العدد 5199 - الأربعاء 30 نوفمبر 2016م الموافق 29 صفر 1438هـ

الأشغال والإسكان... كيف حوّلتا المطر إلى نقمة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إنَّ المطر معاناة حقيقية هنا، أما في بقاع العالم الأخرى فإن هطول المطر يعتبر في جميع الاحتمالات نعمة للجميع، سواءً كانوا أشخاصاً أم جماداً، فهو مفيد للمحاصيل، ومفيد للحيوانات والنباتات، وإذا أضيفت إليه لمسة من الرومانسية فهو جيدٌ للعشاق!

هذه ليست كلماتي، وإنّما كلمات الروائية التركية إليف شافاق، ساقتها على لسان زليخة، بطلة كتاب «لقيطة اسطنبول»، وهي تنطبق حرفيّاً على وضعنا مع المطر، وكأنها تعيش معنا في البحرين.

فالوزارة المعنية تعلن قبل أسابيع من موسم الأمطار، استعداداتها الضخمة لمواجهة الأمطار، ولكن سرعان ما تتبخر هذه الكلمات مع أول مطرةٍ تنزل على أرض البحرين، وتعطّل الحركة المرورية في نصف شوارعها، وتتسبب في تسرب المياه إلى نصف بيوتها. هذا ونسبة هطول المطر لا تتعدى 10 ملليمترات فقط، فكيف لو كانت النسبة 50 أو 100 ملم؟ ألن تغرق نصف جزرنا في مياه الخليج؟

هناك مشكلةٌ تتكرّر كل عام في مثل هذه الأيام، مع هطول أول أمطار موسمية، وتكتب عنها الصحافة نفس المقالات، وتستعرض نفس المؤاخذات، وتلوم الوزارة على استمرار التقصير والتخبطات. والوزارة لا تهتم! لا تغضب لسمعتها، ولا تثور حتى لكرامتها! وبالعكس... يبدو أنها تطرب لسماع هذه الأسطوانة التي نكرّرها كل عام!

الأخطر من ذلك، أن الأمطار الأخيرة، التي لم تستمر لأكثر من ثلاث ساعات، وخلّفت كل هذه البلبلة والفوضى، وتركت البلد في هرج ومرج، لم تعرِّ البنية التحتية الضعيفة فحسب، بل كشفت أيضاً أن مناطق كثيرة من البلاد تفتقر إلى شبكة مجارٍ صحية، وهذه كارثةٌ بكل المقاييس، ستواجهها البحرين يوماً ما، حيث ستتسبب في انتشار الأوبئة والأمراض.

الأمطار مجرد «مشكلة» موسمية لا تستحق من الوزارات المعنية التفكير! مشكلة عابرة! مجرد أن تتساقط زخات المطر! وكما قالت زليخة: «إن كان يعني شيئاً فهو يعني أن تغضب. إنه عبارة عن وحل وفوضى وغضب. وكأنه لا يوجد لدينا ما يكفينا من هذه الأشياء الثلاثة»!

المطر اليوم يكشف تهتك البنية التحتية في كثير من المناطق، وحاجتها للإصلاح والترميم، كما يكشف - وهذا هو الأدهى والأمرّ- عن سوء التخطيط وضعف هندسة مشاريع الإسكان الجديدة، بما يعيد إنتاج المشاكل القديمة نفسها، وتعميمها على بقية الأرض البحرينية. وآخرها ما شاهدناه هذا العام من تخطيط سيئ في مشروعي إسكان الهملة وقلالي، والعام الماضي في إسكان البلاد القديم، حيث غرقت المنازل في المياه حتى الركب.

ماذا يشعر المواطن الذي حصل على وحدة سكنية بعد انتظار طال عشرين عاماً، وقبل أن يسكنها، يفاجأ بغرقها في مياه الأمطار التي لم تدم ثلاث ساعات؟ كيف تشعر أنت لو دخلت منزلك وشاهدتَّ الكراسي والطاولات والتلفزيون وأسِرّة الأطفال تعوم في الماء؟ ومن المسئول عن الأضرار التي لحقتك بسبب سوء التخطيط في وزارة الإسكان، أو التقصير في وزارة الأشغال والبلديات؟ وأين هو التخطيط والتنسيق في عمل هذه الوزارات؟

عندنا مشكلة مزمنة، نواجهها كل عام، لكننا لا نملك عقلاً استراتيجيّاً، يفكر بإيجاد حل جذري وسليم، وإذا فكّرنا فعلى طريقة جحا: دحرجة الكرة إلى الأمام والركض وراءها إلى نهاية الملعب! فهل من المعقول أننا مازلنا نتعامل مع الأمطار باعتبارها شيئاً تافهاً لا يحتاج إلى تفكير، لكنه إذا ما نزل أغرق نصف منازلنا وحوّل شوارعنا إلى أوحال لعدَّة أيَّام؟

المطر يعيد تذكيرنا بمشروع البيوت الآيلة إلى السقوط، التي تظلُّ أحوال أهلها مستورةً حتى ينزل المطر، فينكشف المستور. وليس هناك ما يُشعر الإنسان بالذلّ أكثر من بيتٍ لا يستره سقفه من قطرات المطر.

جدة زليخة كانت تنصحها: «لا يجوز أن تلعني أي شيء يهطل من السماء، فمهما يكن المطر غزيراً أو الجليد يكسو الأرض، لا يجوز أن تتلفظي بأية كلمات نابية لأي شيء تخبئه لنا السماء»، أما وزارتا الأشغال والبلديات والإسكان فحوّلتا هذه النعمة إلى نقمة وفوضى وغضب.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5199 - الأربعاء 30 نوفمبر 2016م الموافق 29 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 4:44 ص

      بداية لومواالوعي العام الذي يشمل العاملين في الوزارة والجميع دون استثناء حيث لايخططون للمشكلة قبل وقوعها و ينسونهاطوال الصيف الطويل. بعدذلك لومواعدم وجودتخطيط للاموركافة وتركهاعلي مسئولية أفراد غير مؤهلين. موضوع الأمطار كان يجب حلها قبل ثمانون عاما او اكثربقياس ارتفاع اليابسة عن مستوي البحر ثم توجيه المياه اليها. او جمع المياه في حفر في مناطق مختلفة و تكون مربوطة ببعضها و تسحب الي خزانات و تصفي و يعاد استعمالها. امااليوم حتي لوقدمت اي اقتراح لمن تقع عليهم المسئولية فانهم يردونه غيرمؤهلين لفهمه.

    • زائر 8 | 12:29 ص

      ليش التحلطم؟! إحنه ساكنين في جزيرة، يعني لازم نكون سباحين ماهرين ونقول للمطر: #ما_تغلبونه.. وبالمرة تراها فرصة عشان نحصل على بيوت مجهزة ببرك سباحة، ترى غيركم يتمنى تصير عنده بركة سباحة في بيته بس ما عنده فلوس يسويها، وانتون تتنوّزون على النعمة..

    • زائر 7 | 12:07 ص

      فعلا سيد ماذا لو استمرّ هطول المطر لأسبوع متواصل؟
      ماذا سيحصل لو هطل المطر بغزارة اكثر مما هطل؟
      لا أدري هل نحتاط لأنفسنا بطراريد وبوانيش أمام البيوت تحسبا لمثل هذه المآسي لو حصلت وهي متوقعة

    • زائر 6 | 11:59 م

      الشوارع من دون مطر وتقلبات جويّة هي تشكو وتستغيث من القصور في كل شيء علاوة على انّ هذه الشوارع تئن لتحميلها فوق طاقتها مرّات ومرّات .
      الله ارحم بحالنا لم يشأ ان ينزل علينا الغيث بالكمية التي ستغرق البلد ولو حصل هذا وهو ليس ببعيد مع تقلّبات المناخ
      والتغير على وجه الكرة الأرضية فنسأل الله ان يرحم بنا فلا طاقة لنا ولا لبلدنا ولا لشوارعنا ولا لبيوتنا على تحمّل أي زيادة

    • زائر 5 | 11:45 م

      هذه عجائب التخطيط والانجازات التي لم يعد للمواطن وقت لأن يتشكّر المسؤولين عليها.
      انجازات عظيمة الى درجة ان شوارعنا ومناطقنا ليست مؤهلة لاستقبال زخات بسيطة من المطر فما بالكم لو لا قدّر الله وحصل ان تضاعفت كمية المطر كما يحصل في بعض بلاد العالم؟
      أظنّ اننا مقبلون على كوارث حتمية الوقوع والله يستر وهو ارحم الراحمين فإما يوقف مطره عنّا او سنكون من الهالكين

    • زائر 4 | 11:14 م

      3

      انت الحين مستانس اب مرزامك ، بس لين دش لك ماي المطر من الدريشه بعدين لا تصيح !

    • زائر 3 | 10:26 م

      طك يامطر طك
      بيتنا يديد
      ومرزامنا حديد

    • زائر 2 | 10:14 م

      والله انا اقرأ قبل بداية كل مشروع انه حسب أرقى المواصفات والمقاييس الدولية بس لا أدرى كيفية الجمع بين التصريحات البراقة والواقع على الأرض. أقول يمكن كانوا يتحدثون عن مشروع اليابان.

    • زائر 1 | 9:42 م

      نعم لا يوجد عقل يفكر او اذا وجد عقل يفكر فقط للسرقة والرشوة

اقرأ ايضاً