العدد 5024 - الأربعاء 08 يونيو 2016م الموافق 03 رمضان 1437هـ

ماذا لو تشابهت وجوه البشر؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

دعونا نتخيَّل التالي: أن نُولَد ونعيش بدون أمراض. ليس الأمراض الوراثية، بل حتى تلك التي تطرأ علينا، كالفيروسات والأورام وأيضاً الأمراض النفسية بكافة أنواعها. أن يُولَد المرء حتى يصبح طفلاً فيافعاً فشاباً فكهلاً، دون أن يتعلَّل بأيّة أمراض قد تنقلها إليه جينات أمه وأبيه أو أجداده! إنها فعلاً حياة مثالية بامتياز!

لنتوسّع أكثر: ماذا لو نصحو فنكتشف بأن كل الناس قد أصبحوا على شكل واحد. كلهم بشعور صفراء، وبَشَرَة بيضاء، وعيون زرقاء، وأنوف صغيرة، وقامة طويلة وبكل التفصيلات الدقيقة! أو لِنَقل غير ذلك: ماذا لو وجدنا الجميع بشعر أجعد وسَحْنَة سمراء وعيون سوداء وأنوف كبيرة وقامات مربوعة بالتمام، تُرى ما الذي سيحصل؟

سأروي لكم حكاية طريقة. قبل عامين اكتشف الأطباء العراقيون في محافظة ذي قار (جنوب) أن عاملاً صينياً يعمل في حقل الغراف النفطي خَدَعَ الأطباء في المستشفى. كيف؟ اعتمد هذا المواطن الصيني على الشَّبه الكبير الذي يجمع الصينيين فأراد إنقاذ صديقه، الذي يعاني من التهاب الكبد الوبائي. فَعَلَ ذلك كي يُنقذ صديقه من الترحيل لأنه لن يجتاز الفحص حتماً.

محاولة ذلك العامل الصيني لم تنجح، لكننا لا نعلم كم هي المرات التي نجحَ فيها آخرون، حين انطلت حِيَل مشابهة وفي مراكز رسمية على المسئولين والموظفين هناك، خصوصاً أن العراقيين في تلك المحافظة لم يعودوا يُفرّقون بين الصينيين «الكُثُر» العاملين في المنشآت النفطية نظراً للتشابه الكبير الذي يراه غير الصينيين في وجوههم. وهي أشكالٌ لوجوه، تجمع أغلب دول شرق آسيا وتحديداً الصين واليابان والكوريتَيْن وفيتنام وغيرها.

وبمناسبة الحديث عن وجوه ذلك الجنس البشري في شرق آسيا يمكن أن أضيف شيئاً مهماً. فقد يظهر لنا أن هذا الجنس الغالب في شرق آسيا متشابه إلى حدِّ كبير، لكن فروقه واضحة لتلك الشعوب. فالحمض النووي يُظهِر أن الاختلافات بين الناس هناك عميقة. وقد ثبت مثلاً أن الصينيين الجنوبيين والشماليين والفيتناميين بينهم مدّ وجزر في مدى انتسابهم إلى هذه البقعة أو تلك. وأن هناك عوامل كثيرة حالَت دون تحقق الاندماج الجيني للمنطقة الممتدة من اليابان حتى ماليزيا.

أرجع إلى زاوية الحديث الأساسية، فقبل فترة كَتَبَتْ لوري أندروز مقالاً علمياً مهماً. ولوري هي بروفيسور في جامعة شيكاغو - كينت في مجال القانون والتكنولوجيا الوراثية. وقد استعان بها الكونغرس الأميركي في ذلك وعملت مستشارة في 12 بلداً بشأن قضايا الخلايا الجذعية للجنين. مقال لوري يُناقش كتاب المحامي والخبير في الأخلاقيات الحيوية، هنري جريلي والمسمّى بـ»نهاية الجنس ومستقبَل التكاثر البشري»، وهو يتحدث عن الوسائل الجديدة في مسألة التلقيح والإنجاب.

وقد بدأ الحديث في الغرب يدور بشأن مساعدة الأسَر في «تشكيل صفات أطفالها» الذين سيُنجبونهم وذلك بهدف «إصلاح وتحسين الصفات الوراثية لأَجِنَّتهم» عبر تسلسل جيني مُحكَم. فالتنبؤات هناك تشير إلى أن المرأة لن تكون بحاجةٍ إلى علاج هرموني أو أخذ بويضاتها وتلقيحها كي يتم الحمل، بل سيُكتَفى بأخذ بعض خلايا جلدها، «وتعديلها باستخدام تقنيات الخلايا الجذعية؛ لتحويلها إلى بويضات ثم يتم تخصيبها للحصول على نحو 100 جنين».

حينها سيكون بمقدر الأبويْن اختيار الجنين الأسلم على أساس مئات من الصفات المنتقاة التي سيتحكّمون فيها حيث ستكون أمامهم آلاف المعلومات بشأن كل جنين من الجينات الـ 20 ألفاً. فجين الـ(بي آر سي أي ون) المتعلق بالسرطان على سبيل المثال، يحوي وحده على 81 ألف زوج قاعدي كما في علم الأحياء الجزيئي. وهو ما سيقضي على الإجهاض الذي يتم في حالات التشوّهات الخلقية في الأجنَّة حسب رأي المؤيدين لتلك التقنية الجديدة.

هذا الأمر مثير للجدل فعلاً. في السابق كان الحديث بشأن محاولة تحديد ما إذا كان الجنين ذكراً أم أنثى. ثم تطوّر إلى إمكانية جعل الحمل بتوأم أو مفرد. ثم أصبح الحديث عن تحديد بعض الأمراض خلال فترات الحمل الأولى. واليوم تطوّر الأمر ليصبح التحكُّم فيما هو أبعد من ذلك... في الصفات والأشكال وألوان البشرة والشعر والعينين والأنف، فضلاً عن معرفة المستقبل الصحي للجسم.

لا نعلم مدى قدرة هذه التقنية على الصمود، ولكن من المستحيل فعلاً أن تحصل الأسر على أجنَّة سليمة بشكل كامل. والسبب في ذلك بسيط، فالأم (وأيّ إنسان في العالم) لا يستطيع أن يتَّقِي أمراضاً تصيبه خلال مراحل عمره. ولأن ذلك هو الحقيقة، فكيف يمكن للأمهات أن يتعاملن مع إصابتهن بالأنفلونزا خلال فترة الحمل وهي المسئولة بأربعة أضعاف عن إصابة الأبناء بالاضطراب ثنائي القطب أو ذي الاتجاهين، حسب بعض الدراسات حتى ولو كان حظها قليلاً! هذه مشكلة.

أما فيما خصّ الأشكال، فالبعض يعتقد أن شياع ذات الشيء وبصفات موحّدة يمنحه جمالاً أكثر وهذا أمر غير صحيح. فتشابه الأشياء لا يمنح العين القدرة على فرز الجمال ولا تحسّسه، بل تخالف الأشياء هو الذي يساعدها على التذوّق. كنا نقول بأن سكان القطب المتجمّد أدركوا قيمة الشَّمس بسبب ما هُم فيه من بَرْد. وأهل المناطق الاستوائية عرفوا قيمة الثّلج لقيظٍ لاهِبٍ هم فيه. وهكذا دواليك. يضاف إلى ذلك فإن الذوق العام متبدّل في مقاييس الاختيار والجمال. فالشعر الأسود لم يعد هو «الأجمل» اليوم في كوريا الجنوبية. وكذلك تبدّلت النظرة إلى الجمال في أميركا اللاتينية والهند.

في المحصلة فإن مثالية الحياة لن تتحقق للإنسان مهما فعل. فكان وما يزال وسيظل يُكابد من أجل تحسين ظروفه لا أكثر من ذلك.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5024 - الأربعاء 08 يونيو 2016م الموافق 03 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً