العدد 5164 - الأربعاء 26 أكتوبر 2016م الموافق 25 محرم 1438هـ

أخيراً... كيف تُدير إيران لوبيها في أميركا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقالين سابقين، تحدثتُ عن اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأميركية. أكّدت فرضية وجوده ثم طريقة عمله. اليوم أتحدث عن كيفية إدارة طهران ذلك اللوبي في أميركا، وكيفية تنظيمها له. والحقيقة، أن تلك العلاقة بين إيران وبين جماعات الضغط تلك لم يُنكرها الساسة في طهران، بل غيّروا من طبيعتها؛ كي لا تقع ضمن دائرة المحظور، معتبرين أولئك مجرّد مواطنين مهاجرين، لكن في المجمل هي تتحدث علناً عن رعايتها لهم عبر مؤسسة رسمية شكلتها الحكومة الإيرانية.

كيف يحصل ذلك؟ منذ عدة سنوات أنشأت طهران مجلساً أعلى معنيا بالإيرانيين المقيمين في الخارج، وهو يضم 10 وزراء ومساعِدَيْن لرئيس الجمهورية، بالإضافة إلى رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وأمين عام للمجلس يكون بمثابة الرئيس التنفيذي، وهو تابع مباشرة لرئيس الجمهورية.

هذا المجلس المسمّى بـ «المجلس الأعلى لشئون الإيرانيين المقيمين بالخارج» يقوم بالتواصل الدقيق مع تلك الجالية الإيرانية المهاجرة في جميع أنحاء العالم، وتحديداً في الولايات المتحدة من ضمنها المتابعات السياسية والاقتصادية والقانونية لها! بأي صورة يحصل ذلك؟ دعونا نفصّل.

طهران ترى أن استثمارها 15 في المئة فقط من مشتركات قومية مع إيرانييها في الخارج، كافية لتنشيط تلك الجالية كي «تقوم بواجب الدفاع عن بلدها الأصلي»، كما كان يقوم محمد جواد ظريف. وهي في سبيل ذلك، تقوم بتوظيف صور مدنية متعددة من نشاط تلك الجالية، والتي اكتسبت جزءًا كبيراً منها في الغرب.

فطهران على سبيل المثال تستثمر صورة الانتلجنسيا الإيرانية في الخارج، بوجود 25 عالما من أصول إيرانية على قائمة الروّاد الدوليين، و750 ألف إيراني مهاجر يحملون شهادتَيْ الماجستير والدكتوراه في أميركا وحدها، وذلك لتسويق صورتها في مجال العلوم وتطور جامعاتها عبر ترتيب زيارات وإعارات أكاديمية، تكون باباً لإنشاء علاقات رسمية مُوجّهة مع هؤلاء.

كما أنها تستثمر القوة الرأسمالية التي تتمتع بها تلك الجالية، وذلك لربطها (أو حتى جزء منها) بالدورة الاقتصادية الإيرانية في الداخل، إذ قدَّرت الحكومة الإيرانية ثروات مواطنيها في الخارج بـ 4 تريليونات دولار، وليس كما كنا نعتقد بأنها في حدود الـ 800 مليار دولار. وهو رقم فلكي بامتياز.

ومن المعلوم أن الإيرانيين في الولايات المتحدة صُنفوا كواحد من المجتمعات الخمسة عشر المهاجرة الأكثر استحواذاً على المشاريع المملوكة، بأزيد من 33 ألف رجل أعمال يهيمنون على 21.5 في المئة من تلك المشاريع، وهو ما جعل طهران تستغل ذلك لتجسير علاقات أكبر معهم.

تعتقد إيران أن هؤلاء ليسوا بالضرورة على هوى سياساتها، لكنها ترى أن المشترك القومي هو أكبر من أي خلاف آخر، وهو المدخل لإعادة هؤلاء لمظلتها، وهكذا تخاطبهم، لذلك رأينا أنها تتابع قضايا تلك الجالية في المحاكم الأميركية، وتقوم بدفع أموال طائلة للإفراج عنهم أو مبادلتهم بصفقات أمنية، وذلك لكسبهم وعائلاتهم، وبالتالي كسب نفوذهم السياسي والمالي في الخارج.

في شهر مايو/ أيار الماضي ألقِيَ القبض على رجل أعمال تركي إيراني بتهمة انتهاك العقوبات الأميركية على طهران. لنا أن نتخيل بأن فريق الدفاع عن ذلك الرجل طلبوا من قاض اتحادي في مانهاتن الإفراج عن موكّلهم بكفالة 50 مليون دولار، ووضعه رهن الإقامة الجبرية والمراقبة الدائمة في منزله بإدارة أمنية على نفقته الخاصة! ذلك المبلغ الكبير أبدت الحكومة الإيرانية استعدادها لتقديمه للمحكمة كي يُفرج عن الرجل، لكن المحكمة ولغاية الآن ترفض ذلك خشية ترحيله بطريقة ما.

لكن وفي ذات الوقت لم تكن طهران بعيدة عن غربلة مقيميها في الخارج، عبر اكتشاف نواة الولاء الصلبة، وهل هي باتجاه لوبيات معادية أم لا، لذلك عمدت إلى اعتقال عدد من الأميركيين من أصول إيرانية عند زيارتهم إلى إيران، بعضهم رجال أعمال وآخرون من الأكاديميين، لكنها أيضاً تسمح لآخرين بالذهاب والمجيء إليها، بعضهم يعمل في مكتب الشئون الإيرانية في وزارة الخارجية الأميركية، وآخرون كُتاب في «التايمز» و«الواشنطن بوست» و«الفايننشال تايمز» وقنوات الـ «سي إن إن» و«إن بي آر».

لقد سعت طهران إلى تغيير طريقة تعاملها مع جاليتها في الولايات المتحدة عبر انتقاء مبعوثيها إليهم. فهي لم تعد ترسل من السياسيين إلاّ أولئك المنتمين إلى ذات الطبقة المخملية المحاكية لهم، من قبيل وزير الخارجية محمد جواد ظريف وأفراد من عائلة خرازي. لذلك استطاع هؤلاء أن يؤسسوا لعلاقات تجارية واقتصادية كبيرة مع الجالية المهاجرة، ربطتهم بالبلد الأم، وجعلتهم في نظام مرتجع، وخصوصاً أن الكثير منهم يعمل في قطاع الطاقة وتحديداً النفط.

أمر آخر، فقد سعت طهران إلى إرسال أفراد ينتمون إلى ذات الذهنية المهاجرة القائمة على التحرر من القيود المحافظة، ففي الوقت الذي كان العلم الأميركي يُحرق في شوارع طهران، كانت الأيدي تتصافح في واشنطن ونيويورك، وهو ما جعلهم أقدر على تمرير خطاب «رائب» في لونه يمكنه الولوج إلى قلوب وعقول تلك الجالية، مُطَعَّماً بكثير من التأكيد على المشتركات القومية الفارسية، وأن إيران «هي أرض أجدادكم»، وأنها أمة يجب أن تنهض من خلالهم، وهو ما حصل في عملية الاستقطاب.

لقد دخل الإيرانيون بقوة إلى المجلس الإيراني الأميركي ولاحقاً إلى الهيئة التي حلتّ مكانه، متخذين من مؤسسة «بيناد علوي» في الولايات المتحدة مقراً لجذب تلك التوجهات، مُبعدين عنها كل ما يُمكن أن يُفسَّر أنه وجه لإيران الداخل، القائمة على الخطاب الديني المتشدد والفضفاض، بالإضافة إلى عشرات من المؤسسات السياسية والتعليمية المنتشرة في كل الولايات الأميركية.

لقد أمسكت إيران بخيوط كثيرة في جاليتها داخل الأراضي الأميركية تحديداً، لأن ما يعنيها هو هؤلاء أزيد من غيرهم. وباتت شخصيات ومؤسسات كثيرة تعمل ضمن فضاء الجماعات الضاغطة على غرف صناعة القرار الأميركي. وهو أمر باتت تجلياته ملموسة في غير مناسبة خلال السنوات الأخيرة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5164 - الأربعاء 26 أكتوبر 2016م الموافق 25 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 7:10 ص

      يعني أفهم من هذا المقال ان راعي الخباز وراعي التكة والكباب فى منطقتنا مهاجرين إيرانيين يحملون ماجستير ودكتوراة؟!!.

    • زائر 12 | 3:57 ص

      المقال ملئ بالمعلومات المفيدة في موضوع علاقة إيران بجالياتها في الخارج وتحديدا في أمريكا.
      الحقيقة أن أمريكا وإيران وإسرائيل وتركيا كلهم لديهم مشاريع توسعية ويعملون عليها ليل نهار.
      أما العرب باختلاف ديانتهم وطوئفهم هم مجرد وقود وحلبة لهذا الصراع المرير. وبصراحة أن كان العرب افلحوا في شئ فهو في لعب دور الكومبارس في هذه المسرحية الدامية. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

    • زائر 14 زائر 12 | 5:13 ص

      شكرا على هذا التعليق الذي هو من القلائل على هذا المقال الذي لا يود أن يحرف التعليقات عن الالتفات إلى أن إيران لها مطامع إلى أنها متمكنة و مقادرة و يكيل المدح بدل الانذار و العلمية. بل هي تعرقل التنمية في العراق ... حتى تفاوض به في الغرب من أجل المشروع الإيراني. بل و تحاول اختراق النجف الأشرف بأجندة ولاية الفقيه التي كان عصيا عليها ذلك سواء من خلال بعث اللبنانيين و محسوبين على هذا التيار في صفوف الفقهاء و لا يعنيهم المذهب بقدر السياسة التوسعية. وساعدهم في ذلك ... العرب و إقصاؤهم للعراق.

    • زائر 10 | 2:27 ص

      من يستغل جاليته ويحافظ على مصالحهم فهذا شيء جميل , حبذا لو نعلم اين تنتشر الجاليات البحرينية؟ الوطن يبقى في القلب حتى لو ذهبنا الى اقصى الكرة الارضية. سياسة الفرس هي الناجحة ويجب علينا التعلم منهم لا انتقادهم ونصب العداء لهم فقط . اتمنا لو تتطرق عن النهضة الفكرية في ايران , كيف يتم تخصيص البعثات وكيف يعطى المجال للعقول .... كم عدد الجامعات الايرانية ؟ وما هي البعثات التي تقدم للمتفوقين؟ كيف توظف هذه الدولة الخامات والعقول؟

    • زائر 9 | 1:37 ص

      يعني يلعبون بالبيض والحجر شيء عظيم يحتاج الخطط وذكاء!

    • زائر 7 | 12:29 ص

      يقال في الشعر حكمة: خير الرجال فتى عاقلا يدبّر اموره على ولمته .... يجازي الرجال بأفعالها ويخضع للقرد في دولته.
      تدبير الأمور هي من افضل استغلال للعقل والفكر .
      المال بيد الجاهل وبال عليه بينما المال بيد صاحب التدبير يدير به عالم
      للأسف لدينا الثروة بدل ان تصبح هذه الاموال في خدمة دولنا اصبحت وبالا علينا
      وهم احسنوا الاستغلال فاصبحوا متقدّمين في التجارة العالمية

    • زائر 8 زائر 7 | 1:25 ص

      قيل قديما خذوا الحكمة من أهل الهند وتعلموا فن السياسة من أهل فارس.
      ومثل ماقال برجينسكي مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق للأمن القومي ( الإيرانيون دهاقنة سياسة).

    • زائر 6 | 12:26 ص

      ايران تحسن استخدام كل شيء بينما نحن العرب نسيء استخدام كل شيء حتى ثرواتنا اصبحت ادوات تدمير لأوطاننا وتشويه صورة الاسلام

    • زائر 5 | 12:22 ص

      شكراً جزيلاً على جميع مقالاتك استاذ. ونتمنى ان تكتب مقالات جديدة توضح فيها ما هو دور الجاليات الإيرانية في الخليج العربي.

    • زائر 4 | 12:20 ص

      احسنت

    • زائر 3 | 12:20 ص

      ونحن نطرد الخامات والمواهب طردا لا عودة له ونقطع كل الصلات مع هذه المواهب اذ لم تكن هجرتهم تسمى هجرة بل هي طرد من الأوطان.
      من حق ايران واي دولة ان تستغلّ مواطنيها في الخارج لمصالحها وهذه قمّة الذكاء.
      بريطانيا ايضا تستخدم مواطنيها حتى المتقاعدين منهم تبعثهم للبلاد التي كانت تستعمرها وتستغل وجودهم لكي يخدموا مصالحها كما تستفيد منهم استخباراتيا

    • زائر 2 | 11:11 م

      احنا العرب ندير لوبينا بالرشاوي وبتالي تستنزف خزا ئن بلداننا بدريعة حماية امريكا لأنظمتنا المتهرءة

    • زائر 1 | 10:38 م

      شكرا على جميع مقالاتك انا من محبي نمودج الجمهورية الإسلامية الإيرانية يصلح الى جميع الدول الإسلامية

    • زائر 11 زائر 1 | 3:32 ص

      عفوا ... امريكا لايمكن ان يمارس عليها الضغط من قبل 750 الف مهاجر او 4 ترليون دولار!!! بل وجدت امة تستهان بكرامتها وتبيع نفسها ولا توجد فيهم ذرة من اخلاق اهل البيت عليهم السلام.

    • زائر 17 زائر 1 | 8:42 ص

      اعوذو بالله صارت ايران نموذجا يحتذى بة ايران راعية الإرهاب والداعم الأكبر للإرهابيين والتي دمرت الدول العربية صارت نموذج؟ صج احنا في اخر الزمان كل شي بالمقلوب يارب ثبتني على ديني

اقرأ ايضاً