العدد 785 - الجمعة 29 أكتوبر 2004م الموافق 15 رمضان 1425هـ

مقاطعات وتعليقات وانسحابات... المشروع الإصلاحي إلى أين؟

من البرلمان إلى البلديات والقضاء

عباس بوصفوان comments [at] alwasatnews.com

.

تزامنت استقالة القاضيين في محكمة الاستئناف العليا الشرعية الجعفرية، الشيخ عبدالحسين العريبي والاكاديمي علي العريبي بسبب «بطء الإصلاح»، مع إعلان مجلس بلدي الشمالية تعليق جلساته «إلى أجل غير مسمى»، بسبب خلافه مع جهازه التنفيذي.

ويعتقد متابعون أن ذلك يعكس، من ناحية، التباين في الرأي داخل التيارات الشيعية إزاء التعاطي مع مجمل التطورات التي أفرزها تطبيق ميثاق العمل الوطني، وإن كانت المشاركة أو المقاطعة أجدى للتعاطي مع المؤسسة الرسمية، التي يرى البعض أنها «لا تود دفع ثمن الإصلاح».

كما يعكس ذلك - من ناحية أخرى - مدى الصعوبات التي يواجهها المشروع الإصلاحي، الذي قد «تتعطل» مؤسساته الرئيسية التي أنشئت بعيد تولي جلالة الملك مقاليد الحكم في البلاد: المؤسسة التشريعية التي أصدرت «صفراً» من القوانين على رغم مضي نحو سنتين على إنشائها، والمجالس البلدية المنتخبة التي تواجه «تحدي الفعل»، ومؤسسة القضاء الذي يعتقد المستقيلان أن الإصلاحات فيها بطيئة، وكذلك النيابة العامة التي مازال استقلالها عن السلطات التنفيذية «غير متحقق»، فضلاً عن «سوء» أوضاع المؤسسات التي كانت قائمة منذ «العهد القديم».

ويعد القاضيان العريبيان، من الطرف المعتدل في التيار الإسلامي الشيعي، وهما لم يشاركا في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، أو «المجلس العلمائي» لأسباب مختلفة في تفاصيلها قريبة في جوهرها، وهما من المؤيدين للتعاطي مع الحدث السياسي، عبر التفاعل معه، والتغيير من داخله، بعكس آراء أخرى.

لذلك ينقل عنهما تأييدهما المشاركة في الانتخابات النيابية في أكتوبر/ تشرين الأول، وكذلك التعاطي مع الجهات الرسمية، بما فيها تلك ذات الطابع الديني مثل مؤسسة القضاء، والمجلس الإسلامي الأعلى، الذي يبدي رئيس المجلس العلمائي، الشيخ عيسى قاسم تحفظا، واضحا إزاء التعاطي معهما.

لذلك فإن استقالة العريبيين من القضاء، قد تعد من ناحية معينة، انتصاراً للنهج «المتشدد» الذي يرى أن لا أمل في الإصلاح من الداخل، بل إن هذه المشاركة تبدو أضرارها أكبر حين تشي بأن المجلس الإسلامي الأعلى أو البرلمان يحظيان بـ «الشرعية».

وفي تعليق اجتماعات المجلس الشمالي، الذي يرأسه مجيد السيدعلي، المحسوب على المعتدلين، الدلالات ذاتها في جوهر الحدث، وإن بدت الغالبية العظمى من قيادات «الوفاق» مع المشاركة في الانتخابات البلدية، حتى الوقت الحاضر، واعتبرت هذه القيادات تصريحات نائب رئيس «الوفاق» حسن مشيمع، السلبية إزاء المشاركة «خارج السياق»، إذ لم يطرح ذلك في أي من جلسات الإدارة، بحسب مصادر مطلعة.

إلى ذلك، فإن مراقبين، وإذ يلقون ببعض اللوم على المستقلين، ومعلقي الجلسات، ومقاطعي الانتخابات، فإن الجزء الأكبر من اللوم يبدو متجها إلى الجهات الرسمية التي ما فتئت تعمل جاهدة على استعادة ما فقدته من صلاحيات، منحت إلى المؤسسات الجديدة، بحكم الدستور والقوانين المستحدثة، بعد أن كانت مستأثرة بـ «كل شيء»، إبان العهد القديم.

وكما تمكنت السلطة التنفيذية بـ «الفهلوة» من الدخول على الخط السريع عبر تفسيرها «الملتوي» للمادة (92) من الدستور، مخالفة جوهر الفصل الكامل بين السلطات، فإنها تمكنت أيضاً من ضبط «إيقاع المجالس البلدية»، التي سحبت جزء من صلاحيات الحكومة بانتخابها، حين «حسمت بقوة الأمر الواقع» تبعية الأجهزة التنفيذية في البلديات الخمس إلى وزير البلديات محمد علي الستري، الذي عين في منصبه، ليعطل شئون البلديات المنتخبة، بحسب تقديرات البعض، كونه محسوباً على تيار شيعي مناهض لـ «الوفاق» التي تدير ثلاثة مجالس بلدية منتخبة (العاصمة، الوسطى، الشمالية).

ويحصر القانون مسئولية وزير البلديات في أمرين: تبليغ المجالس السياسة العامة للدولة، والنظر في مدى مطابقة قراراتها مع هذه السياسة والقانون وصلاحيات المجالس. ولا يملك الوزير أن يوقف أي قرار من من قرارات المجالس، كما ليست له يد على الجهاز التنفيذي، بحسب القانون الذي ينظم وزارته.

وبحسب الفقرة (أ) من المادة 31 من قانون البلديات، فإنه على المدير التنفيذي «تنفيذ قرارات المجلس البلدي»، و«التوقيع عن البلدية على عقود المشتريات والمبيعات وسائر العقود في الحدود المرخصة له من طرف المجلس البلدي»، بحسب الفقرة (ج).

إلى ذلك، فإن وزير البلديات لا يملك حل المجالس المنتخبة، بحسب المادة (18) من القانون، الذي يجيز حل المجلس البلدي «بمرسوم قبل انتهاء مدة ولايته، إذا ارتكب مخالفات جسيمة متكررة، أدت إلى إلحاق ضرر بمصالح البلدية».

ويختص المجلس البلدي عموماً بتقديم خدمات البلدية في دائرة اختصاصه، وهو المحاسب إذا حدث خلل، والرئيس هو الشخصية الوحيدة المنوطة بها المحافظة على حقوق البلدية.

ويفهم من النصوص القانونية أن البلدية ليست كائنين متنافسين، بين الجهاز التنفيذي والمجلس البلدي، إذ يجري الحديث عن بلدية واحدة ذات شخصية اعتبارية، ينتخب طرفها الأول من طرف الناس، ويعين طرفها الثاني من قبل الملك، على أن تخضع للمنتخب.

ويرى متابعو الملف البلدي أن منح رئيس المجلس المنتخب صلاحية توقيع رواتب شيكات المدير العام وموظفي الجهاز التنفيذي، وجميع المعاملات البلدية، دليل بيّنٌ على أن الجهاز التنفيذي لا يتبع الوزير.

ويعتقد هؤلاء بأن المجالس لا تستغل صلاحيتها، ولا تعمل في إطار مؤسساتي، فقوتها في إصدار القرارات والأوامر، وليست رفع تقارير ورسائل واحتجاجات. وإذا رفض المدير العام تنفيذ الأوامر فمن حق المجلس أن يتخذ ما يراه مناسباً بحقه، ربما يكون من بينها إيقاف راتبه، أو رفع تقرير عنه إلى جلالة الملك الذي عينه، وليس إلى وزير البلديات، كما فعل مجلس بلدي الشمالية في خلافه الراهن.

لذلك ينظر إلى تعليق بلدي الشمالية جلساته، واستقالة العريبيين، كجزء من ثقافة عامة تسود البلد، وإن مقاطعة الانتخابات النيابية السابقة ليست إلا جزءاً منها.

وإذا كانت ثقافة الاستقالات، والمقاطعات، والانسحابات، تدل على عدم رغبة الجهات الرسمية في التخلي عن صلاحياتها، وتمسكها بنهج قديم في تسيير شئون البلد القائم على الأحادية والسيطرة، فإنها تدل من ناحية أخرى على قلة حيلة، وضعف تخطيط، وفقدان أمل في التغيير.

ولما كان المشروع الإصلاحي يقتضي مشاركة الجميع، فإن الجرس يدق: إلى أين نحن سائرون؟ ويزداد السؤال إلحاحاً في أجواء الشد والجذب، وفي ظل الحشد والاتهامات المتبادلة

العدد 785 - الجمعة 29 أكتوبر 2004م الموافق 15 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً