العدد 5113 - الإثنين 05 سبتمبر 2016م الموافق 03 ذي الحجة 1437هـ

البحرين المتنوعة... والثراء الجميل

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

تدين البحرين في نهضتها الفكرية والأدبية مطلع القرن الماضي إلى شخصيات فذّة شاركت بشكل أو بآخر في إحداث قفزة نوعية على صعيد الحركة التعليمية والفكرية والأدبية. وما يلفت النظر في هذه الكوكبة من الأسماء أنها كانت تمثل المزيج العربي والخليجي الرائع في أجلى وأجمل مظاهره.

في ذلك المجتمع البسيط، تحالفت ثروة اللؤلؤ التي كانت تحت يد كبار التجارّ الذين آمنوا بأهمية التعليم الحديث نتيجة تعرضهم لمصادر التنوير ومعطيات الحداثة في ذلك الوقت، مع الإرادة المخلصة في انتشال المجتمع من قاع الأميّة، وقد ساعد تراكم التجارب الثرية للتجار بفضل سفراتهم الدائمة وترددهم المتكرر على الهند بشكل خاص، على تحقّق هذه الغاية، ولم يكن مستغرباً بالتالي أن يكون التعليم النظامي في البحرين خلاصة رغبة وتحرك أهليّ لأشخاص خاضوا تجارب الانفتاح على العالم عن طريق البحر والتجارة.

ويجدر هنا إدراك حقيقتين مهمتين لهما مغزاهما الاجتماعي في تاريخ النهضة التعليمية في البحرين المهم: الأولى تتعلق بالاحتضان الكبير الذي أبدته الطبقة التجارية لموضوع التعليم، فقد كانت أسبق من غيرها في هذه التطلعات، وقد سبقت كالعادة علماء الدين في هذا الوعي المتقدم، ولذلك لم يكن مستغرباً أن يكون منزل الحاج علي بن إبراهيم الزياني مقراً مؤقتاً لتعليم طلبة مدرسة الهداية قبل اكتمال بنائها. فقد كان يملك مسجداً في منطقة الحالة بالمحرق يتبعه ملحق كان يُستخدم كمدرسة دينية، أو كنزل للضيافة به حجرات واسعة تم تجهيزها بسرعة لتكون مقراً للمدرسة قبل الانتقال إلى المبنى الجديد على نمط المعمار في الهند.

كما برزت أدوار مماثلة للحاج محمد بن مكي البحارنة (1968م) وأحمد بن خميس (ت 1940م)، وغيرهما من رجالات البحرين في النصف الأول من القرن الماضي، ذلك الجيل المؤسس لبذور النهضة الفكرية والمجتمعية الحديثة.

أما الملاحظة الأخرى، فإن التعليم النظامي اعتمد بشكل أساس على المعلمين العرب الذين ساهموا بشكل كبير في إيقاد شمعة التنوير في مجتمع بسيط يتلمس طريقه إلى النهوض، وتعدّى تأثير الرعيل الأول من المعلمين الحدود الميتة لوظيفة التعليم، فمارسوا أدواراً فكرية كان لها انعكاس مباشر وعميق في تجذّر الوعي السياسي في صفوف الطلبة الذين انفتحوا لأول مرة على مفاهيم وأفكار جديدة، فمدرسة الهداية الخليفية، أول مدرسة عصرية عامة تفتح في منطقة الخليج، كان أول مدير لها المصري الشيخ حافظ وهبة (ت 1967م)، وساعده في إدارتها مدرس سوريّ اسمه محمد اليماني، واستقدم إليها الأساتذة من سورية والعراق.

ولما تَمّ تشييد المدرسة الجعفريّة في المنامة سنة (1928م)، جُلب إليها الأساتذة الأكفاء من العراق، وكان أول مدير لها محمد سعيد بن جمعة، وشقيقه الشيخ عبدالكريم بن جمعة مدير مدرسة المباركة العلوية، وهما عراقيان من أصول بحرينية. وكذلك كان الوضع مع مدارس البنات التي استقدم لها معلمات من دمشق.

من هنا التقى على ثرى هذه الأرض الطيبة «الفكر المُبدع الخلاّق بالثروة الطبيعية الثرّة، فجعل منها واحة واسعة غرّاء وسط هجير الصحارى»، كما يعبّر المرحوم مبارك الخاطر.

وكان من نتائج وثمار هذه اليقظة المبكرة التي سبقت دول الخليج، وشدّت حولها أنظار العلماء والمثقفين والمصلحين، أن تحوّلت البلاد إلى ما يشبه الملتقى الدائم الذي يعجّ بأهل العلم وعُشاق المعرفة من كل بلد قريب وقُطر بعيد، ومن قصيدة طويلة لخالد محمد الفرج عام 1926 قال فيها:

يــا دُرّةً وسـط الخليـج تــلألأت وزهت عليه بنورها الوقاد

الـدرُّ من حصـبائها والتـبر مـــن أمواهها.. والمجد في الأولاد

تلقـى النزيـل بمثـل شهد نخيلهـا وتضمه بالصدر والأعضاد

وجـزائـر البحـريـن بحـر زاخــر فيها وبحرٌ موئل الورّاد

أخنـى الزمـان على ثمـود وعــاد والاذواء من يمنٍ ورهط إياد

والمجـد في البحرين باقٍ لم يـزل يستقبل الميلاد بالميلاد

آطـــام «عالـي» ناطـقــات إنهـا كنس الظبا ومواطن الآساد

وقصـور مجدٍ من سـماهيج التـي ضرب المثال بها ابن «أم دؤاد»

فــي كـل شـبرٍ قلعـة أو مسـجـد هذيك ظاهرة.. وذلك بادي

وبكــل يـوم طــود مجــد قـائـم مجد طريف.. فوق مجد تلاد

وقد وقف الأستاذ محمد الفراتي الذي عاش في البحرين ردحاً من الزمن في رعاية صديقه الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة، وتغنّى بقصيدة ألقاها في الحفل الذي أقامه النادي الأدبي في المحرق لتكريم الكاتب أمين الريحاني عندما زارها في العام 1922:

حــدا بك شــوقٌ بالفـؤاد مبرحُ فقادك للبحرين والشوق قائدُ

فغــادرت لبنـان الكبـير وأرزه إلى بلدةٍ فيها العلا والمحامدُ

وقد صدح شاعر الكويت صقر الشبيب عام 1929 في قصيدة إلى صديقه المصلح الاجتماعي والمؤرخ الكويتي الشاعر عبد العزيز الرشيد المقيم في البحرين يشكو فيها فراقه:

مـا فـي أوال ولا في السـاكنين بهـا من موضع لهجا الهاجي ولا باسِ

هــذا ابـن أحمـد لمــا أن توطــنها أنسته ذكري فأضحى وهو لي ناسِ

لو لم نجد سـاكن البحـرين تشـغله بأنسها عن محبيه من الناسِ

ينسي قتاد الفيافـي من يعيـش بهـا

ما في البساتين من ورد ومن آسِ

ونقول للشاعر الكويتي، هو ذلك والله؛ فـ«ما في أوال ولا في الساكنين بها، من موضع لهجا الهاجي ولا باسِ»... كانت، وما تزال وستبقى.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5113 - الإثنين 05 سبتمبر 2016م الموافق 03 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً