العدد 5325 - الأربعاء 05 أبريل 2017م الموافق 08 رجب 1438هـ

الاستمتاع بـ الآن

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

كثيراً ما يلحّ على ذاكرتي مشهد العازفين على متن السفينة الشهيرة المنكوبة «تيتانيك»، مشهدهم وهم يعزفون غير آبهين بكل ما حولهم من غرق وصراخ وما ينتظرهم من مصير. واهتمامهم بأن يرسموا الابتسامة على وجوه المسافرين حتى آخر لحظة، أو ربما رغبتهم في عيش آخر لحظات حياتهم - إن كانت هي الأخيرة - في أداء ما يحبون. هذا المشهد يتكرر على ذهني كلما وجدتُ نفسي أنسى اللحظات الآنية وأفكر في المستقبل، فأفقد الاستمتاع بوقتي كما يجب. بين يدينا لحظة مهمة كثيراً ما نغفلها، ونغفل الاستمتاع بها تجاهلاً لأهميتها أو عدم معرفة بقيمتها، وهي «الآن».

يمعن بعضنا في إرهاق نفسه بالتفكير فيما سيأتي وما مضى، من غير الاستمتاع باللحظة الراهنة. اللحظة التي قد تكون هي الأهم في حياته، والأكثر سعادة، والتي قد لا تمر لحظات مشابهة لها مدى الحياة.

حين نضحك كثيراً بسعادة غامرة، كثيراً ما نجد أحدنا يقول: أعوذ بالله من هذا الضحك! ويتساءل عن القادم السيئ الذي سيعقب هذا الضحك. وكأن الفرحة لابد أن تأتي قبل حزن أو كربة. فيتوقف الضحك وكأنه كان خطيئة غير مقصودة!

حين نعيش إنجازاً استثنائياً، لن يتكرر، نجد أننا لا نستمتع بجمالية لحظته أحياناً، لأننا نفكر في الخطوة التالية. فحين نتخرج من المدرسة أو يفعل أحد أبنائنا، نجد أننا ننتشل أنفسنا من هذه اللحظة الجميلة التي كان علينا أن نعيش تفاصيلها وسعادتها، لنفكر في الخطوة التالية: ما هو مصير هذا الخريج؟ ولأية جامعة سينضم؟ وما هو التخصص المطلوب اليوم؟ وهل سيكون من المتميزين أم أنه لن يستطيع إكمال دراسته؟ وغيرها من الأسئلة المقلقة التي تأخذنا من جمال تلك اللحظة فلا نستمتع بها كما ينبغي أن نفعل، وكذا الحال حين يتخرج من الجامعة فنفكر في تلك الأسئلة بخصوص مستقبله المهني. وبعدها في مستقبله الاجتماعي ثم في مستقبل أبنائه وقائمة القلق تطول.

حين نكون مع أطفالنا أو أصدقائنا أو أحد أفراد عائلتنا أو من نحب، نجد أننا نفكر فجأة فيما ينتظرنا من مهمات بعد هذه اللحظات وقد نمرر هذا القلق لغيرنا من خلال الإفصاح عنه. فنجد أن بقية الحاضرين يفكرون بالطريقة ذاتها، وكأننا نسينا هذه اللحظة فحرمنا أنفسنا وغيرنا من الاستمتاع بها.

في اللحظة الحالية جمال وسعادة علينا الاستمتاع بهما، من غير التفكير فيما سيأتي بعدها، فكم من سعادة فقدنا لذتها لأننا لم نفكر بها، ولم نعشها بالطريقة السليمة إما خوفاً من المستقبل، أو قلقاً عليه. وأحياناً يكون السبب هو التفكير فيما نراه ناقصاً بها، رغبة في الحصول على ما هو أفضل مما لدينا، فنحرم أنفسنا السعادة بما بين أيدينا، لأننا لم نحصل على كل ما تمنينا أو حلمنا. وأخيراً لابد أن نذكر أن ما فات مات، والمستقبل غيب وليس لنا إلا اللحظة التي نعيشها الآن.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5325 - الأربعاء 05 أبريل 2017م الموافق 08 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:03 ص

      وما احوجنا للاستمتاع باوقاتنا بل بلحظاتنا وان قصرت في ظل هذا الجو العام المتشائم .. مقال رائع ولنترك الغيب لعالم الغيب و الشهادة سبحانه

    • زائر 2 | 3:39 ص

      ذكرني مقالك الجميل بكلام الدكتور ابراهيم الفقي ..عيش كل لحظه كأنها آخر يوم في حياتك

    • زائر 4 زائر 2 | 7:30 ص

      الله يرحم الدكتور ابراهيم كان يزرع الامل ( لا تبحث عن السعادة فى حدائق الاخرين) . يعني أبحث عن السعادة ف نفسك وبيتك . وسلامتكم.

    • زائر 1 | 12:34 ص

      مقال جميل , علينا العيش بكل لحظة باستمتاع ... ولكن الخوف من المجهول يراود الانسان بالفطرة. صباحكم توكل على الله.

اقرأ ايضاً