العدد 4987 - الإثنين 02 مايو 2016م الموافق 25 رجب 1437هـ

تتمة آل أبي شبانة

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

وقع في يدي، مطبوعاً ومحققاً هذه المرة، كتاب «تتمة أمل الآمل في علماء جبل عامل» لمحمد بن السيد علي بن أبي شبانة البحراني (ت حوالى 1760م/ 1173هـ). وهذا الرجل من أعلام القرن الثامن عشر الميلادي (الثاني عشر الهجري)، والكتاب كما يتضح من عنوانه هو ذيل واستدراك لكتاب الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت 1693م/ 1104هـ) في كتابه المعروف، والذي ضم جزأين، الأول خصّصه في الترجمة لعلماء جبل عامل (جنوب لبنان)، والثاني في علماء سائر الأقطار في العالم الإسلامي ممن بلغته معرفتهم أو أتاحت الظروف له أن يلتقيهم بشكلٍ مباشرٍ.

وكنا في هذه الزاوية قد استعرضنا قبل مدّة أهمية كتاب الحر العاملي في مقالة بعنوان «الحر العاملي وتراث علماء البحرين»، وما يعنيني الآن الإشارة إلى أهمية هذا السفر القيّم لآل أبي شبانة، والذي أعدّه وحقّقه صاحب الهمّة العالية والحب الكبير لتراث البحرين العلمي السيد محمود الغريفي مؤسس ورئيس «دار حفظ تراث البحرين» في المهجر، وهذه الدار الفتية تمكّنت حتى الآن من إصدار 85 عملاً متفاوتاً في الحجم والأهمية، وما كان لهذه الأعمال التراثية والعلمية أن تتم لولا الجهود الاستثنائية والاندفاع الكبير الذي يتحلّى به السيد الغريفي برغم تواضع الإمكانات المادية والظروف الصعبة التي يعيشها المغترب في العادة بعيداً عن وطنه، خصوصاً في الغرب الأوروبي.

وقبل أن نتحدث عن الكتاب، من المناسب الحديث عن صاحبه، فالسيد محمد آل أبي شبانة ينحدر من أرومة هاشمية ينتهي نسبها الشريف إلى الرسول الأكرم (ص)، وأسرته من الأسر العلمية العريقة في بلاد البحرين، ويذكر صاحب كتاب «أنوار البدرين» أن أصلهم من قرية «مِنِي»، ثم سكنوا قرية «الزنج» من البحرين وبها كانت بيوتهم وأملاكهم.

وحسبما يشير المحقق في مقدمة الكتاب، فإن هناك من يرى بأن الأسرة تنحدر من قبيلة الوهبة التميمية النجدية، إلا أن أهل التحقيق قالوا بأنهم عائلة واحدة في العالم الإسلامي وهم سادة أشراف يرجعون إلى الإمام موسى الكاظم من ابنه الشريف الحسن، وتواجدهم في البحرين وفي كربلاء إلا أنهم يعرفون باسم آخر وهو «آل ماجد»، وتعرف أيضاً بـ»آل طالب»، وأول من سكن منهم في كربلاء السيد أحمد بن السيد ماجد. كما أن قسماً من الأسرة هاجر إلى البصرة، فيمن هاجر من العوائل البحرينية، وقد كانت للسيد ناصر بن السيد احمد آل شبانة مكانة كبيرة عند الناس وعند حكام البصرة الذين كانوا يعظّمونه غاية التعظيم.

لقد بقي كتاب آل أبي شبانة مخطوطاً ما يزيد على القرنين ونصف القرن، وما كانت لهذه النسخ الخطية أن تنجو من التلف والضياع لولا أن رتبت لها الأقدار ظروف السفر إلى العراق لتستقر في قماطر أهل العلم ومكتباتهم الخطية، تحوطها أيدٍ أمينة تقدّر قيمتها العلمية والتاريخية وتتعهدها بالحفظ والعناية.

اعتمد المحقق في تحقيق عمله على نسختين خطيتين:

الأولى: مصوّرة عن النسخة التي نسخها الشيخ علي كاشف الغطاء النجفي سنة 1913م (1331هـ)، وعدد صفحاتها 278 صفحة، وكانت مودعةً في مكتبة الإمام الحكيم في النجف الأشرف.

الثانية: نسخة كربلاء، وتقع في 237 ورقة، كل ورقة فيها صفحتان، وهي مجهولة التاريخ وناقصة الآخر. لكن الكتاب بفضل جدّية المحقق وإتقانه، أصبح مطبوعاً في أكثر من ألف صفحة!

وضع المؤلف كتابه هذا مدفوعاً بباعثين اثنين: الأول تجاوز ما وقع فيه الحر العاملي في كتابه الأصل من الاختصار في الأعلام الذين كتب عنهم «إلا أنه اختصر فيهم غاية الاختصار، ولم يذكر لهم إلا يسيراً من الأشعار والأخبار». أما الباعث الثاني فيتمثل في إضافة ما غفل الحر العاملي «عن ذكرهم ولم يطلع على شعرهم من زمان الفرزدق (القرنين الهجريين الأول والثاني) إلى زماننا هذا... ورتبته على حروف الهجاء بأسمائهم وأسماء آبائهم كما هو مسطور في الكتاب المذكور».

وبإحصاءٍ سريعٍ لمادة الكتاب العلمية، والتي تعتمد على مدرسة التراجم التاريخية، تبيّن أنه يضم 19 شخصيةً من أعلام البحرين، مبثوثةً في تراجم الكتاب مع علماء الأقطار الإسلامية الأخرى. زيادةً على ذلك، فإن المصنف قد خصّص فصلاً كاملاً «في ذكر بعض علماء البحرين»، أورد فيه معلومات عن 34 شخصية بحرينية عاشت بين القرنين الثالث عشر والثامن عشر الميلادي (السابع والثاني عشر الهجريين)، وعليه فان إجمالي ما ترجمه الكتاب عن علماء البحرين 53 شخصية علمية من بين 222 شخصية ضمّها بين دفتيه.

يمثل كتاب السيد آل أبي شبانة حلقة من حلقات التواصل العلمي الذي ربط البحرين بغيرها من الحواضر العلمية في العالم الإسلامي في القرون الماضي، كما يدلل على حيوية المناخ العلمي في القرن الثاني عشر الهجري (18 الميلادي)، ذلك أن علماء البحرين وأدباؤها لم يكتفوا بالتلقي السلبي لحركة الإنتاج الفكري والأدبي؛ بل ساهموا فيها واشتركوا في إثرائها عبر مساهماتهم وجهودهم العلمية، وهو ما اتضح في أدوارهم في مجال التصنيف العلمي والتدريس والمراسلات والهجرة العلمية.

كل الشكر والتقدير للمحقّق الغريفي لمساهماته القيّمة في خدمة التراث العلمي للبحرين وحيّا الله هذه الهمم العالية.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4987 - الإثنين 02 مايو 2016م الموافق 25 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:05 ص

      جهود جبّارة تشكر عليها وأتمنى لو أنني مع إخوتي ان نحاول التعاون معك في جمع هذا التاريخ المجيد وكل من تقع يده على شيء من هذا التاريخ لجمعه وتبويبه فهذا واجب كل من لديه المقدرة ويصل الى مخطوطة او أي شيء يتعلّق بتاريخ هذا البلد لكي يجمع في كتاب او مجلّد يحكي قصص وحكاية هذا الشعب وسيرته الإيمانية

    • wessam abbas زائر 2 | 2:25 ص

      مرحباً ياصديقي.. أشكر لك تجاوبك الكريم.. ويشرفني التعاون مع كل من يرغب في تقديم شيء مهما كان متواضعاً في سبيل احياء تراثنا وتاريخنا .. شكرا مرة أخرى

    • زائر 1 | 11:12 م

      شكرا شكرا

      شكرا جزيلا حبذا لو تذكر أسماء الكتب التي حققها الغريفي وفقه ووفقك الله.

    • زائر 4 زائر 1 | 7:08 ص

      جهود بناءة يشهد لها أستاذي وسام ..
      و حبذا لو تتكاتف الأيادي لجمع كل بعثر من تاريخنا في أقطار الأرض في مركز علمي يتراوده أجيالنا القادمة .. بوركتم و بوركت مساعيكم الطيبة ...

اقرأ ايضاً