العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ

كيف نفرّق بين «الفيديو» الحقيقي والمزيّف؟

رضي السماك

كاتب بحريني

لفت انتباهي خلال شهر واحد تقريباً اثنان من «الفيديوهات» التي يجري تداولها يومياً بالعشرات أو المئات في وسائل التواصل الاجتماعي، الأول يمكن أن نطلق عليه بأنه فيديو توعوي يظهر فيه شاب خليجي يلفت نظر مشاهديه إلى خطورة مقاطع الفيديو المفبركة، وما تلعبه من دورٍ تخريبي بالغ الخطورة في تشويش ذهن ووعي المتلقي، ويتوهم بأنه إزاء حدث حقيقي مُوثّق، ومن ذلك أقوال لخطيب لم يتفوّه بها قط، أو جرائم تُرتكب وتُنسب إلى جماعة سياسية أو دينية بعينها في الحروب الطاحنة الراهنة التي يكتوي بأهوالها وفظائعها عدد من شعوبنا العربية في حين ان الجناة هم جماعة أخرى، أو إدخال فبركة مونتاجية على الفيديو الأصلي.

ولأن المتحدث الخليجي هو مصوّر أو مخرج تلفزيوني، ولديه إلمام جيّد بكيفية القص واللصق والحذف والتركيب داخل الفيديوات المزيفة، فقد قام بنفسه لتوضيح ما تحدث عنه بإظهار رجل بزي خليجي يقف بجوار الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما، الذي كان واقفاً عند منصة خطابية يتحدث فيها للحاضرين، وبدا مقطع الرجل الخليجي المركّب في المشهد وكأنه حقيقياً في وقائع ومشاهد الفيديو، وهو يشير إلى أوباما متفاعلاً معه بالترحيب والتصفيق، ثم وهو يشير إليه بلباقة بروتوكولية وهو يهم بمغادرة المنصة لدى انتهاء كلمته، وبالفعل لولا إرشادات المتحدث نفسه الذي أطلعنا مرة على المقطع الأصلي للرئيس أوباما، وهو يتحدث عند المنصة بدون وجود الرجل الخليجي، ومرة أخرى بوجوده المركّب، لاعتقدنا حقاً بأنه موجود من الأصل في وقائع ومشاهد الفيديو الأصلية.

أما الفيديو الثاني فكان أيضاً للرئيس أوباما، بالإضافة إلى زوجته، وهما يستقبلان ترامب وزوجته عند عتبة مبنى بالبيت الأبيض عشية تنصيبه الرئاسي، حيث تقدم ميلانيا زوجة ترامب هدية إلى ميشيل زوجة أوباما، فما كان من الأخير إلا أن تناول الهدية من زوجته، واستدار إلى الخلف مسرعاً نحو الداخل قاذفاً بيده الهدية جانباً كتعبير عن سخطه من الرئيس الجديد وهدية زوجته.

ولا حاجة لنا للقول إن أي سياسي يتمتع بأدنى حد من البداهة، سيدرك على الفور استحالة أن يصدر مثل هذا السلوك غير السوي من الرئيس أوباما، فما بالنا وفي البيت الأبيض أمام كاميرات العالم! ولا شك في أن ذلك يوضح لنا مدى خطورة الدور الذي باتت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي عند توظيفها لتضليل أكبر قدر ممكن من شرائح الرأي العام في أي دولة من دول العالم بأسره، ومن هنا غدت أجهزة الاستخبارات العالمية تدرك بطبيعة الحال أهمية هذا الدور التدميري الهائل للسوشيل ميديا، الذي أصبح رأس حُربة بحق في الحروب النفسية الحديثة، والذي لا يستطيع أي جهاز مخابرات في العالم اليوم تجاهل أهميته الفائقة، لما له من قدرة رهيبة على الانتشار الخارق السريع في أوساط الجماهير وتأثيره في وعي أوسع شرائح، بحيث لا يكاد يستثني أحداً حتى من أفراد الأسرة الواحدة صغيرها وكبيرها.

وإذا كانت في مرحلة ماضية كل الأجهزة الاستخباراتية في عالمنا المعاصر، وبخاصة العائدة منها للدول الكبرى، تُوظِف في عصر ما قبل اختراع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة الراديو والتلفزيون والصحافة في حروبها النفسية سواءً، ضد أعدائها في الخارج أم ضد شرائح أو حركات من مواطنيها في الداخل، وذلك من خلال الدعاية المُغرضة والمُصممة بعناية وبذكاء لاختراق وتشويش الوعي السياسي لأعرض قطاع من الجماهير، فمن باب أولى ألا تتجاهل هذه الأجهزة الاستخباراتية في عصرنا الراهن هذه الوسائل السهلة الجديدة، والمُتحررة من أي قيود أو رقابة في تحديد مسئولية من يرّوجها، على عكس الراديو والتلفزيون والصحافة المعروف من يطلقها ويلحق السمعة السيئة بنفسه كوسيلة اتصال جماهيرية مرّوجة للإشاعات.

وهكذا باتت الوسائل الجديدة تستهدف إيقاع حتى الأُميين وأنصاف المثقفين في حبائلها، ممن ينطلي عليهم بسهولة زيفها، ما داموا هم في العادة وقود الحركات الاجتماعية المشتعلة كفئات مُهمشة وذلك من خلال إرسال، على سبيل المثال لا الحصر، أعداد لا حصر لها من الفيديوات اليومية التي تتناول حوادثاً سياسية، وخطباً وصوراً لم يسبق لهم مشاهدتها في الفضائيات التلفزيونية أو قراءتها في الصحافة اليومية، وهي فيديوات تحتوي على الغث والسمين، فبعضها يتم التلاعب في صوره ومقاطعه بالمونتاج والتركيب واللصق لغايات تضليلية، بغية تدمير معنويات الخصم الديني أو السياسي. ومن هنا تبرز الأهمية الفائقة أيضاً لاضطلاع المؤسسات السياسية والمدنية والإعلامية التي تتحلى بشعور عالٍ من المسئولية الوطنية العليا، بأن تتدارس كيفية إطلاق حملات وطنية مُضادة لهذا النوع من الفيديوات الخطيرة المدسوسة المُدمرة، وخاصةً التي تستهدف تفتيت الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الوطني للشعوب سواءً من قِبل أعدائها في الداخل أم في الخارج، وبالتالي يتم تحصين الناس البسطاء بمثل هذه التوعيةً الاحترازية الضرورية ضد فيروساتها لما تنطوي عليه مثل تلك الفيديوات من حيل فنية بارعة في فبركة أكاذيبها حتى تبدو كحقائق، ومن ثمِ التأكد من حقيقة كل ما يُرسل منها إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة «الواتس أب»، وكذلك ما يُنسب زوراً وبهتاناً من أخبار يجري تداولها، أو من تصريحات أو تغريدات لأشخاص، أو من صور لوقائع أو حوادث سابقة تُقدّم كحوادث طارئة، وكذلك من أخبار طارئة صادمة مفبركة يتم تمريرها في السوشيل ميديا بأنها واقعة للتو، أو من مقالات لكبار الكتّاب، أو من أبيات لشعراء أو أقوال مأثورة لأنبياء أو ائمة أو قادة مناضلين عربا وعالميين حتى لو كانت مضامينها نبيلة، وهلم جرا.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً