العدد 670 - الثلثاء 06 يوليو 2004م الموافق 18 جمادى الأولى 1425هـ

من الإسلاموفوبيا... إلى النازية والصهيونية!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

بعد أوسع وأقوى حملة علاقات عامة، دفاعا عن سياسته الخارجية المتورطة في أكثر من أزمة، عاد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، الى حاضرة ملكه وعاصمة امبراطوريته، ليواجه أزمات أخرى متفجرة في الداخل الأميركي، هي الأكثر تأثيرا على مستقبله الرئاسي. فقد بقيت أمامه أربعة أشهر فحسب هي مهلته الأخيرة في الربع ساعة الأخيرة قبل ان تجرى الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فإما الى تجديد فترته الثانية، وإما الى مزرعته في تكساس، الى جوار ابيه الرئيس السابق جورج بوش الأب، الذي حرمه الشاب المرشح الديمقراطي بيل كلينتون في انتخابات العام 9991 من تجديد فترة الرئاسة الثانية! ولاشك في ان شبح فشل الوالد، يلقي بهواجسه على محاولة الابن الراهنة مع الفارق في الظروف، فقد فشل الأب أمام كلينتون، بينما كان هو في زهو مجده وعز انتصاره بعد حرب تحرير الكويت من أزمة غزو العراق لها عامي 0991 - ،1991 وبعد نجاحه في تنظيم مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، لكن "إسرائيل" واللوبي الصهيوني في أميركا، رأى وقتها انه لم يكن متحمسا ولا مساندا لـ "إسرائيل" بما فيه الكفاية فانحاز الى منافسه كلينتون. الآن... عاد بوش الابن من علاقاته العامة في الخارج ليواجه الحقائق المتغيرة على خريطة الانتخابات التي يخوضها بعد أربعة أشهر في مواجهة منافس شرس وثري وقوي هو جون كيري المرشح الديمقراطي الذي استطاع ان يكسب شعبية واسعة على حساب الرئيس المأزوم المتورط في أكثر من معركة خارجية. والمراقب القريب لهذا السيرك الانتخابي المثير، يلاحظ ان كيري قد نجح في أن يحول اوراق وعوامل الانتصار التي يقول بوش انه حققها الى أوراق ضغظ وضعف ويفقدها بريقها عند الناخب الاميركي العادي وخصوصا من أصحاب "الاصوات الطافية وغير المحددة الاتجاه، أي غير المرتبطة تنظيميا بحزب أو مؤسسة أو تنظيم سياسي وعقائدي. هكذا فاجأ كيري، الرئيس بوش بتحولات مهمة في توجهات الناخبين بفضل قوة أدائه وضعف مواقف بوش كشفت عنها أحدث استطلاعات الرأي - وهي هنا مهمة وموثوق بنزاهتها الى حد كبير - اذ أظهر أحدها قبل أيام تفوق كيري بنسبة 75 في المئة مقابل 74 في المئة لبوش كذلك النسبة الأخيرة في استطلاع آخر الى 14 في المئة فقط، بينما كان بوش يتمتع بأعلى نسبة تأييد في التاريخ الأميركي تعدت نسبة 09 في المئة بعد شنه ما أسماه الحرب العالمية ضد الارهاب، وغزوه أفغانستان بعيد الهجمات الدامية على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/ ايلول .1002 ولقد لاحظنا من خلال متابعة لصيقة ان كيري المرشح الديمقراطي الذي بالمناسبة يزايد على بوش في دعمه المطلق لـ "إسرائيل" وخصوصا ان جذوره العائلية يهودية، يكتسب كل يوم تأييدا جديدا من دوائر ليبرالية واسعة التأثير، ابتداء من صحيفة "نيويورك تايمز" وانتهاء بعدد كبير ومحترم من حاملي جائزة نوبل، مرورا بفئات من الاكاديميين والدبلوماسيين والعسكريين السابقين الذين وقعوا عشرات من عرائض الاتهام لبوش وعرائض التأييد لكيري، الأمر الذي أثر ويؤثر بلا شك في توجيهات الناخبين. بينما لايزال بوش متمترسا في مصيدة الدائرة الضيقة من حلفائه ومستشاريه الاقربين، جماعة المحافظين الجدد "المتصهينين" أمثال نائبه ديك تشيني، ووزير الدفاع رامسفيلد، ونائبه وولفوفيتز، وريتشارد بيرل، ودوجلاس فايث، وايليلوت ابرامز وجون بولستن، وديفيد وورمزر فضلا عن محطة "فوكس" التلفزيونية الناطقة باسمهم وجميعهم ينطقون باسم اقصى يمين الليكود الصهيوني في "إسرائيل" وخارجها! وعلى رغم ان السياسة الداخلية وخصوصا الأوضاع الاقتصادية والضرائب والعجز والبطالة والتأمين الاجتماعي والصحة، وهي جوهر اهتمام الناخب الأميركي هي التي ستقرر الرئيس الأميركي القادم، كما فعلت مع الرؤساء السابقين، فإن ازمات بوش العالمية وتورط سياسته الخارجية في أكثر من أزمة دامية - في أفغانستان والعراق فضلا عن تدخله الأخير في السودان - قد أضعفت وضعه الانتخابي الى حد ملحوظ في ظل فشل واضح في أكثر من اتجاه. لقد تسرع في ظل دراماتيكية هجمات سبتمبر الدامية في توسيع دائرة مهاراته، فلم يكتف بملاحظة مرتكبي هذه الهجمات فقط، ولكنه أشعل حربا دعائية ضد الاسلام فجرت براكين الغضب والكراهية على الناحيتين فازدادت فوبيا العداء الأميركي وكل ما هو اسلامي وعربي، فالاسلام هو العدو الجديد المقصود تدميره بالقوة العسكرية الساحقة وصارت "الاسلاموفوبيا" هي المقصودة، بينما على الناحية الأخرى فجرت حروب بوش من افغانستان الى العراق مرورا بدعمه الكاسح لشارون وسياسته العنصرية موجات متلاحقة من الكراهية لأميركا في العالمين العربي والاسلامي، وفي كل الاحوال لم يكسب بوش المعركة! وفي حين جاهر بوش وخاطر بانه بسياسة القوة الساحقة اصبحت أميركا آمنة وأصبح العالم أكثر أمنا من الارهاب بعد الاطاحة بطالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق، فان الواقع يقول ان العمليات الارهابية ازدادت عنفا وعددا ونوعية وامتدت الى مناطق أخرى لم تكن تعرفها كما هو الحال في السعودية ودول الخليج، بل ومدريد العاصمة الاسبانية في قلب أوروبا. وبينما جاهر بوش وفاخر بانه يقوم وادارته وفق سياسة المحافظين الجدد انصار الليكود الاسرائيلي وأعضاء اللوبي الصهيوني النافذ بحرب شريفة عادلة تمثل انتصار الخير على الشر، والايمان على الكفر والاخلاق والقيم السماوية على العنف والتطرف، جاءته الضربة القاضية بتفجر فضائح تعذيب جنوده للأسرى والمعتقلين العرب والمسلمين من سجون "غوانتنامو" الى سجن "ابوغريب" لتبطل فضائح الرسالة السماوية والحرب الصليبية والالهام الالهي الذي زعمه مستشاروه ومورطوه فاذا الجميع عرايا من كل القيم. وبينما كان احد أهم اسرار القوة الاميركية الغلابة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية هو التحالف الغربي عبر الاطلنطي مع أوروبا القديمة تعرضت هذه لهجمات سياسية واعلامية وقحة، بعد غياب مناصريه ومعاونيه من "نوع" لقد انتهت أوروبا القديمة وأوروبا العجوز، ومن يكون شيراك او شرودر لا لشيء سوى ان أوروبا هذه لم تلهث معه في طريق الحروب غير المبررة وغير المشروعة وغير العادلة الخارجة على الشرعية الدولية بعد ان سقطت المبررات الاميركية من أسلحة التدمير الشامل الى علاقة صدام ببن لادن وقاعدته! هنا بدأ سوس الخلاف والاختلاف ينخر في جسد التحالف عبر الاطلسي ومن ثم بدأت دول أخرى مثل الصين وروسيا تلعب في الساحة لتستفيد دورا غائبا أو لتؤكد دورا قادما بينما لحقت الخسارة الفادحة بأميركا من جانب أقرب الحلفاء اضافة الى الخسارة الأخرى التي جاءت من رفض دول عربية اساسية مثل مصر والسعودية وسورية، للسياسات الاميركية الشرسة سواء في تعميم الحرب ضد الاسلام باسم مكافحة الارهاب أو بغزو العراق ومن قبله افغانستان أو باعطاء شارون تعهدات مكتوبة - تحولت في الاسبوع الماضي الى قانون من الكونغرس - تسقط الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني التي كفلتها قرارات الأمم المتحدة مثل القرارات ،181 491 ، ،242 833 وغيرها، ناهيك طبعا عن الرفض الرسمي العربي لخطة واشنطن بفرض الاصلاح عن طريق تغيير النظم الحاكمة والسياسات السائدة ما أعاد التذكير بمواقف أميركا السابقة، من شاه ايران وماركوس الفلبين وغيرهما. وفي ضوء كل ذلك الاصطدام الجاد داخل المزاج الاميركي وسط لهيب معركة الانتخابات الرئاسية الوشيكة التي تلعب فيها "إسرائيل" ومنظمات اللوبي الصهيوني دورا مؤثرا في ظل غياب عربي فعال، كان طبيعيا ان تطل النازية الهتلرية بوجهها القبيح من جديد في الساحة العراكية الاميركية الداخلية. فقد تبادل خبراء ومواقع الحملات الانتخابية لكل من بوش والمرشح الديمقراطي المنافس جون كيري الاتهامات بالنازية وصدرت شرائط وزع الملايين منها تمثل بوش بهتلر، وأخرى مناقضة تمثل كيري بالزعيم النازي وهو الذي تعرضت اسرته النمسوية الاصل للهولوكست النازي ابان الحرب العالمية الثانية. ويمكن تشبيه سياسات بوش ومغامراته العسكرية الخارجية التي قتلت آلاف الضحايا واستنزفت مئات البلايين من دولارات الشعب الأميركي بالحروب النازية وتشبيه دعايات كيري وادعاءات مناصريه بالدعايات النازية ذاتها، لعبت آلة الدعاية الصهيونية لعبتها القبيحة في ايقاع الطرفين والشعب الأميركي كله في مأزق سياسي واخلاقي تاريخي جديد، ستستمر آثاره لفترات قادمة حتى فيما بعد الانتخابات بينما تستثمره هي في استجلاب مزيد من الدعم لـ "إسرائيل" الباغية لمزيد من العداء للعرب المناضلين. الآن... اقتربت الساعة، وعاد الرئيس بوش من حملة علاقاته الخارجية بعد تنظيمه وحضوره "ثلاث قمم خلال ثلاثة أسابيع هي قمة الدول الصناعية الثماني التي استضافها في ولاية جورجيا ثم قمة التحالف الأوروبي الأميركي في ايرلندا وأخيرا قمة حلف الاطلنطي في اسطنبول التركية" وقد حاول فيها لملمة التحالف الاميركي الغربي من جديد، بعد ان كاد ينفرط. فاسترضى أوروبا الغاضبة وحاول استجداء دور فاعل للحلف الاطلنطي في العراق. ليخفف الغضب الاميركي من الاعباء المتزايدة والضحايا المتكاثرة واجتهد في تجنيب الهواجس العربية والاسلامية وتخفيف موجات كراهية أميركا الممتدة من السودان الى افغانستان. لكن ذلك كله لن ينفعه وحده في ازمته الداخلية التي تدهورت فيها الحال الاقتصادية بعدما شهدت ازدهارا اقتصاديا معروفا من سلفه الديمقراطي الرئيس كلينتون... معركته الحقيقية التي قد تبقيه في البيت الابيض لسنوات أربع قادمة، او قد تلقيه وتبعده الى مزرعته الى جوار ابيه في تكساس هي شركة الداخل وازماته. وهذا هو المغزى لكل من يقرأ ويستوعب ويفهم مغامرات الخارج ومناوراته لا تحل ولا تغطي على أزمات الداخل، حتى بالنسبة الى أكبر قوة عظمى عرفها التاريخ فما بالكم بأصغر القوى وأقل الدول!

خير الكلام

قالوا: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك!

نائب مدير تحرير "الأهرام

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 670 - الثلثاء 06 يوليو 2004م الموافق 18 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً