العدد 5141 - الإثنين 03 أكتوبر 2016م الموافق 02 محرم 1438هـ

الشأن المغاربيّ... المعلّم والتربية على السلام ونبذ العنف

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

قد يكون محض صدفة جميلة أنْ تَقاربَ موعدان أثيران عندي وعند ملايين البشر! كيف لا وهما «اليوم الدولي لنبذ العنف» الموافق للثاني من أكتوبر، و»يوم المعلم العالمي» الموافق للخامس من أكتوبر من كلّ عام.

في اليوم الدولي لنبذ العنف (2 أكتوبر من كلّ عام) يتجدّد التزام الجميع بقضية السلام، أمّ القضايا الإنسانيّة على الدوام. في مثل هذا اليوم ذِكرى تتجدّد: ميلاد المهاتما غاندي، الملهم والمعلم.

في اليوم العالم للمعلّم (5 أكتوبر من كلّ عام) تتجدّد ثقتنا في المعلم، في الدور الرياديّ الذي يضطلع به، في الرسالة التي أُنيطتْ بعهدته وفي المسئولية الملقاة على عاتقه، وفي المعاناة التي يعمل فيها، ولكنه رغم ذلك يعمل لأنه صاحب رسالة.

اليومَ تعاظمت المسئولية، مسئوليتنا جميعاً ومسئولية المعلم طبعاً، وجلّ خطرها! اليومَ نُجابِه جميعاً خطراً محدقاً بالبشرية، خطر الإرهاب باسم الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل... وما أخطره حين يُوظّف من طرف تجار الموت!

تجار الموت ينشرون ثقافة العنف والغدر والقتل بدم بارد، على غرار ما تروّج له مثلاً «داعش» وأخواتها، وكذا ثقافة التدمير وقتل الأبرياء على غرار ما تنفذه الطائرات الروسية والسورية على الأطفال والعزّل في حلب ومدن أخرى، وثقافة الكراهيّة والعنف والاستيطان الممنهج على غرار أعمال الكيان الصهيوني في فلسطين... كلّ هذا وذاك لا يمكن صدّه على المدى القريب والمتوسط والبعيد إلاّ بنشر ثقافة نبذ العنف، وتعزيز السلام.

في هكذا سياق، وإذْ أقفُ إجلالاً وتقديراً لكل معلّم ومعلمة في بلادنا وفي كل بلاد العالم، لا يسعني إلاّ أنْ أذكّرهم بدورهم الجليل في بناء أجيال المستقبل وتربيتهم على السلام؛ إذْ التربية على السلام والمحبة ونبذ العنف هي من صميم التربية للمواطنة، والتربية من أجل تنمية مستدامة. ولعلّ هذه وتلك من صميم الرسالة التربوية اليومَ.

وفي مثل هاتين المناسبتين، اليوم الدولي لنبذ العنف واليوم العالمي للمعلم، أستحضر تجربتين أولى نظاميّة والثانية فرديّة؛ فأمّا النظاميّة فهي تجربة مدرسة «العلم نور الحياة» والتي كغيرها من مئات المدارس في مدينة «ميدوغوري» شمال شرق نيجيريا، تعلّم منهجاً جديداً مبنياً على السلام والتسامح لمواجهة فكر الكراهية الذي تتبنّاه جماعة «بوكو حرام». هذه الجماعة التي انتشرت عن طريق توظيف المدارس الإسلامية والمساجد في مختلف أنحاء ميدوغوري للتغرير بالشباب المسلم حتّى ذهب الآلاف من الضحايا. وها هي المدينة ذاتها اليوم تتبنّى منهجاً في التعليم يعزّز قِيم السلام، وعدم التمييز، والمساواة، والعدل، ونبذ العنف، والتسامح واحترام الكرامة الإنسانيّة.

وأمّا التجربة الفرديّة فأعني بها تجربة معلّم من الجزائر، معلّم ساهم بقدر كبير في صنع السلام في وطنه، وفي العالم؛ ذلك أنّ المعلّم والمربّي «ابن عطاء الله أحمد الحرزلي» عمل مدرّساً ردحاً من الزّمن فعلّمته الحياة الحبّ، فلم يحمل غلاًّ لأحد. جاب منذ سنة 1976 أكثر من80 دولة مشياً على الأقدام أو بالأوتو ستوب، داعياً إلى السلام، حتّى لُقّب بابن بطوطة الجزائريّ، وبحمامة السلام، وبسفير السلام، وغيرها من الألقاب. ولم يبخل «ابن عطاء» المعلّم على بلده بجهده في نشر السلام، حين دخلت نفق الظلام مطلع التسعينات وعاشت أسوأ فترات تاريخها الحديث اقتتالاً بين الدولة والمتطرّفين، إذْ شرع في (نوفمبر/ تشرين الثاني 1994) رحلة السلام بين الجزائريّين، واستمرّ في دعوته تلك حتى تحقّق شيء من الوئام والصلح. كما أسّس جمعيّةً أطلق عليها اسم «في خدمة السلام». وحين سُئل المعلّم الرحالة ابن عطاء الله أحمد الحرزلي مرةً عن غايته من هذه الرحلات، أجاب أنّ هدفه الوحيد هو إرساء السلام في أرجاء المعمورة من أجل الإنسانيّة جمعاء.

كما تجدر الإشارة في هذا السياق، سياق المدرسة والمعلم وصناعة السلام ونبذ العنف، إلى الحملة العالمية للتعليم للسلام برعاية اليونسكو والتي تهدف إلى بناء الوعي العام والدعم السياسي لإدخال تعليم السلام في كلّ مجالات التعليم، بما في ذلك التعليم غير النظامي (غير الرسمي)، في المدارس كافةً في جميع أنحاء العالم. كما تهدف إلى تشجيع جميع المعلّمين وتدريبهم على التدريس من أجل السلام؛ ذلك أنّ التعليم هو أفضل وسيلة طويلة الأجل لكسر دائرة العنف ووضع المجتمعات على طريق السلام.

إنّ تحصين عقول الناشئة من الأفكار الضالّة باسم الدين وغيره لَهُو في ذمّة التعليم حتّى لا يختطفهم الإرهاب؛ فالعالم، وخاصة الإسلاميّ، يتعرّض لغزو فكريّ متطرّف يستبطن منهجيّة تدعو إلى العنف والكراهيّة والتكفير، ويستهدف شباب المسلمين؛ إذْ يحاول التغرير بهم، وجرّهم إلى مواقع الصراع والفتنة. وحتى نحول دون تفشّي هذا الغزو الفكريّ لا بدّ من العمل على التوعية بخطر الأفكار الضالّة، عن طريق التعليم للسلام والتنمية المستدامة فيساهم بذلك المعلّم والتعليم عموماً، في تطهير المجتمع من مظاهر التشدّد ضمن مشروع وطنيّ وعالميّ كبير للتصدّي لمظاهر العنف والتطرّف والكراهيّة في أيّ مجتمع.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 5141 - الإثنين 03 أكتوبر 2016م الموافق 02 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً