العدد 5029 - الإثنين 13 يونيو 2016م الموافق 08 رمضان 1437هـ

«الناصر القصيباني» ... الفكرة وقد حان حينها

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

الضجة التي أثارتها الحلقة الثانية من المسلسل الكوميدي الساخر سلفي 2 للفنان المبدع ناصر القصبي، فجّرت نقاشاً لا ينتهي، وأثارت جدلاً واسعاً في شبكات التواصل الاجتماعية، فلقد أثار اللغط الذي أعقب بثها سيلاً من التعليقات بين مؤيد ومعارض للطريقة التي عالجت فيها الحلقة موضوع الخلافات بين أتباع المذاهب الإسلامية (السنة والشيعة)، ونظرة أبناء كل مذهب إلى الآخر، ولاحظتُ بعد متابعتي لما كُتب عنها أن ردود الأفعال جاءت في أغلبها متشنجةً وانفعاليةً من الطرفين، انسجاماً مع الوضع الطائفي الذي يضرب مجتمعنا بعبثية غير مسبوقة منذ العام 2003، فيما جاءت بعض الكتابات مؤيدةً ومشجّعة للرسالة الإنسانية الجميلة التي تبنتها الحلقة ودعت لها.

وأعتقد أن حجم التفاعل الجماهيري الضخم الذي حظيت به الحلقة وعدد المتابعين لها، يعطي مؤشراً لمستوى تعطش المشاهد العربي في معالجة مشاكله الحقيقية بصراحة متناهية، ودون أية مواربة، بعد أن سئم أخبار الدم، وهي أيضاً تجسّد مقت الأغلبية الساحقة من أبناء المجتمع وسأمهم من الوحل الذي سقطت فيه مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تسود فيها خطابات دينية عتيقة معادية للحياة وللعيش المشترك.

لم أجد عند مشاهدتي للحلقة ما يستفز قناعاتي الدينية أو يشوش نظرتي لثوابت عقيدتي، وعلى العكس، وجدت أن الكثير مما تطرحه الحلقة يصلح بالفعل مادةً للسخرية والتندر لكشف عوراتنا الاجتماعية بأسلوب كوميدي هادف قادر على تحديد مواطن الخلل بشكلٍ لا يمكن لأي وسيلة أخرى أن تقوم به. من هنا نجح القصبي وفريق العمل في المسلسل في إبراز الصدع الذي نعاني منه كأمةٍ ممزّقةٍ، يتفشى فيها الجهل وتعشعش الكراهية وتسيطر عليها السذاجة الدينية والنظرة العدائية المتربصة بالآخر.

المفارقة أن الجدل الذي أعقب عرض الحلقة جاء على الضد من الرسالة التي يدعو لها ويحاول بثها للمشاهد العربي، وهي رسالة إنسانية تهدف إلى ترميم ما دمّرته منابر السوء وأقلام الفتنة و»مساجد ضرار» والحشد الهائل من الخرافات والخزعبلات الدينية التي يتعيّش بها البعض ويتكسب من ورائها.

حضر عالم الاجتماع العراقي علي الوردي ذات يومٍ مجلساً ضمّ جماعةً من رجال الدين الذين قالوا إن سكان الأرض كلهم ملزمون بأن يبحثوا عن الدين الصحيح، فإذا وجدوه اعتنقوه حالاً. فكل إنسانٍ في نظر هؤلاء مجبورٌ أن يترك أعماله، ويذهب سائحاً في الأرض ليبحث عن دين الحق. فقال لهم الوردي: لماذا لم تسيحوا أنتم في الأرض للسعي وراء الحق؟ فقالوا وهم مندهشون لهذا السؤال السخيف: «إننا لا نحتاج إلى السعي وراء الحق لأن الحق عندنا». («مهزلة العقل البشري»، ص 56).

أرى أن الفزع الذي انتاب البعض بعد مشاهدتهم الحلقة وحجم الانتقادات والتسخيف والإدانة، يوحي بأن المشكلة لها جذور عميقة، ورواسب نفسية من الصعوبة الاعتراف بها، فضلاً عن إزالتها في وقت قصير؛ ولكن من الضروري التصدّي لها ومجابهتها بأدوات عصرية ووسائل يفهمها الجيل الحالي ويتقبلها بيسر.

ولعل من أوجه الخلل الذي تعاني منه بعض العقليات ما طرحه البعض من أن المسلسل عرضته قناة فضائية معروفة بمواقفها المناوئة للتعددية واحترام الأديان، وهو ما يكفي بزعمهم لإدانة العمل وخبث نواياه ونوايا القائمين عليه.

البعض أسرف في النقد وراح يحاكم الحلقة محاكمة «نصية»، مشهداً تلو مشهد، وهو في ذلك يلجأ لاختيار ما يتلاءم مع مذهبه ليقوم بتقديم لائحة اتهام انتقائية غافلاً عن رسالته الفنية الرئيسية الهادفة.

أعتقد أن رسالة الفن بمجالاته وحقوله الإبداعية المختلفة: (تلفزيون، سينما، مسرح، موسيقى، رسم، تصوير، أدب، شعر.. إلخ)، رسالة عظيمة بلحاظ تأثيرها الطاغي على العقول والنفوس في عالم اليوم. والأجمل أن يحمل الفن تلك الرسالة التي حملتها الأديان من قبله، وهي رسالة حب وسلام وعطاء خيّر للبشرية جمعاء، هذه الرسالة التي حرّفتها الأجيال المتوالية ممن خلفوا «قابيل».

الأديان قد تختلف وتتنوع، ويختلف باختلافها البشر في عقائدهم وولاءاتهم الدينية، لكن الفن مرشحٌ بقوة – وهو كذلك بالفعل - كي يجمع كل البشر بصرف النظر عن انتماءاتهم؛ فالإبداع له صفة كونية جامعة، وليست هناك قوة في العالم قادرة على منع انتشار فكرة وُلدت في إبانها، وبرأيي إن الفن الهادف لابد أن يقوم بما لابد من القيام به في بث رسائل الحب والسلام بين شعوب العالم، وبذلك وحده نستطيع تجفيف مستنقعات الفتنة، وبؤر التكفير، ونحاصر دعاة نبذ الحياة، ونشر الخراب في العالم.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5029 - الإثنين 13 يونيو 2016م الموافق 08 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 7:24 ص

      القصبي اجاد الدور بالعمامة

    • زائر 19 | 6:36 ص

      يا أيها الكاتب المحترم،،،ماعندنا مانع في مناقشة كل مايمس مشاكل المجتمع ،،،لكن،،، الا يمكن تمثيل شخصية بدون الحط من قدرها والاستهزاء الواااااضح منها،،،مع لَبْس العمامة السوداء في المنزل والحسينية وفي كل المشاهد ،،، مع الاستهزاء الواضح من القراءه الحسينية،،،شكلك ماشفت الحلقة ،،كاملة،،،،

    • زائر 18 | 6:06 ص

      وينك يازائر 15

    • زائر 14 | 3:40 ص

      (لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب) بعد زراعة الضغائن والاحقاد والكراهية وتحليل دماء المختلفين معهم في الفكر والعقيدة .
      بعد انتشار آلة التفجير والقتل وسفك الدماء في الآمنين والمصلّين من نساء واطفال وشيوخ وماذا ينفع هذا الخطاب والبذرة بذرت والشجرة اينعت وأثمرت بل لا زالت تسقى من الدعم الرسمي والتبرعات في بيوت الله مستغلّة المساجد لجمع التبرعات لقتل الابرياء .
      مسلسل من كم حلقة لا يوقف هدر انهار من الدماء جارية لا ولن تتوقّف

    • زائر 16 زائر 14 | 4:50 ص

      اقول لك عاد ويش يسوي مسلسل خاصة ان نصه اساسا استهزاء ومقارنات لا طائل منها الله المعين
      نحتاج احترام بعض فقط هذا ما نحتاجه وكل الامور بتسير بسلاسة

    • زائر 12 | 2:48 ص

      القران يقول "وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات اوقتل انقلبتم على اعقابكم " يعني حصل ارتداد عن الخط النبوي الاصيل لقد شوهوا الاسلام وجعلو منه دين القتل والسحل والسبايا ولم تنفذ وصيه الرسول بعد مماته

    • زائر 11 | 2:04 ص

      أحسنت

    • زائر 7 | 1:34 ص

      اذكرك فقط

      لقد نسيت في تعليقك ذكر المآتم والحسينيات والتي أنا من مريديهامذ طفولتي ،وأنا شاهد من أهلها .ولتعلم أيضاً أن طريق المليون ميل يبدأ بخطوة .

    • زائر 5 | 12:25 ص

      أحسنت أصبت عين الهدف بارك الله فيك

    • زائر 23 زائر 5 | 2:13 م

      ودّي آجوف الحلقه

      يا جماعه شوقتوني وايد للحلقه ودّي آجوفها لأني بصراحه ما جفتها ، كل حلقات السلفي فاتتني ولكن متحسّف علي هالحلقه بالذات
      هل معروضه علي اليوتيوب ؟

    • زائر 4 | 11:17 م

      ١٤٠٠ سنه وللحين يختلفون على من سيدخل الجنه، والعالم كله طافنه !!! حماقه

    • زائر 3 | 10:19 م

      اية الله الناصر القصيباني اجاد الدور

    • زائر 2 | 10:16 م

      تسلم الاْ نامل التي خطت الحروف صحيح

    • زائر 1 | 9:58 م

      صباح الخير

      يا حبيبي اترك عنك على قوله المثل يوم شاب ختنوه طوال السنين دز وشحن البغضاء والكراهية والأمراض النفسية في عقول الشباب في المساجد والحج والمدارس كتب تدرس في تكفير المذاهب الإسلامية احين جاي في حلقه كوميديه بتحل المشكله بسنا ضحك على عقول البشر

    • wessam abbas زائر 1 | 1:32 ص

      ياصديقي لم نقل أن المشاكل تحل بحلقة كوميدية,, لكننا بحاجة الى معالجة أمراضنا وعدم التفرج عليها أو صب الزيت على النار.. لذلك، نحن مع كل ما يجمع ولا يفرق، ونثني على كل ما يعيد للناس انسانيتهم المستلبة

    • زائر 8 زائر 1 | 1:38 ص

      أضمّ صوتي الى رأي القاريء، كون ذلك لا يغيّر من الأمر شيء وإن هي إلا زوبعة في فنجان، كما انني لا أعتقد ان الكاتب او الممثل يقصد من وراء هذه الحلقة لإصلاح او او معالجة مسألة الطائفية، فهو لم يقل شيئا لا يعرفه الناس .. وانما الغرض فقط هو الإثارة و اجتذاب المشاهدين لترقب المزيد من الاثارة .. فالمعروف انك ان اردت إلقاء حجر في بركة المجتمع .. تحدّث عن الجنس والدين .. ترى الجميع قد توجّه بعينه و قلبه نحوك .. محبا او مبغضا .. ولكنه سيرضي غرورك و طموحك و هدفك.

    • زائر 9 زائر 1 | 1:41 ص

      كان سلمان الفارسي رضوان الله عليه في الجاهلية يتنقل من ديانة إلى أخرى بحثاً عن الدين الخالص و بحثاً عن الانسان الكامل المتمثل بالمخلص و كان مسلماً من غير اسلام إذ لم يشرب الخمر، و لم يزني ، و لم يسرق ، و لم يقتل احدا، فعندما جاء الاسلام آمن برسول الله صلى الله عليه و آله عن معرفة و عن قناعة و لم يزده الاسلام ايمانا و يقيناً لأنه كان يبحث عن الله تعالى و عن المخلص المرتبط بالسماء ، و لذلك لم يتضعضع ايمانه و يقينه بالله تعالى و كان مع علي بن ابي طالب عليه السلام . اللهم عجل فرج قائم آل محمد

    • زائر 10 زائر 9 | 1:57 ص

      محاضره عاطنه

    • زائر 17 زائر 9 | 5:46 ص

      استعمار جديد من دول كبرى فى العالم , يعنى قنبلة موقوتة. وصح إلسانك زائر رقم 4

    • زائر 13 زائر 1 | 3:29 ص

      شدراني من صدقك يعني لو كانت هالحلقة جت قبل ازمة 2011 الي كشفت الاقنعة وراوتنا خبث النيات جان ممكن نتقبلها بقبول حسن لكن شلون يتقبل المطعون الطعنة تلو الطعنة لا نزال نحارب في ارزاقنا وحياتنا وكل امور الحياة من سكن وتعليم وبعثات غير الشحن الطائفي الي يبثونه بين لناس وثانيا بالنسبة لينا احنه الحلقة مااضافت جديد احنه وخاصة دول الخليج عايشين برغم الالم متعايشين المتشددين وان وجودا قلة تكاد لا تذكر ليش تركزون عليهم ولو نصحوا او قالوا وما احد سمع لهم يسكتون مو مثل بعض دول المتشددين فيها كثير

اقرأ ايضاً