العدد 700 - الخميس 05 أغسطس 2004م الموافق 18 جمادى الآخرة 1425هـ

آثار البلاد القديم... بين الإهمال والاستلاب أهل البحرين أول من أشادوا الجامع وأقاموا الجمعة خارج الجزيرة العربية

عبدالله السعيد comments [at] alwasatnews.com

نود من خلال بحثنا هذا أن نسلط الضوء على كلمة «مشهد»، هل هي تسمية خاصة لمكان خاص، أم هي تسمية لأماكن متعددة في مناطق متعددة، مثل مشهد الإمام علي (ع) في النجف الأشرف في العراق، ومشهد الإمام الحسين (ع) أو العباس (ع) ومشاهد مصر وغيرها في طول وعرض المعمورة؟ إلا أن ما حدث لمشهد الإمام الرضا (ع) يختلف عما جرت عليه العادة من تسمية أماكن العبادة، ومراقد عظماء وعلماء الأمة الإسلامية، إذ أطلق على موضع مرقد الإمام الرضا «مشهد الرضا». وبما ان تلك البقعة احتوت على جثمان وليٍ من أولياء الله وقطعة من روح وفكر وسماحة وجلال سيد الأنبياء (ص)، ومع مرور الوقت غلب على تلك المحلة مدينة «مشهد». فهل ما حدث هناك ينطبق على ما حدث هنا في البحرين، حتى يقال إن مشهد هو اسم لعاصمة البحرين في وقت من الأوقات، أم أ ن مشهد يعني المشهد ذي المنارتين: مسجد الخميس حالياً؟

المشهد ذو المنارتين... أو مسجد الخميس أو غير ذلك من المسميات، هي أسماء متعددة لها دلالة واحدة وهي تعني: محضر الناس، ومجمع الناس، ومشهد هو مكان استشهاد الشهيد. فهناك مشاهد مكة والمدينة والعراق وإيران، والكثير من بلدان العالم الإسلامي وغير الإسلامي، توجد بها مساجد ومشاهد ومقامات ومزارات وكلها أماكن معظمة، والبحرين ليست بدعاً ولا نشازاً، فقد عرف المسلمون وغير المسلمين أن أول مسجد، وهو المشهد والجامع، هو بيت الله الحرام بمكة المكرمة.

قال تعالى: «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حِجُّ البيت من استطاع إليه سبيلاً» (آل عُمران: 96/ 97).

فالمساجد أو بيوت الله أو المشاهد إلخ، هي أماكن مصونة اكتسبت قدسيتها برسالتها التي أسست من أجلها، ورجالاتها الذين اكتنفتهم واحتضنتهم بين جدرانها واستضافت أجسادهم الطاهرة تحت تربتها.

فبيت الله الحرام حوت تربته الكثير من الأنبياء والرسل، والحِجْر هو جزء من الطواف حول الكعبة المشرّفة، وجزء من قبلة المسلمين أيضاً. هذا المكان مع احتوائه على الكثير من قبور الأنبياء، إلا أنه صار مشهوراً أنه يحتوي على قبر النبي إسماعيل (ع) وقبر أمه هاجر (ع)، وهو المعروف الآن بحجر إسماعيل. وهناك مساجد وأماكن مقدّسة مثل مسجد الخيف بِمِنى ومسجد نَمِرة بعرفات.

ثم جاء دور المدينة المنورة، لما قَدِم النبي (ص) من مكة إليها وكانت الجموع تنتظره، ومنهم بنات النجار فصرن يرددن الأبيات المشهورة:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا

جئت بالأمر المطاع

ومما زاد المدينة عزاً وفخراً وجلالاً حيازتها على كل المكرمات الإسلامية، ونالت التقدير والاحترام باحتضانها أجساد محمد وآل محمد وصحابته الكرام، وكذلك أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين.

ولما بزغت شمس الهداية وأخذ نورها يعمّ البلدان كان لأهل البحرين الحظ الأوفر في سبق غيرهم من الناس من خارج الجزيرة العربية في الدخول إلى الإسلام. فكانوا السبّاقين بالإقرار بالشهادتين، وهم أول من بنوا مسجداً جامعاً، وأول من أقاموا صلاة جمعة بعد صلاة الجمعة في المدينة المنورة.

والمؤكد أن أهل البحرين وقد مَنَّ الله عليهم وهداهم للدخول في الإسلام بقيادة حاكمهم المنذر بن ساوى العبدي في حدود السنة الثامنة أو العاشرة للهجرة، وأن مشهدهم شيّد في عهد قريب جداً من وقت دخولهم الإسلام، وذلك لضرورة يتطلبها وضعهم آنذاك. وحيث انه لا يوجد مكان آخر يجمع ويلمّ شمل المسلمين غير المسجد، صار لزاماً عليهم تأسيسه، أسوة بعمل رسول الله (ص) وصحابته الكرام.

ولتأكيد أن «مشهد المنارتين» هو المسجد الجامع في البلاد القديم، عاصمة البحرين نورد ما يأتي:

1- ورد في كشكول العلامة الفقيه الشيخ يوسف العصفور البحراني، في قصة عبدالملك بن مروان وأهل البحرين: «وقلعة البحرين يومئذٍ في البلاد القديم عند المشهد». (الكشكول ص: 99).

لقد شاهد الكثيرون آثار القلعة المذكورة، فقد كانت لا تبعد عن المدرسة المباركة العلوية (مدرسة الخميس حالياً) أكثر من عشرات الأمتار جنوباً، يفصل بينها وبين المدرسة الشارع القديم الذي يمرّ من أمام مسجد الحسن الواقع في الزاوية الشمالية الشرقية من مركز شرطة الخميس. وقد أزال بقايا تلك الآثار المرحوم الحاج محمد بن عباس وبنى على الموقع مسكناً له، بعد أن اشترى الأرض من الحكومة.

2- وجاء في كتاب «أنوار البدرين» للشيخ علي بن حسن آل حاجي البلادي، في ترجمة الشيخ أحمد آل طعّان ص 253: «وكان رحمه الله تعالى من أهل سترة، جزيرة من البحرين ثم انتقل مع والده إلى قرية المنامة، وقرأ عند السيدعلي بن السيد إسحق» البلادي.

وورد: «ومنهم الشيخ الفاضل الفاخر الشيخ ناصر بن عبدالحسين المنامي () البحراني (ره). كان من العلماء الفضلاء». (المصدر السابق ص: 227).

() قال المؤلف: نسبته إلى المنامة، هي قرية من بلاد البحرين، وهي حادثة فيها لقربها من البحر والبندر ومطرح المراكب والسفن وموضع البيع والشراء الآن. وحدوثها في حدود تسعمئة من الهجرة». 1494م كما ذكره جامع ديوان أبي البحر الخطي. (المصدر السابق ص: 235).

وذكر: «وله تلامذة صلحاء» يقصد (الشيخ عبدالله بن عباس الستري)، منهم العالم العابد الشيخ صالح بن طعّان الستري البحراني والد الشيخ أحمد، وكان الشيخ صالح المذكور من العلماء الأتقياء العابدين. انتقل من جزيرة سترة إلى «قرية المنامة» مع ابنه شيخنا العلامة، وانتقل إلى رحمة الله في سفره إلى مكة المشرفة بالطاعون ومعه والدي المقدس المرحوم. وتوفي بعده بأيام في مسيره مهاجراً لزيارة رسول الله (ص) في المنزل المسمى برابغ سنة 1281هـ (يوافق 1864م)، وقد توفي معهما جماعة من صلحاء البحرين تلك السنة».

وذكر في إحدى الوثائق وهي عندنا: «مضمون هذه الحجة الشرعية يدل دلالة قطعية على أنه قد صالح جناب الرجل المكرم السيد علوي بن السيد حسين الديري السماهيجي، جناب الرجل الأسعد الأرشد السيدباقر بن المقدس السيدعلي بن السيدمحمد آل إسحق البلادي البحراني، عما يستحق وعسى أن يستحق في البيت المعلوم بينهما، المعروف لديهما...». إلى أن ذكر «الكائن في بلاد القديم».

وجاء في كتاب «البحرين درة الخليج العربي»، تأليف محمود بهجت سنان: «بعض النقوش والكتابات الأثرية التي وجدت في مسجد العولي في مدينة البلاد القديم». (المصدر السابق ص: 294).

وورد أيضاً «الشيخ ياسين بن صلاح الدين البلادي البحراني، كان من العلماء الأعلام إماماً في الجمعة والجماعة، وانتهت رياسة القضاء والحسبة الشرعية في بلاد البحرين إليه. (المصدر السابق ص: 321).

وذكر أيضاً: «المشهد أو جامع الخميس، يقع في جنوب غربي المنامة، والمشهد أحد الجوامع التي كانت تُدَرّس فيها العلوم ويلتقي فيها كبار العلماء والفضلاء والأساتذة في ندواتهم للبحوث الأدبية والمناظرات العلمية». (المصدر نفسه ص: 296).

أما مجلة «الوثيقة» فقد ورد فيها: «والنقد الثالث (من الرصاص) وهو مادة البحث، فقد ضرب في البحرين باسم السلطان الأيلخاني أبوسعيد 716 - 736هـ/ 1316 - 1335م». ويقول صاحب البحث: «وقبل البدء بالدراسة لا بأس من ذكر نصوصه. الوجيه كان يحمل السلطان الأعظم، أبوسعيد خلد ملكه، الظهر، ضرب بحرين». (الوثيقة العدد الرابع ص: 141).

وقال: «فهذا النقد، على ما أعتقده، أضاء لنا الطريق على علاقة هذا السلطان مع القبائل العربية، ومحاولته تمويه الحقائق التاريخية، ليستر عيوبه بهذه الوسائل الإعلامية، ويعلن سيادته على المنطقة العربية والبحرين، فالنقد الذي أعتقد أنه ضرب ما بين 718 و720 هـ (يوافق 1318 - 1320م)، أضاف إلى تاريخنا هذه الحقيقة، وهي سيادة واستقلالية البحرين في العهد الأيلخاني، وخصوصاً في أيام السلطان أبوسعيد». (المصدر السابق ص: 144).

وكان حكام البحرين عرباً بلاديين في الفترة 716/ 736.

وورد أيضاً في كتاب «البحرين درة الخليج العربي»: «أبوجعفر عبدالرؤوف بن الحسين العلوي الجدحفصي، كان قاضياً للقضاة بجزيرة البحرين، وإن تقلده القضاء يلقي الضوء على شخصيته العلمية والاجتماعية، فقد كان القضاء من أرفع المناصب في الجزيرة سواء من الناحية العلمية الدينية أو المدنية، فلا يُختار له إلا الأوفر علماً والأوسع أدباً والأكرم محتداً والأسمح خُلقاً». «بلغ المترجم منزلته العلمية الممتازة التي أهّلته من بين العلماء الكثر الذين حوله لتولي رئاسة القضاء، وهو منصب يُعادل رئيس مجلس التمييز في النظام الحديث، توفي رحمه الله في صفر العام 1006هـ (1597م)، ودفن بمقبرة الشيخ راشد في جبانة أبي عنبرة من جزيرة البحرين وأُقيم تأبينه في المشهد ذي المنارتين».

وذكر المؤلف: «الشيخ محمد بن ماجد بن سعود البحراني الماحوزي» المتوفى 1105هـ، وهو من قرية الدونج، في بلاد القديم من قرى البحرين وسكن فيها، وكان مجتهداً محققاً من أعيان البلاد، إماماً في الجمعة، قبره في مقبرة المشهد، وهو المسجد ذو المنارتين». (المصدر السابق ص: 317).

والشيخ محمد بن ماجد بن مسعود هو أستاذ الشيخ محمد بن ماجد البلادي حاكم البحرين آنذاك. وقبره في مقبرة المشهد قريباً من قبر أستاذه، ومحلهما تحت التلة الواقعة في الركن الشمالي الشرقي من المشهد.

جمّالة ورعاة الإبل

وقال المؤلف: «قرية جمّالة تقع غربي البلد القديم، وفي شمال شرقي عين العذاري وتتصل بمسلك فرعي بطريق المنامة العام». (المصدر السابق ص: 388).

ونقول: لا توجد قرية باسم جمّالة، إنما توجد عين جمّالة ومسجد جمّالة، نسبة إلى ورود الجمال لشرب الماء صباحاً ومساءً، عندما يأتي بهم رعاة الإبل، قبل وبعد أن يمضوا يومهم في المرعى (وهو خليج توبلي والبلاد القديم). لأن طعام الجمال الرئيسي في ذلك الزمان هو شجر القرم الموجود بكثرة على جانبي الخليج. كما يطلق على المسجد الرفيع لارتفاع قاعدته ارتفاعاً أزيد من بقية مساجد البلاد القديم. هذا أولاً، وثانياً أن

إقرأ أيضا لـ "عبدالله السعيد"

العدد 700 - الخميس 05 أغسطس 2004م الموافق 18 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً