العدد 5176 - الإثنين 07 نوفمبر 2016م الموافق 07 صفر 1438هـ

عاش الأبوان... مات الزوجان!

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

قبل فترة قرأت قصةً ذكرها أحد المُدربين المشتغلين بحقل علم النفس الأسري في الولايات المتحدة الأميركية، قال: «سألت ذات مرة مجموعة من الآباء والأمهات، وكان عددهم في القاعة يتجاوز 450 شخصاً، من الحاضرين يفضّل نفسه على أبنائه؟ ولم أستغرب أن يكون معظم الحضور من هذه الفئة من الآباء.

فمن لا يُؤثر نفسه على أبنائه؟ لكن الحضور صُعقوا عندما ذكرتُ لهم أن الفئة الأخرى المُقابلة من الآباء والأمهات هي على الأرجح من يعيش حياة أسرية سليمة وأكثر استقراراً!

كانت فكرة أستاذ علم النفس هذا تقوم على افتراض صحيح مؤدّاه أن حُب الذات عند الأب والأم (الزوجين) هو مُقدّمة ضرورية ولازمة لبناء محضن أسري، يتمتع بالكثير من الدفء والحب، وينعكس أثره تلقائياً على شخصية الأبناء بصورة إيجابية، ويزرع فيهم الثقة بالنفس، ويمنحهم الشعور بالحب والقدرة على التعبير عن الانفعالات دون خجل.

كثيراً ما أسمع شكاوى يُطلقها الأزواج من ظاهرة انشغال الزوجة بالأبناء، يتأففون ويتبرمون منزعجين، من ضياع حقهم الطبيعي بالتمتع بحياة زوجية تنعم بالدفء وتزخر بالشغف. هذه الفئة من الأزواج تتفهم الدور المحوري المهم للزوجة، وموقعها في الحياة الأسرية لاشك، لكنها تتوق إلى لحظات تعيد لها نضارة الشباب، وتذكرها على حاجاتها العاطفية والجسدية في جوّ لا يخالطه ضجيج الأبناء، وصخب عراكهم الطفولي اليومي.

قبل أيام استمعت، وأنا في طريقي إلى العمل من مذياع السيارة إلى تقرير إذاعي جميل وخفيف الظل، كانت فكرته ترتكز على ظاهرة آخذة في الانتشار في مجتمعاتنا، وتتمثل في تغوّل ظاهرة «موت الأزواج وانبعاث الآباء»! هذه الظاهرة التي يتنازل فيها الأزواج طوعاً عن جزء كبير من حياتهم كأزواج، لصالح أدوارهم كأبوين فيعيشون لهم لا معهم.

التقرير لفت إلى أن تسخير جزء كبير من حياة الزوجين في توفير الرعاية الوالدية للأبناء، وبشكل مبالغ فيه أحياناً، يؤدي في نهاية المطاف إلى القضاء المُحتّم على الحياة العاطفية السليمة بين الزوجين، عاجلاً أو آجلاً، فالأم تسخو بكل وقتها وجهدها في سبيل إسعاد أولادها، والسهر على راحتهم ومطالبهم، وربما يشاركها الأب في ذلك، فينسون في غمار هذا الدور الذي يبتلع أزهى مراحل العمر لزوجين شابين، أنهما لن يتمكنا من تعويض بهجة هذه السنوات.

والحقيقة الأكثر مرارةً، أن هول الفراغ الذي سيخلفه رحيل الأبناء، بعد أن يكبروا ويغادروا المنزل، سُيعمق الإحساس لدى الزوجين بهشاشة الرابط الذي كان يجمعهما كزوجين؛ لأن عماد العلاقة كان منذ البداية يرتكز على «توفير الرعاية المشتركة» على حساب الجوانب الأخرى التي أغفلها الزوجان.

فكثيراً ما تنساق الحياة الزوجية وراء احتياجات الأبناء، فيتحوّل الزوجان إلى ما يشبه «المارد» الطيّب الذي يخرج من المصباح السحري بعد كل «مسحة»، استجابةً لرغبة أو أمنية تلحّ على الأولاد. وعندما تتحوّل الحياة الأسرية إلى مجرد ملجأ إيواء يوفر «مظاهر شكلية» لرعاية والدية، خالية من أي مضمون عاطفي وتربوي سليم، يُراعي بطريقة منطقية ومتوازنة الاحتياجات العاطفية للزوجين، فإن كل هذه الجهود تذهب أدراج الرياح، ولا تمثل أي قيمة على الأولاد؛ بل على النقيض من ذلك تماماً، فالضرر يكون كبيراً والنتائج وخيمة على الأولاد والزوجين، ومن ثمّ على الحياة الأسرية ككل.

الإفراط في العناية بالأولاد إلى حدّ الهوس، يتشابه من حيث الانعكاسات والنتائج مع غياب الرعاية لهم، إن لم يزد عليه ضرراً؛ لأنه يؤدّي إلى ظهور جيل اتكالي مدلل، كسول ويعاني من هشاشة نفسية، وخلل وضعف بنائه الشّخصي، إلى جانب ما يكشف عنه من حالات فوضى عاطفية، والتخطيط غير السليم لإدارة الأولويات، وهي مظاهر تسود أغلب الأسر في مجتمعنا اليوم.

إننا مطالبون، أزواجاً وزوجات، بالبحث عن ذواتنا في أعماقنا. فالسعادة هي أن تعيش لذاتك، لتفيض على أبنائك من حولك، لا أن تجعلهم من حيث لا تشعر عائقاً أو حجر عثرة في طريق سعادتك ونجاحك، كزوج وأب وإنسان، فتضحّي بأجمل سنوات حياتك دون أن تتمكّن من تحقيق الإشباع الكافي على الأرجح لكل ما يريده الأبناء ويتوقعه القريبون منك؛ لأنك ببساطة تكون قد أضعت البوصلة، ووضعت العربة أمام الحصان!

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5176 - الإثنين 07 نوفمبر 2016م الموافق 07 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:33 ص

      ليت زوجي يعي الامر وحاجتي اليه كزوجة اولا وبعدها كأم لاولاده .
      عندما اتكلم هنا اقول عكس المقال فهو يقفل حق الزوجة ويظلمها ويقسو عليها لاجل ابنائه .والحالات كثيرة في بيوتات البحرين خصوصا .
      فهل يوجد مقال اخر يحاكي القلوب الدامية من ازواج قساة قلوب . وناكرين للمعروف ..
      احد القلوب المتئلمة

    • زائر 1 | 11:28 م

      فكرة المقال راجحة ولكن العمل بها جدا صعب ...

اقرأ ايضاً