العدد 5245 - الأحد 15 يناير 2017م الموافق 17 ربيع الثاني 1438هـ

أنواع المديرين (1)

صالح حسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في المقالات القادمة سنقوم بتسليط الضوء على الأنواع المختلفة للمديرين، والطريقة التي يقوم كل نوع منهم باتباعها في الإدارة، وأثر الممارسة الإدارية على العنصر البشري والنتائج المالية للشركات. ونتمنى أن يتفاعل القراء الكرام بالكتابة إلينا بملاحظاتهم ومداخلاتهم، التي قد تكون من واقع خبراتهم ومعايشاتهم لنوعية المديرين الذين سنتحدث عنهم في المقالات. ونبدأ اليوم هذا المقال بالحديث عن المدير المتسلط.

المدير المتسلط

المدير المتسلط يحاول أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في أمور العمل، وحتى في الأمور الخاصة بالموظفين. يتفننّ في إهدار وقت الآخرين في الدخول في أدق التفاصيل، ولا يسمح أبدا لأي موظف بالموافقة على أي امر أو عملية متعلقة بالعمل إلا بعد موافقته. أي أن مستوى الصلاحيات للموظفين عنده قد تكون صفرا، وهو سيد الصلاحيات وهو يمنحها عندما يشاء. في غيابه تتوقف الأمور، ويكون التأخير في انجاز متطلبات العمل هو السائد. وهو لا يقبل النقاش ولا يرضى لأحد الدخول معه في مجرد الاستفسار عن أمور تخص العمل، فهو يعتبر نفسه العارف الوحيد، والمسئول الأول عن مجمل مسئوليات العمل. هو قد يفتح محضرا إذا رأى أي موظف يناقش أمرا مع موظف آخر أو مع عميل، وهو يحب أن يعرف كل شيء، وأن يرجع الجميع إليه في كل شيء.

هو يعتقد وبشدة أن الأمور لا يمكن أن تسير بدونه، وثقته في الموظفين شبه معدومة. لا يهتم بقيمة الوقت، وتأثير تأخير إنجاز المهام والأعمال على الشركة وعلى العملاء. وقد لا يسمح للموظفين بمغادرة مواقع العمل إلا بعد أذنه دون أدنى اعتبار للوقت، أو أي ارتباط للموظفين بأمور حياتية وعائلية.

يحق للقارئ الكريم أن يتساءل، هل توجد نوعية من هذا المدير، والجواب: نعم. ولا بد أن يكون لبعض القرّاء خبرة في تعرضّهم لهذه النوعية من المديرين.

لو حاولنا أن نفهم الدوافع التي تجعل أي مدير متسلطا إلى تلك الدرجة، فإننا نعتقد أنه في مقدمة الأسباب تأتي عدم الثقة في النفس وعدم الثقة في الآخرين. والأمر الآخر قد يكون نقص الخبرة والمعرفة في الأمور الإدارية وأمور إدارة العاملين. عندما يوضع شخص ما في مركز إداري من دون التدريب المناسب، عندها يقوم هذا الشخص بمحاولة إثبات الوجود والمعرفة، من خلال التسلط على الآخرين. والعكس عندما يكون الشخص واثقا من نفسه، فإنه يثق في الآخرين، ويقدر جهد الآخرين، ويؤمن بأنه كلما وثق في الآخرين، كلما زاد مقدار حرصهم على إنجاز الأعمال والمهام الموكلة لهم، وأن الاعمال لا تتأخر عندما يكون المدير في مهمة خارج الشركة، وخصوصا إذا أعطاهم التفويض اللازم.

في الغالب أن المدير المتسلط لا يمارس هذه العادة غير المحمودة في العمل فقط، بل هي عادة قد تكون جزءا من شخصيته يحملها معه في البيت وفي موقع العمل، وأينما ذهب. ولا يمكنه أن يتخلّص منها إلا اذا استوعب هو شخصيا الضرر الذي يسببه لنفسه وللآخرين من جرّاء هذا التسلط. وبموجب رأي المتخصصين النفسانيين، فإن هذا التسلط قد يكون من الموروثات العائلية، ولا يمكن علاجه إلا بالتدريب المستمر لتغيير هذا السلوك.

النتائج السلبية لتصرفات المدير المتسلط كثيرة، فهي تجعل الحافز للإنجاز عند الموظفين قليلا، وتقتل عندهم روح الإبداع والمشاركة الإيجابية، حيث ان المدير المتسلط لن يعطيهم الفرصة لممارسة أي صلاحيات. كما تنعدم عندهم روح المبادرة لعلمهم بأن الأمور ستتم فقط طبقا لرغبات هذا المدير.

على مستوى الشركة، يكون الأداء ضعيفا من قبل العاملين، والذي يؤثر بالتالي على علاقتهم بالعملاء، حيث قد لا يستطيعون الالتزام بمواعيد تقديم أية خدمة إلا بوجود المدير المتسلط، وفي حالة عدم تواجده أو عدم موافقته على أمر يخص العميل. والنتيجة الحتمية هي أن تفقد الشركة بعض عملائها نتيجة للتصرفات غير المسئولة من قبل هذا النوع من المديرين. وهذا بدوره يؤثر على مجمل أعمال الشركة، وقد يسبب ضعفا في الأداء والنتائج المالية.

أختم هذا المقال بذكر معرفتي بأحد العملاء الكبار، الذي كان يصر على توقيع كل الأوراق والمستندات في الشركة التي يملكها، ولا يستطيع أحد توقيع أي شيك إلا بحضوره أو بتوقيعه هو شخصيا، وحتى لو كان مبلغ الشيك زهيدا. ونتيجة لذلك، فقد كانت هناك حالات من تأخير مدفوعات أقساط قروض مستحقة للبنوك، وعملاء الشركة نتيجة لسفره، وذاك التأخير كان يكبد الشركة مصاريف إضافية كفوائد تأخير وغرامات. هذا العميل تعرض بعد سنوات قليلة إلى صعوبات مالية مازالت ذيولها ممتدة، حتى وقت كتابة هذا المقال، ولا يلوح أي حل لمشاكله في الأفق القريب.

إذا كنت من هذا النوع من المديرين، اتق الله في نفسك وفي الآخرين. فالعمل لن يكون جيدا بدون الآخرين، وتقل الدافعية لدى العاملين، والنتيجة ضعف الأداء والشك في تحقيق النتائج المالية المرجوة. إن العاملين معك هم جنودك المثاليون، فاستفد من وجودهم وعاملهم كما تحب أن تعامل.

إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"

العدد 5245 - الأحد 15 يناير 2017م الموافق 17 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:04 ص

      شكرا استاذنا لتسليط الضوء على مثل هذه المواضيع المهمة التي من شأن عدم الخوض فيها تخريج إدارات متوسطة إلى إدارات عليا مصابة بالعقد والنرجسية مما تعلموه أو بشكل أدق مما آمنوا به بأن المدير إله صغير لا يمكن محاسبته،،، فاللذي تراه من سوء خلق تبدأ في البيت وفي الشارع والبرادة والمسجد وعند المطعم وفي المستشفى جلّه له إتصال قريب بتلك الضغوطات والكبت الذي يتحول لعقد عندما يسلم هذا الإنسان السلطة … لنا تجارب كثيرة لا يسع الحال لذكرها وإن شئت أرسلت صحفاً تحزن وتبكي، وتضحك أيضاً من غرابتها.

    • زائر 3 | 10:25 م

      لا اوفقك الرأي في تسميته بالمدير المتسلط إلا في جزء مما يقوم به إنما يحرص على إتقان العمل لأنه بعض الموظفين يتعمدون التخريب في العمل لاحراج المدير أمام روؤسائه

    • زائر 2 | 10:14 م

      هذا النوع من المديرين المتسلطين هو المدير الشرطي! متعب وفلته! يذكرني بمقال الأخت مريم الشروقي بالموظف الفلته! جزاك الله خير الجزاء أخي العزيز أستاذ صالح حسين على هذة المقالات الرائعة! شكرا جزيلا لك!

    • زائر 1 | 10:13 م

      عجبني أنه فيه خدمة قرائة للنص ! لكن أتمنى أن يكون القارئ هو نفسه كاتب المقال! وليس قارئا آليا! أو أن يكون شخص آخر من الجريدة! شكرا جزيلا!

اقرأ ايضاً