العدد 5173 - الجمعة 04 نوفمبر 2016م الموافق 04 صفر 1438هـ

حين تصل الخصومة إلى حد الفجور

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

أن يعيش الإنسان من دون خصام، يعني أنه يمتلك الدنيا بأسرها، ويعيش بسعادة لا تجعله يخشى من مكر من يكيد له بالخفاء ضغينة، وفي الوقت ذاته ينأى بنفسه أن تتمادى في خصومتها لتثير غبارها بمزيد من الكراهية والبغضاء لتصل إلى الفحشاء في الظلم والجور.

الخصومة التي تعني النزاع والخلاف، هي أمر مفروض يعترضنا في الحياة نلتمسه ونراه، وبعض الأحيان نتعايشه ونتجرع مرارته على مستوى الأفراد والجماعات المختلفة، هذا الصراع يحاول كل طرف فيه أن يكون هو الأقوى، وهو الأفضل لفرط ما يعترينا من تعظيم الذات وشيطنة الآخر، لكن الأمر في أحيان كثيرة تتعدى الخصومة حيز النزاع، لتصل إلى حد أن نقع في فجورها، ذلك الفجور الذي اعتبره الرسول (ص) صفة رابعة من صفات المنافق «إذا خاصم فجر»، وهي صفة مذمومة لقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام: «إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» أي الشديد في الخصومة.

الفجور في الخصومة هو الميل عن الحق، والاسترسال في العداء والافتراء زوراً، وإلقاء التهم جزافاً بغية النيل من الخصم، يحيل الكثير من المختصين أسبابها إلى عدم التصالح مع الذات، فبعضهم لا يجيد التسامح مع الغير، ويصر على عدم التراجع في موقفه، والتمسك بالخصومة، وعدم قبول اعتذار الطرف الآخر، ويرجعه آخرون إلى عدم الثقة بالناس والشعور بالمرارة نظير الاعتداء اللفظي أو الجسدي، لذا يكون شديد الخصومة، والتي تصل به إلى حد الكره والإيذاء، بعضهم يحل لنفسه أن يؤذي خصمه المختلف معه باعتباره شيطاناً وخارجاً عن رضا الرب، ولا يحق له العيش في الحياة وإن عاش يكون فيها دونياً.

إن أول لفتة للفجور في الخصومة، كانت بين قابيل وهابيل، بدعوى الغيرة، فتمادي قابيل في خصومته لتصل إلى درجة التخلص من أخيه الخصم «قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ» (المائدة: 27)، هذه الخصومة الفردية قد تكون بين قريبين أو زميلين عمل، أو جارين، أو زوجين تنتهي بهما العشرة والمحبة إلى الصراع في أروقة المحاكم، وكلٌّ يتربص بالآخر؛ لأن الخصومة بلغت مداها إلى حد الفجور، الخصومة قد تنال المفكرين والمثقفين وكتاب الرأي في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى الشعراء، فقد ورث العرب الشعر الهجائي الذي ينوء بعضه بالبذاءة، كما وصل بنا الحال إلى الشتم والهجوم حتى في الخطابة الدينية، فالاختلاف الفكري لدينا قد انتقل من مقارعة الحجة بالحجة إلى الفجور في الخصومة إلى الشتم والتطاول والإسفاف، وتعداها إلى التحريض علانية متناسين قوله تعالى في محكم كتابه: «لكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (المائدة: 48)، إن ما ينتج عن الاختلاف والتباين يثري الأمة، ويخلق جواً يتنفس فيه الحرية والإبداع لا يختنق برأي واحد ومسار أوحد، يكون نصيب من خالفه التخوين الذي يلزم عليه العقاب أو الاختناق في حجز الزاوية، فيبقى أصماً لا يعبر عن رأيه ولا ينتج، كما هو الحال في الخصومة السياسية التي ينبري فيها التشفي والانتقام عنواناً بصورة تبعدها عن إنسانيتها، ونزاهة أطرافها، وتفارق بهم الطرق عن العيش المشترك، فيكون التحارب هو آخر الحلول إن لم يكن موت من فيها.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 5173 - الجمعة 04 نوفمبر 2016م الموافق 04 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:16 م

      نعم سيدتي الفاضلة لدينا اخ اختصمنا ( نحن اخوته) لقسمة ميراث ولكنه فجر في خصومته وخسر ٣ دعاوى امام القضاء ومحاميه اخذ عليه اتعاب كثيرة على الرغم من اننا طلبنا منه ان يحصل على حقه خارج اروقة القضاء ولكنه ابى فدفع مبالغ ثم خسرها وكانت احدى دعاواه ان طلب تعيين حارس قضائي على عقار ولكن فطنة المحكمة التي قضت برفض طلبه ثم استئنه الحكم وقررت محكمة الاستئناف رفض طلبه وايدت حكم أول درجة كل ذلك لحق يطلبه ولكن يكسر روؤسنا في المحاكم

    • زائر 1 | 6:39 ص

      بارك الله فيك استاذه… واي فجور وصلنا اليه وتعدى كل الحدود ووصل الى حد الإنتقام والتعدي على اعراض وعقائد وارزاق الناس…وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.

اقرأ ايضاً