العدد 5324 - الثلثاء 04 أبريل 2017م الموافق 07 رجب 1438هـ

قمم نصر الله

هناء بوحجي comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

«في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها وإلا بقي في القاع... مهما صعد من قمم». بهذه الجملة بدأ الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله فصول روايته «أرواح كليمنجارو»، فاتحاً للقارئ باباً على مجازات كثيرة ومحرراً الجبل، ورحلة الصعود، والقمة من معناها الحرفي لينقل القارئ ما بين سير الرواية وتقدم أبطالها إلى قمة جبل كليمنجارو من أجل تحقيق هدف الصعود من جانب، والمعاني المغلّفة في سرد فلسفي غنيّ يحكم قبضته على خيال القارئ ولا يحرره إلا وقد أسقط هذه المعاني على نفسه وعلى وطنه وعلى العالم من حوله على الجانب الآخر.

والرواية استلهمها نصر الله من مرافقته لأطفال فلسطينيين في رحلة إلى قمة جبل كليمنجارو، دعماً لصندوق إغاثة أطفال فلسطين. هؤلاء الأطفال بُترت أطرافهم وفقئت أعينهم، وقاموا برحلة صعود الجبل الإفريقي حاملين رسالتهم إلى العالم، ليقولوا له وللكيان الصهيوني الذي أفقدتهم ممارساته أجزاءً من أجسادهم، إنهم لن يهزموا وإنهم «أبناء الحياة، أبناء شعب يقاتل من أجل حريته منذ أكثر من مئة عام وإننا لن نُهزم».

بين صعوبة الصعود، وقمة الحلم كانت الإرادة تفعل فعلها في الأجساد المتعبة التي تفنن المستوطنون في رسم إعاقاتها، بعد أن استعصى عليهم قتل أصحابها، فكانت الأرواح المتعلقة بالقمة تراوغ هذه الأجساد، وتتعامى عن عاهاتها فتارة تُبرئ جروحها بسرعة قياسية، وتارة تضخ من الأكسجين ما يكفي ليسخَر من جبروت الجبل الذي قد يحكم بإعادة المتسلقين للوديان، في لحظة تتوقف قدرتهم على المواصلة.

براعة نصر الله في الحديث عن القمم، وفعل الصعود وأهمية تعريف الهدف من رحلة الصعود، والقوة السحرية التي تصنعها الأهداف في حامليها، تدعو القارئ ليجول بفكره باحثاً عن قممه التي تجعل لحياته معنى، وتقوّيه ليقاتل كي يصل إليها. القارئ العربي سيذهب مباشرة للبحث في أحلامه عن قمم وطنه.

يقول نصر الله: «الدنيا سلسلةٌ هائلة من القمم، وكل خطوة يخطوها الإنسان هي قمة إن كانت في الاتجاه الذي لا يخون فيه الآخرين ويخون نفسه. هناك قمم أكثر من أعداد الناس الموجودين على هذا الكوكب، وأكثر ما يحيرني أن معظمنا لم يزل يعيش روحياً في أقل المناطق انخفاضاً» سيحتار القارئ العربي من إصرار أوطاننا على البقاء في القاع، ولا تبارحه إلا لتحفر بحثاً عن قاع أخفض منه.

قدّم نصر الله التعاون كعامل أساسي في الوصول إلى القمة، وكذلك حرص الجميع على ألا يسقط أحد، ويتم استبعاده من طريق الصعود. يتحامل المتسلقون على ألمهم وقسوة الإعاقة ويرسمون ابتسامة على وجوههم؛ كي يحفظوا تدفق الطاقة فيما بينهم كرباط غير مرئي يتقدّم بهم في حزمة واحدة إلى الأعلى.

كلما تقدم الفريق، ووضحت له معالم القمم التي على الفريق أن يجتازها وصولاً إلى قمة أوهورو، الأعلى في الجبل، ذابت الاختلافات بين أعضاء الفريق على اختلاف أمزجتهم وجنسياتهم وأعراقهم وأديانهم، وتوحّدت أرواحهم في تصميم لا مثيل له، لقهر كل ما من شأنه أن يحول بينهم وبين القمة، الهدف.

عودة لأوطاننا، ترى هل عرّفنا قممنا التي تجسّد أحلامنا، هل رسمنا طريقنا وصمّمنا أن نسير فيه مهما بلغت وعورته، هل أقسمنا ونحن نتغنّى بنشيدنا الوطني أن نتعاون من أجل أن نصل كلنا إلى القمة، لا أن نتصارع ونتقاتل كي يسقط نصفنا بسبب اعتقاد النصف الثاني أن القمة لن تتسع للجميع، وأنانيته للاستحواذ على كل شيء، هل فكّرنا كم سيستغرقنا هذا الفكر الشيطاني من الزمن، وكم سيكلفنا من الأعمار والأموال حتى نصل، وقد لا نصل! وهل خطر في بالنا أن الاقتتال سيخلّف جروحاً كبيرة في أجسادنا وأرواحنا، وأن لا أحد في النهاية يشفى من جراحه الكبيرة؟!

وهل فكّرت الأوطان في حفظ كرامة أبنائها؛ كي تعينهم على الصعود بها في داخلهم إلى القمة. يقول نصر الله: «الجبل لن يمنحك كرامة وأنت منتهك الكرامة، ولن يعطيك نصراً وأنت مهزوم. الجبل يريدك روحاً قوية تُشبهه حتى يستطيع التواصل معها والاندماج معها والانحناء أيضاً لها في طريقها الى قمته».

تسبر رواية «أرواح كليمنجارو» الفائزة بجائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأخيرة العام الماضي، أغوار الإنسان وتسرد قصة الصراع بين الجسد والروح، وتتحدث عن تلك القوة الاستثنائية التي تصنع من الهدف وقوداً يقهر الإعاقة، وينبت بدلاً منها أطرافاً خيالية بما يكفي لتوصل صاحبها إلى القمة.

وفي قمم الأوطان جاءت مقولة أحد أبطالها صائبة عندما قال: «لا يمكنك أن تصعد القمة وحدك، لا يمكنك أن تصعدها إلا إذا اصطحبت الآخرين معك، وبغير هذا لن تملك إلا وهم أن القمة أصبحت لك».

إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "

العدد 5324 - الثلثاء 04 أبريل 2017م الموافق 07 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:32 ص

      من البركة بركان ومن القمم قمة الانانيه!!!
      فمتى وصلت الانانيه إلى اقصي قممها لا يهم من سيقتل او من سيموت. الانا العليا الغبيه تعمل كما الشيطان لتخرب الاوطاب. فكيف تزال الانانيه من صدور الاكثريه الباغضه الحاقده .....??
      مم المسائل التي لا تحتاج الي وجهات نظر . اليس كذالك??

    • زائر 3 | 4:28 ص

      روعة روعة هناء ???????? أشتقت بشدة لقراءة الكتاب .. فمازلت أبحث عن تلك القمة التي ترضيني... سطورك أخذتني في جولة داخل الروح التي تتعطش لإعتلاء قمم جديدة .. لقد أعتليت قممي الخاصة التي أعتد بها كثيرا وتقاعست عن قمم أخرى اثق في قدرتي على إعتلائها ولكني ببساطة لم أفعل كحال البشر في هدر الطاقات الكامنة لديهم.. تمنيت أن يمتد طموح قممي لأبعد من محيطي الأسري ومحيطي المهني .. ربما مازلت افتقر لثقة الإنطلاق.. عموما سطورك أضافت تشويقا لكتاب تميز بالتشويق حسبما سمعت.

    • زائر 2 | 1:16 ص

      ومن يتهيب صعود الجبال يعيش دوما... , ع الانسان أن يكون دوما ف القمة.

    • زائر 1 | 1:03 ص

      نحن شعب نتسلّق القمم ونقتحم الصعاب حين تتاح لنا الفرصة وقد اثبتنا للعالم ذلك ولدينا عدد من المكرّمين عالميا في شتى المجالات رغم التضييق علينا

    • زائر 4 زائر 1 | 5:29 ص

      رائع

اقرأ ايضاً