العدد 5022 - الإثنين 06 يونيو 2016م الموافق 30 شعبان 1437هـ

شريعتي والتشيع الصفوي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

هل كان المفكر الإيراني المعروف علي شريعتي (1933– 1977) يمثل المعادل الشيعي لمنظّر حركة الإخوان المسلمين المصرية سيد قطب (1906– 1966)؟ وهل ثمة وشائج فكرية تجمع بين الرجلين ؟

هذا التساؤل أطرحه لاعتبارات يستند معظمها لأوجه الشبه بين النموذجين العربي والإيراني (الشيعي– السني)؛ فالاثنان خاضا معارك فكرية وسياسية واحدة، وواجها أنظمة سياسية مستبدة، وخاضا في وقت متقارب زمنياً غمار العمل النضالي وحملا القلم وخبرا السجن، ودرسا في الغرب قبل أن يمارسا أدواراً فكرية ضخمة وشديدة التأثير ويبشران بمشاريع خلاص في مجتمعيهما. والاثنان تنكبا ذات الطريق وواجها المصير نفسه الذي انتهى بالتصفية الجسدية. وهما معاً تبنيا نموذجاً حركياً يلحُ بشكل عنيد على إشعال جذوة الغضب في صفوف الجماهير وتهيئتها للثورة والتمرد على الواقع البائس الذي كانت تعيشه الشعوب المستضعفة وقتئذ.

والاثنان أيضاً – وهنا مربط الفرس- غرسا نبتة «التمايز» و«الفرز» الحاد بين العناصر الصالحة في الأمة (المجتمع) والتي تقع على كاهلها مسؤولية التغيير وتحمّل الرسالة التي من أجلها بُعث الرسل وجاءت الرسالات السماوية؛ وبين العناصر «غير الصالحة» التي لا تقف فحسب حجر عثرة بين طموحات التغيير الإصلاحي عند طلاب الحرية والمناضلين من أجل الكرامة، بل تعمل على تكريس الواقع القائم وتسويغه وتطيل من أمد معاناة الشعوب.

من هنا توسع سيد قطب في تأصيل فكرته حول «جاهلية القرن العشرين» قاسماً المجتمع إلى فسطاطين: مسلمين بحق، وآخرين يعيشون جاهلية لا تختلف في الجوهر والمضمون عن جاهلية عرب البادية قبل بعثة النبي (ص) وبعدها بقليل، وإن نطقوا بالشهادتين والتزموا ببعض شعائر الدين!

أما شريعتي، فقد بادر بدوره إلى تقسيم أبناء مجتمعه من المسلمين الشيعة إلى شيعة علي بن أبي طالب وشيعة الشاه عباس الصفوي، أو كما أسماه «التشيع العلوي» و«التشيع الصفوي»، وهي المقولة التي –مهما حسنت نوايا مطلقها– تردّدت وراجت بشكل كبير جداً واستُخدمت فيما بعد بشكلٍ مغرضٍ وصفيقٍ، ووُظّفت للنيل من أتباع هذا المذهب الإسلامي العريق، من قبل مناوئيهم وخصومهم السياسيين، وجرى ترديدها بغباء وتقصد، معزولةً عن سياق إطلاقها والظروف التي استخدمت فيها.

والسؤال: هل كان شريعتي يمثل الظلال الفارسية لحركية سيد قطب العربية؟ الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى دراسة وتتبع واسع، وهو غير ميسور لمن هم مثلي، ولكني أميل إلى الإقرار بوجود علاقة تأثر، وعندما درس الباحث الايراني عباس خامه يار علاقة «إيران والإخوان المسلمين»، وقف على شيء غير قليل من الحقائق المهمة في هذا المجال ليس هنا محل استعراضها.

ما دفعني إلى طرح الموضوع هو كمّ المقالات والدراسات التي كتبت حول فكر شريعتي وحجم تأثيره على جيل الشباب الإيراني في فترة الستينيات والسبعينيات، وهي فترةٌ كانت فاصلةً في تاريخ إيران المعاصر، وهيأت الظروف لتحوّل كبير في مستقبل البلاد.

شريعتي كان بلاشك مفكراً ذا قدرات تحليلية ملفتة، وكان إلى جانب تخصّصه في علم الاجتماع وعلم الأديان المقارن، خطيباً مفوّهاً قادراً على إشعال الحماس في أوساط الشباب، لكن اندفاعه الثوري ولغته الغاضبة ونزعته التعبوية قد أوقعته في مزالق تاريخية أنتجت أحكاماً يجري الآن إعادة تقييمها بلحاظ ما أنتجته من آثار عكسية ارتدت سلباً على نظرة الآخرين لأتباع هذا المذهب الإسلامي؛ فقد وفّرت أدبيات شريعتي مادةً خاماً لإنتاج خطاب كراهية يستخدمه الموتورون وأصحاب القلوب المريضة للمناكفات المذهبية وهدر طاقات المجتمع في حروبهم المختلقة ومشاكساتهم الطائفية المبتذلة.

لقد استخدم شريعتي مصطلح التشيع الصفوي (المبتدع) في مقابل التشيع العلوي (الأصيل) لوصف واقعٍ راكدٍ كان يسعى لتغييره، ومن هنا جاءت محاولة تأصيل هذه الرؤية من خلال تقسيم التاريخ الإسلامي إلى مرحلتين، تبدأ الثانية منهما مع بداية عهد الدولة الصفوية.

الباحث علي المؤمن اعتبر في مقالة له قبل أسابيع أفكار شريعتي في كتابه «الرديء»- الوصف للمؤمن- «التشيع العلوي والتشيع الصفوي» نموذجاً لليسار الديني في إيران في مرحلة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وهي أفكار تخلط بين الفقهاء ووعاظ السلاطين، وتساوي بين عالم الدين و»الروزخون»، وتحمِّل الفقيه الشيعي وزر الشيخ السلفي. واعتبر أن هذا الأطروحات «تساهم في تحفيز الآخر الطائفي ضد الشيعة، وفي توفير المسوغات الفكرية والدعائية لتكفيرهم وذبحهم من الخصم التكفيري».

أما أحمد راسم النفيس فيرى أن شريعتي «بالغ في توصيف الواقع الذي عاشته إيران قبل الثورة الإسلامية، فاختار هذا المصطلح الذي نعتقد أنه شكّل مبالغةً كبرى تحوّلت بعد ذلك لتصبح تهمة تلاحق كل الشيعة في ولائهم وانتمائهم لأوطانهم وتجعل من تشيعهم حالة صفوية خزعبلاتية، وهو وصف أبعد ما يكون عن الحقيقة».

ورغم ذلك، فإنه لا يمكن اختزال فكر شريعتي بهذه المقولة، فللرجل طروحات لازالت طرية ولاتزال تحتفظ بحرارتها وقدرتها على تحريك الأذهان وتغذية العقول.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5022 - الإثنين 06 يونيو 2016م الموافق 30 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 8:34 ص

      مقال جميل، ،مع التنويه أن، علي شريعتي، ،من أعظم المفكرين الذين ظهروا في القرن العشرين. وكان له دور بارز في التغيير.

    • زائر 17 | 6:35 ص

      كنا احباب الشيعة والسنه وجاء الدين الجديد التكفيرى بتمويل من امريكا وبثو الطائفيه لانه الي اتبعوهم جهلة وهادى هى النتيجة ولن يهدا العرب من هادى القضيه الى ....

    • زائر 13 | 4:11 ص

      خلكم نايمين في الماضي

      لن تفلحوا حتى تتخلصوا من هذا الماضي التعيس. كفى خوضا فيه. لن تجنوا إلا المزيد من الشقاق ليس في الدين الواحد فقط ولكن حتى على مستوى المذهب. اليوم هناك خبر عن تمكن بروفيسورة أمريكية من إزاحة الجينات المعطوبة وإحلال أخرى صالحة مكانها وأنتم للأسف الشديد قابعون في هذا الوحل.

    • زائر 15 زائر 13 | 6:01 ص

      صدقت يا أخي الأمم كلها تتطور الا نحن مشغولون بما حدث في الماضي للأسف انشغالنا بالماضي هو سبب تخلفنا نتقاتل على احداث لم نشهدها للأسف قمة في الغباء و التخلف لأننا لا نطبق قوله تعالى (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يفعلون) صدق الله العظيم

    • زائر 19 زائر 13 | 9:45 ص

      زائر 15

      أحسنت بارك الله فيك
      خير الكلام ما قلّ ودل
      ومن أحسنُ من الله قيلا

    • زائر 12 | 4:07 ص

      وشلكم بهل مواضيع الخشنة
      ١- اناس إت داور في المريخ و حنة مو قادرين انشوف الهلال
      ٢- اول شي لازم ان ادن مفل الاوادم, واحد اِ ادن من وقت واحد اِ ادن متأخر. وين العلماء دخل علينا اليل و الحجي ماخلص ادان المغرب جواعة

    • زائر 10 | 2:44 ص

      التشيع العلوي عند شريعتي تشيع ثوري تقدمي وهو قريب جدآ من الحركات الشيعية الفعالة حاليا التي من الغريب أن توصم بالصفوية فيما هي مناقضة لتشيع الصفوي وهذا اما سوء فهم أو سوء نية من مطلقها.

    • زائر 9 | 2:12 ص

      شريعتي هو من القلائل الذين تجردوا من عن الهوية المذهبية و العنصرية و كان يدعوا للإسلام الخالي من هذه العصبيات و بين للعالم مدى الضرر الذي حل بالتشيع بسبب الدولة الصفوية و النزعة الشعوبية التي غرستها هذه الدولة لذلك نجد محبي ايران دائماً ما ينتقدونه و هذا اكير دليل على انه على حق

    • زائر 8 | 2:06 ص

      للاسف. عندما يعبث البعض بما هو فوق قدراتهم تقع ما يشبه الكوارث؟ مقال للاسف خلط الحابل بالنابل،،، والا فاين الثرى من الثريا.............فالاسم الأول على الجادة، وحاول لملمة ما قد يكون انحرف عنها،،، اما الآخر فهو مسير ومسخر للانحراف عن هذه الجادة، وقد فعل وما زال اتباعه يفعلون ويعيثون دمارا. هل فهمت.

    • زائر 7 | 1:28 ص

      لا وجه شبه بين المقولتين جاهلية العشرين غير متخصص الاجتماع بل تربوي يفترض قطيعة المجتمع الاسللامي يفتر ض عن جذوره تماما والتشيع الصفوي نقد اجتماعي متخصص لموروث مرحلة واقعي

    • زائر 6 | 1:27 ص

      هناك روايات تقول ان شجع علماء من جبل عامل ومن العراق والبحربن ليتعلموا تعاليم الشيعه واستلما مناصب وصلاحيات واموال وهبات كبيره مقابل نشرهم لمذهب التشيع ولم يغادروا ايران

    • زائر 4 | 1:05 ص

      سيدي إن كنت تقصد كتاب"جاهلية القرن العشرين"فهذا الكتاب لمحمد قطب وكتاب معالم على الطريق لسيد قطب.اما الشهيد شريعتي رحمه الله في كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي,فقد ابتعد عن الحقيقة حين شن هجومه على الدولة الصفوية,فيما اخذ يمجد في بعض رؤوس الشرك في جاهلية قريش,بل ضرب بعرض الحائط روايات اسلامية هي من المسلمات بين الفريقين,مثل زواج الامام الحسين عليه السلام من ابنة كسرى شاه زنان قدس الله روحها الشريفة.

    • wessam abbas زائر 4 | 3:31 ص

      ما قصدته هو كتابه (معالم في الطريق) بالطبع.. شكرا لمداخلتك.. وقد قرأت الكتابين في مرحلة ما من العمر .. وبالطبع الفكر واحد كما لايخفى عليك

    • زائر 2 | 12:12 ص

      الشيعه هم شيعة الامام علي ياخذون من منابع الكتب لامام جعفر الصادق لا يوجد صفوي او علوي وفي عهد الصفويون تم بناء وترميم الاضرحه وتركيب الذهب والقاشاني الثمين للاضرحه في العراق

    • زائر 5 زائر 2 | 1:10 ص

      هذا ما كان يقصده علي شريعتي بالتشيع الصفوي،..................

    • زائر 1 | 9:47 م

      عباس صفي الدين ما يوصفونه بالصفوي أصله عربي مكي مدني من سلالة رسول الله والإختلاف هل هو ظالم أو عادل هل أخذ شي من عدالة علي ( ع )أو ظالم كالحجاج ويزيد وعبيد الله بن زياد والمتوكل.

اقرأ ايضاً