العدد 6 - الأربعاء 11 سبتمبر 2002م الموافق 04 رجب 1423هـ

خيارات الحكومة... وخيارات المعارضة

بعد قرار مقاطعة «تحالف الأربع» للانتخابات

عمران سلمان comments [at] alwasatnews.com

.

قرار تحالف الجمعيات الأربع (الوفاق والعمل الديمقراطي والتجمع القومي والعمل الإسلامي) بمقاطعة الانتخابات البرلمانية يمثل المخرج الأنسب لهذه الجمعيات من الناحية السياسية والتكتيكية للوضع المربك الذي تمر به الساحة المحلية. وقبل الانتقال إلى استعراض الخيارات المستقبلية الناجمة عن هذا الموقف، ربما يجب التوقف عند استدراكين مهمين: الأول، أن حق مقاطعة الانتخابات مكفول دستوريا، مثل الحق في المشاركة، وإذ لا يحق لأحد أن يجبر أي مواطن على مقاطعة الانتخابات، فإنه بالقدر نفسه لا يحق، لأحد أن يجبر أي مواطن على المشاركة فيها، وينطبق ذلك على الهيئات والجمعيات كما ينطبق على الأفراد.

قرار تحالف الجمعيات الأربع (الوفاق والعمل الديمقراطي والتجمع القومي والعمل الإسلامي) بمقاطعة الانتخابات البرلمانية يمثل المخرج الأنسب لهذه الجمعيات من الناحية السياسية والتكتيكية للوضع المربك الذي تمر به الساحة المحلية. وقبل الانتقال إلى استعراض الخيارات المستقبلية الناجمة عن هذا الموقف، ربما يجب التوقف عند استدراكين مهمين: الأول، أن حق مقاطعة الانتخابات مكفول دستوريا، مثل الحق في المشاركة، وإذ لا يحق لأحد أن يجبر أي مواطن على مقاطعة الانتخابات، فإنه بالقدر نفسه لا يحق، لأحد أن يجبر أي مواطن على المشاركة فيها، وينطبق ذلك على الهيئات والجمعيات كما ينطبق على الأفراد.

من هذه الزاوية فإن المقاطعة هي سلوك سياسي طبيعي، تتقبله وتتفهمه العملية الديمقراطية، على نحو ما هو حاصل في الكثير من الدول الديمقراطية في العالم.

الاستدراك الثاني، أن مقاطعة الانتخابات لا تضر وهي ليست موجهة ضد المشروع الإصلاحي الذي يقوده عاهل البلاد، هذا إذا فهمنا أن المشروع ليس مجرد انتخابات كما أن أحدا لا يستطيع أن يثبت أن المشاركة في الانتخابات يمكن أن تصب تلقائيا في مصلحة المشروع الإصلاحي.

ففي الحالتين يظل القرار سياسيا، وتحت سقف الحقوق المكفولة دستورا وقانونا وبالتالي ينبغي الكف عن وضع التنافر والتعارض بين الموقف من الانتخابات والموقف من الإصلاحات، والنظر إلى هذه المسألة من زاوية الانشغال بالسياسة وليس الانشغال بالعواطف، عطفا على التصريح الشهير المعروف.

أسباب المقاطعة

إن قرار الجمعيات الأربع بمقاطعة انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول، كان في مصلحتها للأسباب الآتية:

أولا، القرار جنّب هذه الجمعيات، وخصوصا جمعية الوفاق انقساما كان وشيكا، ولاسيما في ظل المزاج الجماهيري السلبي والناجم أصلا عن التراجع المستمر في سقف المطالب التي وقعت في السنوات الماضية.

ثانيا، حفظ قرار المقاطعة لهذه الجمعيات هامشا مستقبليا من المعارضة والتمايز فضلا عن مساحة من الحركة في سبيل تطوير المشروع الإصلاحي وترقيته، وهذه فكرة تكتسب أهمية بالغة في ظل التجارب السياسية الناشئة كما هو الحال في البحرين.

ثالثا، لم تتم في الفترة الماضية تهيئة القاعدة الشعبية لهذه الجمعيات لقرار المشاركة في الانتخابات، وإنما كانت التهيئة تسير في اتجاه معاكس تماما. وهذا عائد لسبب بسيط وهو أن الحكومة نفسها لم تترك لقيادة هذه الجمعيات، شيئا تتفاخر به.

فالقرارات التي حرصت السلطة التنفيذية على إصدارها تباعا وبسرعة صاروخية، كان من بين نتائجها وبالطريقة التي تمت بها إضعاف هذه القيادة، وجعلها في حال إحراج و«توتر كلامي» مستمر في قواعدها لا أدل من ذلك تجريد الجمعيات من أي طابع سياسي، بما في ذلك مشاركتها المباشرة في الانتخابات، وحصرها في العمل الاجتماعي والخيري. فضلا عن انفراد السلطة التنفيذية بتقرير جميع القضايا المهمة، بعيدا عن الجمعيات والرأي العام المحلي من دون اعتبار إلى أن هذه الجمعيات هي شريكة في مشروع الإصلاحات وداعمة له.

رابعا، من هنا فإن الدخول في الانتخابات في هذه الظروف، يمثل خطوة نحو المجهول. إذ لا توجد ضمانات أو إمكانات دستورية للبت في الخلافات القائمة بين رؤيتي السلطة التنفيذية والجمعيات السياسية، حول طائفة واسعة من القضايا الجوهرية، بدءا من طبيعة المجلس الوطني نفسه وحتى أبسط قضية يمكن أن تثار تحت قبته.

فالدستور الجديد يقفل الباب تماما أمام مثل هذه الإمكانية، والأهم أنه يرتب واقعا جديدا ستصعب في المستقبل معارضته أو الرجوع عنه. ولذلك كان مفهوما أنه على رغم كل المحاولات التي بذلت لتأخير اتخاذ قرار عن الانتخابات، وعقد المزيد من الندوات والمؤتمرات فإن شبح المقاطعة كان هو المهيمن.

خيارات الحكومة

الآن بعد صدور قرار المقاطعة فالاهتمام سيبدو منصبا بالتأكيد على معرفة الطريقة التي ستتصرف من خلالها السلطة التنفيذية من جهة، ومن جهة أخرى الاتجاه الذي سوف يأخذه تطور الأحداث وخيارات الجمعيات الأربع. فيما يتعلق بالحكومة ترد كل المؤشرات على أنها سوف تمضي قدما في إجراء الانتخابات كما هو مقرر في 24 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ولكن كما يتوقع ستكون نسبة المشاركة محدودة للغاية، وربما لا تتجاوز 20 إلى 30 في المئة. كما يتوقع أن تفوز فيها الجماعات والجمعيات المشاركة والمستقلون (وبضمنهم المحسوبون على الدولة) بنصيب الأسد. بيد أن الجوهري، وهذا ما سيتضح مع الوقت، أن ضعف المشاركة والتمثيل السياسي في هذه الانتخابات، وهي الأولى في المشروع الذي يقوده ملك البلاد، قد يفقدها الغرض الذي من أجله تجري، وهو إضفاء عنصر الصدقية على التجربة برمتها عبر ضمان إشراك القوى الفاعلة في المجتمع. وبالتالي سينشأ وضع بالغ الصعوبة والحراجة في آن واحد، ليس معروفا بعد كيف سيتم التعاطي معه.

لكن هناك خيار آخر، وهو ضعيف الاحتمال، وهو أن يلجأ الملك المعظم إلى تأجيل الانتخابات ستة أشهر على الأقل، ريثما يتسنى التشاور مع الجمعيات السياسية المقاطعة، للتوصل معها إلى حلول وسط. وستتعزز فرص هذا الاحتمال في حال تأكدت الحكومة أن المشاركة الانتخابية ستكون ضئيلة، وإلى الحد الذي لا تؤمِّن فيه الغطاء الشعبي المناسب لنجاح التجربة. لكن من المستبعد مع ذلك أن تتراجع الحكومة عن الانتخابات، فهي لا تريد منح الجمعيات قوة إضافية، إضافة إلى قوتها في الشارع، كما أنها تريد إثبات قدرتها على التحكم في الوضع العام. وهي ستسعى بالتأكيد إلى الإيحاء بأن الأمور كلها تسير على ما يرام.

خيار الجمعيات

أما خيارات الجمعيات فتبدو أكثر مرونة ويمكن إجمالها في:

أولا، العودة بالموقف السياسي إلى ما قبل فبراير/ شباط العام 2000، أي قبل صدور التعديلات الدستورية، وبالتالي تجاوز مرحلة الانتخابات البلدية وما تلاها وتعديل شعاراتها ومطالبها وفق ذلك، وهذا يكسبها جاذبية شعبية وصدقية سياسية.

ثانيا، البقاء خارج المجلس الوطني، قد يحمل معه مخاطر التهميش والاستنزاف، إلا أنه في مثل الظروف التي تمر بها البلاد يظل أقل ضررا على المدى البعيد ولاسيما إذا كان المطروح هو التصديق على إجراءات وقرارات مصيرية لايزال الخلاف مستمرا بشأنها.

ثالثا، يوفر القرار فرصة للجمعيات الأربع، خصوصا (الوفاق) لالتقاط أنفاسها وإعادة ترتيب صفوفها من جديد، والمؤكد أنها ستجد أوساطا عديدة مؤيدة خارج دوائرها التقليدية ممن يشعرون بالإحباط بسبب كون الإصلاحات والإجراءات التي أعقبتها قد جاءت أقل من طموحهم بكثير.

وفي كل الأحوال يبدو أن الأوضاع السياسية في البلاد مرشحة لمزيد من الديناميكية والتعقيد، سواء منذ الآن وحتى انتخابات أكتوبر، أو ما بعد هذه الانتخابات. لكن ما يمكن قوله في هذا الصدد إن الجمعيات الأربع (الوفاق والعمل الديمقراطي والتجمع القومي والعمل الإسلامي)، كسبت معركة الانتخابات من دون الدخول فيها. غير أن هذا وحده لا يكفي، فما بعد ذلك يبقى الأهم وهو تحديد الخطوة التالية، وتحديد هذه الخطوة سوف يعتمد على جملة قضايا أهمها نوعية المطالب التي سيتم رفعها في الفترة المقبلة، ونوعية العلاقة مع المجلس الوطني الجديد، وطبيعة العلاقة مع السلطة التنفيذية، وأشكال العمل السياسي والإعلامي والاجتماعي التي ستنتهجها، خصوصا إذا اتجهت الحكومة عبر المجلس الوطني (بشِقّيه المنتخب والمعين) لتمرير المراسيم والقوانين الأخيرة، بما فيها التعديلات الدستورية، وهو أمر مرجح إلى حد بعيد.

كاتب بحريني

العدد 6 - الأربعاء 11 سبتمبر 2002م الموافق 04 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً