العدد 609 - الخميس 06 مايو 2004م الموافق 16 ربيع الاول 1425هـ

هل يمكن لمشروع الإصلاح العربي علاج ما أفسده الدهر؟

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

جاء شاعران إلى ناقد معروف فقالا له: اسمع شعرنا وأخبرنا (بأجودنا) فلما سمع شعر أحدهما حكم بأن شعر الآخر هو الأجود، فقيل له: ولكنك لم تسمع شعره حتى تحكم له. فقال: لن يكون أردأ مما سمعته.

الأمة العربية تمر بمأزق خطير وهي في مرحلة صعبة فعلا، وهي أمام خيارين لا تعرف كيف تفصل أحدهما عن الآخر، أيهما القادر على انتشالها من وضعها المتأزم؟ فإن ما أفسده الدهر العربي أكبر من أن تعالجه الديمقراطيات المطروحة على أجندة الأنظمة التي تسمع ولا ترى، والديمقراطية التي تبشر بها الولايات المتحدة ولا تعرف ما وراءها! ومن هنا يأتي مأزقنا... ومن هنا تأتي حيرتنا، فأمتنا العربية لا تثق بأي مشروع أميركي لأنها وراء كل كوارثنا، وما فعلته أميركا في العراق حين جاءت لعلاج سرطانه الذي زرعته هي في العراق عندما جاء صدام حسين على قطار أميركي ومن وراء دبابة أميركية، فهاهي تعيث في أرض العراق فسادا وها هو الشعب العراقي صار يترحم على صدام!

وكشفت الإدارة الأميركية انها هي التي تمثل الإرهاب العالمي وليس بن لادن وجماعته بدعمها لأكبر إرهابي فاشي عرفه العالم، وهو إرييل شارون الذي من الإجحاف أن يُقارَن بهتلر وموسوليني وسلزار وفرانكو.

فكيف يمكن لشعوب الشرق الأوسط الكبير أو المتوسط الوثوق بأي مشروع أميركي بعد ذلك؟

لكن المأزق الأخطر هو أن العطارين الذين كانوا وراء فساد الدهر العربي وبؤسه هم الذين يقدمون لشعوبهم ما لديهم من مشروعات إصلاحية بمقاسات أكثر ملاءمة وأقدر على الانسجام مع المواطن العربي لأنها نابعة من الداخل، وتم صوغها من خلال كوكتيل عربي قادر على استيعاب متطلبات هذه الأمة واحتياجاتها لأنهم أعرف بالذوق المحلي. لكن هذه الجعجعة لم تفرز طحنا بعد، وان خيوط المؤامرة بدأت تتكشف للمواطن العربي منذ القمة الأولى في تونس حتى اتضحت الصورة أمام الأمة العربية أن هذا السيناريو يشارك فيه أصحاب الكوكتيل حتى ينتهي شارون من مشروعه التآمري بفرض ما يريد ثم تأتي قمة أخرى فثالثة. المهم أن يتريثوا حتى يتخلص شارون من كل نشطاء المقاومة ويفرض شروطه على الشعب الفلسطيني وبمباركة جورج بوش.

هكذا تتفاقم الأزمة ويكبر المأزق وتزيد حيرة هذه الأمة بين خيار المشروع الإصلاحي الأميركي والمشروع الإصلاحي العربي! ففي الوقت الذي نرى أنه لا صدقية للإدارة الأميركية لا نجد أي مشروع عربي أصلا كما قال الزميل علي سيار وثنى عليه الكاتب جهاد الخازن في محاضرته في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، حتى كاد يفرض على المواطن العربي الخيار الرديء الآخر، تماما كما قال الناقد عندما احتكم إليه الشاعران بشأن أجودهما شعرا، فرأى ان الذي لم يقل شعره بعد لن يكون أسوأ إطلاقا ممن سمعه، لأن قدر الأنظمة العربية لم يكن به يوما مشروع إصلاحي إطلاقا.

فمنذ أن بايع الشعب قياداته منذ بدايات القرن الماضي وهي تأخذه من هزيمة إلى أخرى ومن فشل في التنمية إلى فشل في خلق ديمقراطية شبه معقولة. وإذا حاول أحدهم الخروج عن دائرة الخراب بخلق ديمقراطية يحل بها مشكلات شعبه دخل في مأزق أغرب من الخيال، إذ تأتي الإشكالية بعدها أن تفسر ديمقراطية يصعب خلالها محاسبة الفاسدين واللصوص وعرقلة أداء المجالس النيابية للخروج من المأزق. فكيف يمكن للديمقراطية أن تحقق طموحات المواطنين وتنهي أزماتهم وتعالج ما أفسده الدهر بينما فرق الأطباء الذين أسندت إليهم عملية العلاج هم الذين تسببوا في مرضه؟ ومن هنا فإن أمتنا العربية تعيش أزمة حقيقية تفرض عليها القبول بالمشروع الأميركي في غياب أي مشروع آخر، وإن تعطيل المشروع يأتي بأوامر أميركية وليس أمام أصحاب الكوكتيل إلا الرضوخ لأوامر الأميركان.

والمأزق الأكبر أن الأنظمة العربية التي شبت على نظام التحكم في الشعوب بمنطق الحاكم المتسلط من الصعب عليها أن تقبل بأي إصلاح بحيث يشاركها الشعب في الحكم لأنه طعام غير مهضوم، وهذا يفسر التراجع الذي حدث في بعض البلدان العربية بعد أن قررت التفاهم مع الإصلاحيين المعتدلين، إلا أنها لم تستسغ ذلك فتراجعت عن وعودها.

وهنا مأزق آخر بدأ يظهر ويفرض نفسه، وهو أن الخراب والفساد أكبر في البلاد العربية من أن تفيد معه الديمقراطيات المُسكّنة ما لم تأتِ كاملة بكل آلياتها وثقلها، ديمقراطية تفصل السلطات الثلاث بحق ومن خلال نيّة صافية ومن دون خوف وتردد.

والمأزق الآخر هو أن كلا الطرفين الشعب والأنظمة لا يثقان ببعضهما، وتحول ذلك إلى مرض مزمن وخطير. وإذا استمر ذلك فمن المستحيل أن تقيم هذه الأنظمة ديمقراطية حقيقية، فهي تتحايل بما تقدمه من أشكال ديمقراطية لأن المسألة تعتبر بالنسبة إليها مسألة حياة أو موت لأن الجانبين لا يثقان ببعضهما بعضا.

المأزق الأخطر أن القيادات العربية الحاكمة منقسمة على بعضها، ففي الوقت الذي ترى العناصر الشابة ضرورة تطوير أنظمتها بالقيام بإصلاحات وانفتاح ينهي الأزمة بينها وبين شعوبها تقف العناصر التقليدية في وجه هذه الإصلاحات ما يزيد الأزمة تفاقما وتزداد شعوبها تخوفا مادام الطرفان لم يحسما خلافهما وينظرون إلى الطرفين نظرة ترقب، خصوصا أن كليهما موجودان ولديهما قوتهما ولا طرف يود التخلص من الطرف الآخر حتى كادوا يتهمون الطرفين بأن هناك سيناريوا بينهما يتم تبادل الأدوار فيه.

المفكر العربي ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي تنبه إلى أن الظلم يؤدي إلى خراب البلاد والعمران. فيما يقول الكاتب المصري سعدالدين إبراهيم في مقال له نشر في الراية القطرية بتاريخ 12 أبريل/ نيسان 2004 عن الفساد في العالم العربي: «وفي السنوات العشر الأخيرة منذ بدأت الشفافية الدولية تصدر تقاريرها، كانت كندا وسنغافورة والبلدان الإسكندنافية تشغل أو تتبادل المراكز الخمسة الأولى للأقل فسادا، يليها في المراكز الخمسة التالية دول مثل سويسرا وهولندا وألمانيا وبريطانيا، بين حوالي مئة وستين دولة، وكانت البلدان العربية وروسيا وبلدان أفريقية تحتكر أو تتبادل فيما بينها المراكز العشرين الأخيرة في القائمة، أي أنها البلدان الأكثر فسادا من ذلك». وذكر الكاتب عددا من البلدان العربية أتبعها بذكر نيجيريا والكونغو وكينيا وأوغندا.

ثم يكشف سعد الدين نتائج الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان على الوضع الاقتصادي وهروب رأس المال من البلاد العربية فيقول: «إن غياب الحرية والديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان يمثل ما يمكن تسميته بمنظومة الظلم في مصطلحات ابن خلدون، أو الاستبداد في مصطلحات العلوم الاجتماعية الحديثة. فالبلدان ذات الأنظمة الاستبدادية، هي الأكثر فسادا والأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان، ولأن الناس لا تأمن على حياتها أو حرياتها أو أموالها في ظل أنظمة الحكم الاستبدادية هذه، فإن رؤوس الأموال تخاف الاستثمار، أو حتى الادخار فيها أو بعزوف أو هروب رؤوس الأموال الوطنية أو المحلية، فإن نظيراتها - أي رؤوس الأموال الأجنبية - تخاف بدورها وتهرب بجلدها من مثل بلداننا عالية الاستبداد، وانتهاك حقوق الإنسان والفساد».

ثم يسأل الكاتب: هل هذا كلام نظري من الكتب؟ ويجيب: «الإجابة هي بالقطع لا، فتقارير غياب الحرية وانتهاك حقوق الإنسان، ومعدلات الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية كلها الآن متوافرة في التقارير الدولية. ومن ذلك إنه في حالة مصر، مثلا كان حجم ما تدفق عليها من استثمارات خارجية العام 2000 هو 1400 مليون دولار. وتناقص هذا المبلغ في السنوات الثلاث التالية حتى أنه لم يتجاوز 400 مليون دولار العام 2003، أي ثلث ما كان عليه بدلا من أن يزيد»!

مسلسل الاخفاقات العربية

إن الأمة العربية تعيش أزمة نفسية خطيرة للغاية بعد أن فقدت ثقتها في قياداتها التي فشلت في إنهاء المشكلة الفلسطينية على رغم أنها تملك ثروة نفطية كان يمكن استغلالها كورقة ضغط على أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لتساعد الشعب الفلسطيني بوقوفها موقفا محايدا من الصراع العربي الإسرائيلي.

ثم فشلت في خلق اقتصاد متنوع يمكن به إخراج بلدانها من دائرة الخطر، وفشلت مرة ثالثة في إنهاء خلافاتها، وفشلت مرة رابعة في خلق تكامل اقتصادي يخلق منها قوة في وجه الكتل العالمية الأخرى، وفشلت مرة خامسة في خلق دساتير تخدم شعوبها بإقامة مؤسسات ثابتة وديمقراطية تخلق مواطنين قادرين على الوقوف في وجه أعداء الأمة. واستعانت بالعسكر في خنق شعوبها ما كاد ينفد صبر المواطن العربي، وحين بدأت الولايات المتحدة تطالبها بالقيام بإصلاحات داخلية وخلق وضع معيشي أفضل لشعوبها وهددت بفرض مشروع إصلاحي على دول الشرق الأوسط، بدأت هذه الدول تحاول أن تصحح أوضاع بلدانها وتعد شعوبها بالتغيير، وصارت كما يقولون (تقدم رجلا وتؤخر أخرى) وحين وجدت عدم جدية المشروع الإصلاحي الأميركي بدأت تتنصل عن وعودها.

ومهما يكن من أمر سواء جاء الإصلاح من خلال ضغط أميركي أو غيره، فإن كل المؤشرات تؤكد أن الشعوب العربية كافة ستخوض صراعا شرسا مع حكوماتها إن لم تعد إلى رشدها وواصلت حرمان شعوبها من حقوقها فإنها قد تفاجأ بما لا يحمد عقباه وخصوصا لو تمكنت الولايات المتحدة من فرض ضغط على «إسرائيل» لحل المشكلة الفلسطينية بشكل ولو شبه عادل فساعتها قد تعاود الثقة في الولايات المتحدة والاستعانة بها مادام المشروع الإصلاحي (الكوكتيلي) للدول العربية الكبرى مجرد ضجيج لا حقيقة له وصوت لا رصيد

العدد 609 - الخميس 06 مايو 2004م الموافق 16 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً