العدد 5106 - الإثنين 29 أغسطس 2016م الموافق 26 ذي القعدة 1437هـ

جمعية التاريخ والآثار... يقظة أوقدها الأجانب

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

في المقال السابق ذكرتُ أن الوجود البريطاني في ظل نظام الحماية كان أحد أسباب تفجر اليقظة الفكرية عند شعوب المنطقة بما أفرزه من أوضاع اجتماعية وسياسيّة أوقدت في النفوس شرارة الحماس الوطني، وأوجدت الأرضية الملائمة لانطلاق نشاط الحركة الوطنيّة بكل ما يسبقها ويواكبها ويلحقها من مظاهر ثقافية وأدبية وفكرية. وفاتني عند الحديث عن نشأة أولى المؤسسات الأهليّة التي كان لها قصب السبق في ترسيخ الوعي التاريخي، الإشارة للدور المبكر والكبير الذي نهضت به جمعية تاريخ وآثار البحرين التي بدأت نشاطها منذ العام 1953، وأنا مدين بهذا الاستدراك للصديق الكاتب يوسف مكي.

ولا يمكن لمن يحاول الكتابة عن بدايات حركة الاهتمام بقضايا البحث التاريخي في البحرين إلا أن يستوقفه الدور الذي لعبته هذه الجمعية التي تواصل عطاءها ونشاطها الفكري عبر مواسمها الثقافية وفعالياتها ونشراتها لأكثر من ستة عقود متواصلة، ولايزال يقود سفينتها بكل اقتدار رئيسها السابع عيسى أمين الذي لا يكاد يفوقه أحدٌ في حبّه لتاريخ البحرين والمنطقة، فهو ليس مجرد رئيس لأكبر تجمع أهلي لعشاق هذا النوع من المعرفة، بل هو إلى ذلك باحث تاريخي ضليع وله خبرة طويلة بالوثائق التاريخية والمواقع الآثارية، وقد خدم تاريخ البحرين والمنطقة بالكثير من الأبحاث والكتب والمحاضرات، ونشط في ترجمة بعض الأعمال من الفارسية والانجليزية. وترقد اليوم تحت قبضة يده وثائق تاريخية أجنبية أنفق في سبيل الحصول عليها الكثير من الجهد والوقت والمال.

وكنت قد أجريت قبل مدّةٍ مقابلةً مطولةً مع أمين حول ملابسات نشأة الجمعية وكيف بدأت، فسرد لي بطريقته المشوقة قصة النشأة، وأكد أن النواة الأولى لتشكل هذا الكيان بدأ عندما برز اهتمام مشترك لبعض الهواة والمهتمين بآثار البحرين. ويكاد يكون الفضل في اكتشاف آثار البحرين للأجانب بصراحة، لأن أول مرة ذكر شيء عن آثار البحرين في المدونات العالمية أو البريطانية كان من قبل الكابتن ديورانت الذي زار البحرين في العشرينيات من القرن الماضي ونقّب في بعض المواقع في منطقة قبور عالي، وذكر أن هناك تلالاً أثرية. وهو في الحقيقة كان يبحث عن كنوز، وبالطبع كان ديورانت وكلّ الهواة كانوا يبحثون عن الكنوز وليس عن المدوّنات التاريخية. وأعقب هذه الفترة انقطاع طويل نسبياً استمر من العشرينيات إلى نهاية الأربعينيات، عندما زار البحرين البروفسور جيفري بيبي، وكان يعمل في ذلك الوقت في شركة نفط العراق، وأيام الحرب العالمية الثانية كان يتجسّس لمصلحة السلطة البريطانية في العراق، واكتشف وجود مواقع وتلال أثرية، وكان من هواة الآثار.

وبعد الحرب رجع جيفري بيبي إلى الدنمارك والتحق بمتحف موسكارد، وهناك قابل البروفسور غلوب رئيس المتحف، وعرض عليه فكرة البحث عن آثار البحرين، ومن هنا بدأت البعثة الدنماركية في الوصول إلى البحرين قبل أحداث السويس (أكتوبر 1956)، وكان من خلال مساعدة من المجلس البريطاني وشركة النفط والشيخ سلمان بن حمد. وقد بدأت البعثة في عملية التنقيب في موقع قلعة البحرين ومعابد باربار، وفي أيام حرب السويس توقفت الأعمال التنقيبية وعادت بعد الحرب.

ويعد جيفري بيبي من بين أبرز الجيولوجيين الذين عملوا في مجال جيولوجيا النفط وهندسته، وقد عمل في المجال المذكور لمدة من الزمن ليست بالقصيرة، ثم بدأ نشاطاته في الدراسات الميدانية الآثارية ليحتل المرتبة الأولى في زمنه بين الباحثين في آثار وتاريخ الجزيرة العربية القديم. تلك المرتبة لم يصلها إلا بعد إنجاز الكثير من الأعمال الميدانية التي شملت دول الخليج العربي، ونتج عنها العديد من المجلدات والمئات من المقالات شملت فترة زمنية تمتد من العصور الحجرية وحتى العصر العثماني.

فعندما يتحدث المرء عن موقع قلعة البحرين يصعب أن يتجاوز ذكر جيفري بيبي من خلال العودة إلى أعماله المنشورة، فإلى جانب تلك الاكتشافات الأثرية التي حقّقها ذلك الجيولوجي النفطي الشهير، وثّق لنا حياة وعادات وتقاليد إنسان الخليج العربي قبل خمسين عاماً في كتابه الشهير «البحث عن دلمون».

ومن خلال وجود البعثة الدنماركية من الرجال والنساء، وتوظيف بعض العمال من منطقة كرانة وجنوسان وباربار، بدأ يولد شيء من الاهتمام بما يفعل هؤلاء في البحرين، وبدأ التساؤل من قبل المثقفين، وبالتالي بدأ يصبح لهم في نهاية الخمسينيات مطلع الستينيات، نوع من المريدين يجلسون معهم في نهاية اليوم ويسألونهم عن نتائج التنقيبات، وأصبح هناك نوع من النادي للحديث عن الآثار. وهذا النادي تحوّل إلى جمعية مصغرة استمرت من سنة 1956 إلى سنة 1972، وكان عملها نوعاً ما يتخذ شكلاً توعوياً تمثل في تنظيم سلسلة من الزيارات الميدانية للمهتمين بالذات من الأجانب المتواجدين في البلاد للمواقع الأثرية، وأعدت بعض أوراق العمل قدمت في اجتماعات آثارية في العالم.

وكان للشيخ عبدالعزيز بن محمد (ت 1981م) وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت (1972م – 1981م) اهتمام وعناية كبيرة بالآثار، والغريب في الأمر أن الآثار كانت تتبع وزارة التربية والتعليم ذلك الوقت، وبالتالي كان الشيخ عبدالعزيز من أبرز المدافعين عن الآثار ومن الذين أشهروا وجود البحرين على الخارطة الإنسانية من خلال آثارها، وأعاد تأسيس الجمعية وأصدر قرارين: الأول قرار حكومي وينص على حماية الآثار، والثاني قرار يقضي بتأسيس جمعية آثار وتاريخ البحرين. وانتهت الجمعية إلى مؤسسة أهليّة تشمل متطوعين وبعض المتخصصين في التاريخ، وتستضيف المحاضرين من البعثات الأثرية وتطبع دوريات بسيطة عن الآثار وتدافع عن المواقع الأثرية.

هذا التطور – والكلام لأمين - كان نتيجة جهود المقيمين الأوربيين المهتمين بآثار البحرين أكثر من البحرينيين أنفسهم، وبالتالي دوّنوا أموراً كثيرةً، وقدّموا أبحاث عمل مازالت جمعية تاريخ وآثار البحرين تحتفظ بنسخ منها.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5106 - الإثنين 29 أغسطس 2016م الموافق 26 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً