح آل عمير أن الآمال المعلقة بالشباب هي المنقذ الوحيد من هذه الأزمة الطائفية، ولهذا فإنه يجب العمل على غرس مفاهيم القبول بالآخر ونبذ خطاب الحض على الكراهية. وتحدث احمد الخميس عن الدولة القُطرية ومدى هشاشتها وضعفها، وأن انهيارها أو ضعفها يقود إلى العودة إلى الشبكات التقليدية في العلاقات بين مكوناتها، ونحن أمام تحديات تستوجب معالجات فكرية وسياسية.

واشار احمد الخرمدي إلى غياب الأنظمة والقوانين التي تجرم خطاب الكراهية مؤكدا دور المثقف العربي في كونه أداة فعالة في تغيير المجتمع إلى الأفضل. واشارت هدى القصاب إلى أن الطائفية ليست قضية دينية وإنما هي سياسية، وأن هناك بعض المثقفين يمارسون التأجيج، مطالبة بالعمل على برامج لتنشئة جيل نقي بعيد عن التعصب والكراهية. وأكد هاشم الصالح أن الطائفية ليست مشكلة سياسية فقط بل هي مشكلة تدين أيضاً وثقافية استبدلت بمفهوم الطائفة القبلية، فينبغي وجود معالجة ثقافية ودينية جديدة قائمة على الانسانية التي هي عمق الدين وأساسه وفق النصوص القرآنية، وأعرب زكي أبو السعود عن وجهة نظره في وجود علاقة بين الدولة الحديثة والطائفية، وأن الاستبداد هو الذي أبقى على مشكلة الطائفية فيقوم باستخدامها وإبرازها عندما يلزم الأمر.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 4954 - الأربعاء 30 مارس 2016م الموافق 21 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً