العدد 5298 - الخميس 09 مارس 2017م الموافق 10 جمادى الآخرة 1438هـ

عمّن لا يريد أن يكون كنوداً

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

بعض الأشخاص اعتادوا على تعداد ما يعتريهم من مصائب، متناسين نعم الله عليهم، والتي لا شك بأنها كثيرة. هؤلاء يلتفتون للجانب المظلم دائماً، ولا يشعرون إلا بانقباض القلب من الأسى، فيما يغفلون اتساعه عند الفرح. يرتبون أوقاتهم لتكون مرهونة بكل ما هو باعثٌ للهمّ، ولا يضعون السعادة في مكانها الذي تستحق كلما بزغت وأرادت أن يكون لها حيز في حيواتهم.

مثل أولئك يجدر بهم تذكر الموقف المنقول عن أحد السلف، وهو الذي كان أقرع الرأس، أبرص البدن، أعمى العينين، مشلول القدمين واليدين، وكان يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً ممن خلق، وفضلني تفضيلاً. وحين مرَّ به رجل قال له: مما عافاك؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول، فمما عافاك؟

قال الرجل: ويحك يارجل، جعل لي لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً وبدناً على البلاء صابراً!

مثل هذا الذي غض بصيرته عن كل ما هو سلبي، ولم يلتفت إلا لنعم الله عليه، حتى صار يعددها بيسر؛ لأنه اعتاد تذكير نفسه بها، لا بد وأنه يشعر بالرضا الداخلي الذي لم يورثه إلا الشكر، والشعور بأنه خير من غيره بما أوتي من نعم.

هكذا، كلما انتبه أحدنا إلى ما يغمره من عطف الله ورحمته، شعر أن الدنيا تستحق أن تعاش بسعادة، أن نبسط لها سرائرنا لأننا حين نتسلح بالأمل نجد الجمال يعبر من حولنا ويحلّ بقربنا ويحيط بنا ويتخللنا.

هذا الجمال الذي نستشعره في لحظات الفرح، والذي يهبنا حصة كبيرة من الراحة كفيل بأن يجعل أوقاتنا أسهل وأقدر على المرور بسلام.

بإمكان أي منا أن يعيش مهموماً حزيناً غير قادر على العطاء أو التعامل مع من حوله بهدوء ويسر وعفوية. بإمكانه أن يخط له طريقاً لا يفضي إلى نور، مادام لا يلحق إلا بالظلام ولا يلتفت إلا إلى الجوانب الضيقة والممرات الباعثة إلى الضيق.

وبإمكان أي منا أن يفتح أبواباً لا تكاد ترى لشدة الظلام من حولها، لأن عينه المتسلحة بالأمل والتفاؤل وقعت على ذلك النور الخافت المنبعث من أسفله، يسعى وراءه حتى يدخل قوياً، يهديه السبيل نحو الحياة المتسعة بكل ما تحمله من فرح وجمال وإيجابية.

وهنا يكمن الفرق بين من يخلق له فرصاً؛ لأنه آمن بربه ونفسه وما حوله من سعادة، وبين من يتوقف عن الحياة الحقيقية، وينسى النجاح، لأنه غارق في تعداد مصائبه، خائف منها، متشبع بها.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5298 - الخميس 09 مارس 2017م الموافق 10 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:18 ص

      مقال يبعث الأمل والتفاؤل

    • زائر 1 | 11:12 م

      نعم انها عادات سيئة عودنا المجتمع وتعوّدنا عليها وهي عدم تذكّر النعم وتذكّر المصائب .
      نحن مجتمع لا نحاول تلمّس الجمال والنعم والاحسان الالهي

اقرأ ايضاً