العدد 5156 - الثلثاء 18 أكتوبر 2016م الموافق 17 محرم 1438هـ

أسس البناء ومفاعيل الهدم في فكر الفضلي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

مرة أخرى يجتهد الباحث حسين منصور الشيخ في إصدار جديد حمل عنوان: «الوحدة الإسلامية... أسس البناء ومفاعيل الهدم في المجتمع المسلم» في إعادة اكتشاف نصوص المفكر الراحل الشيخ عبدالهادي الفضلي (ت 2013م)، الذي رفد المكتبة العربية والإسلامية بعطاء علمي غني،وللمؤلف رحلة حميمية وطويلة مع الفضلي الإنسان والفكر والنصوص.

عُرف الفضلي كواحد من أبرز العلماء الذين سخّروا حياتهم وجهودهم في إغناء الفكر الإسلامي بالمؤلفات، وشغلتهم أسلمة المعرفة، وشَكَّلَ هاجس «المنهج» في الدرس الشرعي أولوية في سلّم اهتماماتهم وطبع اشتغالاتهم العلمية وانعكس على ما تركه من تراث علمي غزير ومتنوع.

من هنا برزت للعلامة الراحل 17 مقررًا دراسيًّا غطت علوم ومجالات مختلفة في الفقه والأصول والحديث والرجال ومناهج البحث وغيرها من المجالات، وإلى ذلك، فالفضلي أيضًا كان مثقفاً يُدرك - برؤية رصينة وشعور عميق بالمسئولية - أن رسالته الاجتماعية ودوره النهضوي يتعدى عطاء القلم، ويتسع باتساع الهموم الكبيرة التي يعيشها مجتمعنا بكل مآزقه وتعقيداته وظروفه السياسية. من هنا انفتح الفضلي عليه عبر فضاء انفتاحاً مباشراً، مدركًا أهمية الوقوف على خطوط التماس مع المجتمع واستيعاب حجم ما يمور به من تغيرات وتحديات، فوقف خطيبًا في المحافل الفكرية، وخاطب الجماهير مستكملاً وظيفته ودوره الذي بدأه بالقلم ولم يتوقف عنده.

ويبرهن الفضلي مرّة أخرى، في هذه المحاضرات التي كان يحرص على إلقائها بين حين وآخر وضمها الإصدار الجديد، في بيئات متعددة من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية والبحرين، على رحابة المساحة التي كانت تشغل ذهن الرجل معرفيًّا، ومقدار ما يعيشه المجتمع من تعطش وحاجة إلى هذا النوع من الطرح المتزن في معالجة الكثير من القضايا التي لا يمكن إلا أن تكون في صلب اهتمامات الناس، وليس على الهامش، ولا هي من الترف النظري الذي يحلو للكثير من المثقفين الانسياق له، والارتهان به والوقوع في فخ إغراءاته.

وساهم الفضلي بدوره الفكري وحيويته الاجتماعية في تنشيط الحركة الثقافية الجماهيرية في المنطقة، وذلك من خلال مشاركاته الثقافية الموسمية، وبخاصة في ليالي شهر رمضان، حيث عرف محاضرًا رئيسًا في معظم المواسم الثقافية في الفترة بين 1411هـ 1420هـ (1990 – 2000م).

وقد تمكن المحرّر من جمع عدد كبير من هذا التراث الصوتي، ومن ثم تصنيفه إلى موضوعات محددة، إذ شكل الكتاب تحريرًا لأربع محاضرات بشأن مفهوم الوحدة الإسلامية من منظور قرآني، كان الشيخ الفضلي قد ألقاها في مناسبات مختلفة.

يتكون الكتاب الصادر عن مركز آفاق للدراسات والنشر بسيهات – 2016 من فصول خمسة، الأول منها تمهيدي يحتوي على دراسة تحليلية موجزة بشأن أهم عناوين الوحدة الإسلامية كما يقدّمها الفضلي سبيلاً لبناء المجتمع المسلم، وذلك في عناوين ثلاثة كان أولها بشأن موقعية الوحدة في المجتمع الإنساني، وخاصة منها الوحدة في مفهومها الإسلامي، فيما كانت الوقفة الثانية مع المعالم الإسلامية، إذ تناولت مفاهيم: المبدئية، والفطرية، والمرونة في تقبل صور الوحدات المغايرة، وكذلك توزيع المسئولية تجاه الذات والآخر.

وفي العنوان الثالث كان الحديث بشأن ما عرضه الفضلي من معوقات وحلول أمام مشاريع الوحدة، منها: التمذهب في صورته السلبية، والمسئولية المتبادلة بين النخبة والجمهور، والعامل الخارجي، والمرحلية في إنجاز المشروع، وأخيرًا تعدد المشاريع الاجتماعية التي تعزز حالتي: التكافل والوحدة الاجتماعيين.

وفيما يتعلق بالفصول الأربعة اللاحقة، كان أولها بشأن «الإسلام وبصائر الوعي» استعرض فيه قيمة الحضور الديني في المجتمع الإنساني.

وكان الفصل الثاني بعنوان: «الوحدة الإسلامية: دراسة في الأسس والمنطلقات» الذي دار بشأن محورين: «التجربة الإنسانية في تحقيق الوحدة»، حيث ناقش فيه الشيخ الفضلي بعض صور الوحدة تاريخيًّا منتهيًا إلى أفضلية الرؤية الإسلامية من بين تلك التجارب. و»من أسس الوحدة»، إذ استعرض فيه المحاضر أساس العقيدة عنصرًا رئيسًا من مقومات الوحدة الإسلامية، بالإضافة إلى المسئولية الاجتماعية والترابط الإنساني، خاتمًا بالإشارة إلى بعض من أسباب الفرقة في الواقع الإسلامي.

الفصل الثالث كان محاضرة بعنوان: «الوحدة الإسلامية بين النظرية والتطبيق»، توزّع الحديث فيها على محاور ثلاثة، أولها: معالم الوحدة الإسلامية نظريًّا، وهو ما يمثل المعالجة النظرية لمفهوم الوحدة إسلاميًّا، وكان المحور الثاني بشأن موانع تحقق الوحدة، والمحور الأخير كان عرضًا لبعض المقترحات في سبيل مشروع الوحدة الإسلامية.

أخيراً طرح الفصل الرابع والأخير موضوع «الأمة ومشاريع التقسيم»، استعرض فيه العلامة الفضلي مفهوم الوحدة بين الإقليمية والعالمية، لينتقل بعده لمناقشة النظرة الإسلامية تجاه التعددية البشرية، ومن ثَمّ بعضًا من خصائص الأمة الإسلامية، حيث تأتي الوحدة بين أطيافها وتنوّعاتها في مقدمة تلك الخصائص. وأخيراً: الأمة الإسلامية وحالة الانقسام.

يكتسب طرح الفضلي أهمية بالغة، وهي بمثابة استشراف حصيف لمغبة التخلي عمَّا دعا إليه المحاضر، وذلك قبل أن ينزلق العالم أكثر فأكثر في أوحال الاقتتال المذهبي الذي يدك أمن مجتمعاتنا اليوم، حاصدًا أرواحًا بريئة في حروب مجنونة في أكثر من بقعة من بقاع العالم.

العودة إلى هذا الكتاب هي بمثابة خريطة طريق قدّمها المحاضر ومحرر الكتاب للمأزق الحالي الذي تمرّ به المجتمعات المسلمة، وتطرح مخلصًا لما يجب اليوم على علماء الدين والقائمين على أمر الخطاب الديني أفرادًا ومؤسسات من مسئولية جسيمة في إحياء هذا النوع من الطرح الوفاقي الحريص على أمن البشر، ووحدة المجتمعات انطلاقًا من فهم معتدل للإسلام الذي أرسى دعائم السلام في منظومة تشريعية متكاملة بعيدة عن القراءات المشوّهة للنصوص الدينية التي كان من نتائجها المروعة ما يعانيه اليوم أكثر من بلد عربي مسلم.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5156 - الثلثاء 18 أكتوبر 2016م الموافق 17 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:55 ص

      السلام عليكم
      للعلامة الفضلي 22 مقرر دراسي وليس 17 وبالامكان التواصل وسهولة مع المسؤولين عن تراث العلامة لكي تحصلوا على المعلومة الصحيحة.

اقرأ ايضاً