العدد 767 - الإثنين 11 أكتوبر 2004م الموافق 26 شعبان 1425هـ

موازنة غير وغير!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

كم يداهم الاكتئاب الفرد منا عندما يفاجأ في ليلة سمرية قرر أن يقضيها في قبال شاشة التلفزيون بمناظر للبؤس والشقاء والفقر الذي نحت أجساد فئة من إخواننا في الإنسانية فلم يبق منهم إلا عظاما مكسوة بجلد رقيق وبشرة أخذت تناجي الشمس فكستها سمرة حزينة لا تملك وأنت تتأملها إلا البكاء أو الشوح بوجهك عن الشاشة وإغلاق الجهاز والفرار إلى نوم لا أظنه هنيئا أبدا!

دول أصبح الفقر سمتها والوصمة التي تميزها عن باقي الدول المتقدمة... تذهب بعيدا وتسأل ما الذي جعلها بهذه الحال وما الذي اقترفته يداها لتوصم بهذه الوصمة ويكون أهلها الشاهد على صدق ذلك اللقب؟! قيل إن أرضها من أغنى الأراضي، تملك ثروات لا حدود لها ومع ذلك «فقيرة» تستحق المساعدة والصدقة والإغاثة... تستحق الشفقة على شعبها بكسرة خبز وقطرة ماء... وكل ذلك يجب أن ترصد له موازنة تسهم في دعمها جميع الدول الصديقة والرحيمة وصاحبة القلب العطوف... وربما لأجل ذلك مازالت فقيرة ومازال أهلها يتضورون من الجوع!

قلت دعنا من هموم الغير فالذي فينا يكفينا ولنأخذ جولة في أسواقنا الشعبية التي ازدحمت بأناس لا يتميزون عن سابقيهم إلا بأجسادهم التي كنزت لحما وشفاههم التي ارتسمت ببسمة... فتدخل المحل من هذه السوق فتلاحقك امرأة تتوسل القرش... وهناك رجل... وفي تلك الزاوية شاب... والأخرى طفل... والغريب أن هؤلاء كلهم من بني بلدك وربما تجمعك بهم صلة قرابة من حيث لا تدري! وتسأل: من لهؤلاء؟ وهل هناك مشروع لموازنة ترصد إليهم فتخلصنا من مناظر الفقر هذه وخصوصا أننا نعد من الدول الغنية نوعا ما؟!

تتحدث إلى أحد العاطلين عن العمل وتسأله عن آخر الأخبار، إذ سمعت بأنه تقدم إلى إحدى الوزارات فعساه وفق أخيرا... قال والتنهيدة ما فتئت تطل برأسها بين جمله وكلماته: لا، اعتذروا لي متعللين بضعف الموازنة!... قلت: أليس هناك ما يعرف براتب شهري للعاطلين؟! قال: أضغاث أحلام «وحَدْها كم شهر - هذا إذا - وبعدها خلاص»! ربما الموازنة لم تكن كافية!

تذهب إلى الشركات والمؤسسات وعلى رأسها الوزارات الحكومية فتفاجأ بشعارات «اللاءات» التي ربما تجنبها السؤال والمساءلة... فلا للتجديد... لا للتوظيف... لا لزيادة الرواتب... لا للعلاوات الاجتماعية... لا حتى لتغيير المكاتب والكراسي التي أكل عليها الدهر وشرب... لا ولا ولا فلا موازنة تستوعب كل ذلك!

قبل شهرين من الآن وتحديدا في يوم الاثنين الأسود طلع علينا المسئولون بـ «لا» أخرى إذ لا موازنة كافية للكهرباء وتحتاج إلى ضخ وزيادة لتستوعب الاستهلاك الزائد فننعم - كما يقولون - بالإنارة طوال حياتنا من دون انقطاع!

وحل علينا اليوم لنكتشف ما لم يكن في الحسبان! موازنة وزارة الإعلام لشهر رمضان لهذا العام لن تستوعب أكثر من برنامج واحد يتيم! ولا نملك الحق في الاستعجال والحكم على هذا البرنامج فلكل حادث حديث، ولكنا نمني النفس فقط بأن يكون هذا البرنامج يستحق فعلا هذا التميز في الانفراد بموازنة شهر فضيل، منحنا لأنفسنا الحق في إضافة صفة أخرى إلى صفاته التي تحدث عنها القرآن الكريم وحثنا عليها المصطفى وآل بيته وأصحابه، ألا وهي شهر البرامج والمسلسلات التلفزيونية المتنوعة التي ليست لها صلة بالشهر نفسه إلا أنها تعرض فيه! يخال إليّ أن «الإعلام» أرادت لجميع مشروعاتها السياحية وبرامجها التلفزيونية لهذا العام أن تأخذ طابع «غير وغير»... فصيف هذا العام كان «غير وغير» وموازنة هذا العام ستكون «غير وغير» وإزاء هذه الانفرادية أظن أن هذا البرنامج اليتيم سيكون «غير وغير» أيضا، ولكن أي «غير»؟! أينما وجهنا وجوهنا في أيامنا هذه نواجه بـ «الموازنة» التي غالبا ما تكون شحيحة و«يا دوب تكفي للأساسيات» أو بما يطلي الوجوه ليتزين لنا الظاهر والمخفي تكشفه الأيام... ولا أعلم إن كنا بحاجة إلى دراسة جدية لهذا الموضوع إذ يبدو أن جميع موازناتنا وضعت «عشوائيا» من دون تخطيط استراتيجي يجنبنا الوقوع فيما يشبه أزماتنا الـ «غير وغير» التي بدأتها الكهرباء وأكملت مشوارها الإعلام... نحن بحاجة إلى حركة سريعة وواعية تبين لنا الخلل وتكشف لنا الحدود حتى ندور في نطاقها ولا نتجاوزها أبدا فنقع في المحظور.

وجل ما أخشاه ونحن موازناتنا «غير وغير» أن نجد أنفسنا بين ليلة وضحاها وقد تبدلت جلودنا واكتست سمرة قاتمة وأخذ الجوع منا مأخذه فأخفى كل ملامحنا ولم تعد تبين منا إلا هياكل عظمية مغطاة بطبقة من جلد رقيق يستر وراءه همومنا وأحزاننا... أخشى أن نصل إلى اليوم الذي نمد فيه أيدينا إلى الدول الصديقة والرحيمة فلا نجد منها إلا «دريهمات» تحفظ بها ماء الوجه أمام غيرها من الدول... أرانا والحال هذه قد بدأنا أولى خطواتنا نحو مشروع «البحرين غير وغير» ليس بصيفها ولا بموازناتها وإنما في كل ما ينطوي تحت لوائها ويعاني من شح إن في المال أو الأنفس! لا عليكم، فقط سارعوا إلى توفير القرش الأبيض ليوم «غير وغير»

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 767 - الإثنين 11 أكتوبر 2004م الموافق 26 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً