العدد 870 - السبت 22 يناير 2005م الموافق 11 ذي الحجة 1425هـ

الهيئات الحكومية وإشكالية الرقابة البرلمانية

عباس بوصفوان comments [at] alwasatnews.com

.

الحديث منذ زمن يتزايد عن تشكيل هيئات حكومية، وهو توجه حميد، من ناحية المبدأ، وخصوصا لجهة التخفيف من المركزية التي تسير بها السلطات شئون البلد، بما يتيح قدرة اسرع على اتخاذ القرار في الجهات الرسمية الموسوم أداؤها بالبطء.

يستهدف تشكيل الهيئات، في جانب منه، تقليل عدد أعضاء مجلس الوزراء، المناط به ""رعاية" مصالح الدولة، و"رسم" السياسة العامة للحكومة، "ومتابعة" تنفيذها، "والإشراف" على سير العمل في الجهاز الحكومي"، كما تنص المادة "47" من الدستور، في ظل توجه يرى في تقليل الجهاز الحكومي، عموما، أمرا مرغوبا.

ويقول البعض إن تشكيل الهيئات سيشكل عبئا إضافيا على الموازنة، إذ سيزداد عدد الوزراء من دون حقائب، مع توقع أن يرأس كل هيئة رئيس أو مدير عام بدرجة وزير. غير أن زيادة الكلفة، يمكن تفهمها بازدياد العائد، فلا معنى لمؤسسة غير منتجة، وكلفتها أقل، كما قد يبدو ذلك في الوهلة الأولى، في حين يوفر الضبط الإداري، إذا ما تحقق في المؤسسة، أموالا بشكل مباشر، في ظل المحاسبة والشفافية، فضلا عن توفيره أموالا بشكل غير مباشر، عبر انجازه المعاملات في ظل محكات تنافسية.

بيد أن الهيئات التي شكلت في الدولة لا تعطي انطباعا بأن العمل الحكومي سيتطور بمجرد تشكيل هيئات، ولعل هيئة الإذاعة والتلفزيون مثال مهم على ذلك، وهي التي ظلت تشتغل في ظل خلل واضح، على الصعيد المهني ومن دون معايير للجودة، إن في مستوى الأخبار أو الانتاج الدرامي، وهو ما يقال ايضا عن جامعة البحرين التي تبدو "مدرسة كبيرة"، لا بيت خبرة، وكذا ديوان الخدمة المدنية الذي تفاقمت في ظل وجود الممارسات التمييزية.

توجد في البلد هيئات كثيرة، مثل جامعة البحرين، مؤسسة نقد البحرين، مركز البحرين للدراسات والبحوث، دائرة الشئون القانونية، الجهاز المركزي للمعلومات، ديوان الخدمة المدنية، الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، الهيئة العامة لصندوق التقاعد، نادي الفروسية وسباق الخيل، الهيئة الوطنية لحماية البيئة والحياة الفطرية، مجلس التنمية الاقتصادية، جهاز المساحة والتسجيل العقاري، مؤسستي الأوقاف، البلديات.

وتنوي السلطات زيادة هذه الهيئات، في ظل أسئلة جدية عن مدى صلاحية المؤسسة التشريعية "مجلس النواب خصوصا"، على الرقابة عليها، وهو الأمر الذي أثير في الغرفة المنتخبة إبان نقاش ملف هيئتي التقاعد والتأمينات، حين طلب النواب، في بادئ الأمر، أن تكون الهيئتان مستقلتين، واصطدم ذلك بفهم يقول إن استقلالهما يعني عدم قدرة المجلس المنتخب على الرقابة عليهما، ما اضطره في جلسته المنعقدة في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى إعادة سلطة مجلس الوزراء على الهيئتين العامتين لصندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية "كاملة غير منقوصة".

وأضاف المجلس عبارة "وتخضع لإشراف وزير المالية والاقتصاد الوطني"، على نص المادة "48" من القانون رقم "13" لسنة 1975م بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة، لتكون على النحو الآتي "تعتبر الهيئة العامة لصندوق التقاعد، مؤسسة عامة لها الشخصية الاعتبارية وتكون لها موازنة مستقلة تلحق بالموازنة العامة للدولة، وتخضع لإشراف وزير المالية والاقتصاد الوطني وتعتبر ملحقة بوزارته. ويكون للهيئة مجلس إدارة ورئيس تنفيذي"، تأكيدا لتبعية الهيئة إلى الحكومة، ومسئوليتها عنها.

ويقول مجلس النواب: إن طرحه هذا يستند إلى الفقرة "أ" من المادة 66 من الدستور، والتي تنص على أن "كل وزير مسئول لدى مجلس النواب عن أعمال وزارته"، وتخوف المجلس من أن إعطاء الاستقلال لهيئة "التقاعد" يعني اسقاط حقه في مساءلة الحكومة عما قد يحدث في هذه الهيئة من خروقات، بينما القول إن الوزير "العضو في مجلس الوزراء" مسئول عن الهيئة، يجعله مساءلا أمام النواب، بحسب نص الفقرة أعلاه.

يبدو أن هذا الكلام بحاجة إلى مراجعة، ذلك أن هيئات عدة، لا يرأسها وزير عضو في مجلس الوزراء، وتخضع لرقابة مجلس النواب، الذي له الحق في الرقابة على أعمال الجهاز الحكومي كاملا، "وليس الوزارات فحسب"، بما في ذلك الهيئات، كما ورد في الفقرة "أ" من المادة "50"، من الدستور التي تنص على أن "ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها..."، وهذه الرقابة "رقابتها" يقوم بها المجلس المنتخب، في الأساس، وجزئيا مجلس الشورى "من خلال حق السؤال"، وكذا جهات أخرى، من بينها ديوان الرقابة المالية.

وإذا كان لديوان الرقابة المالية حق في التدقيق على كل الأجهزة الحكومية، بما في ذلك شركتا "ألبا" و"بابكو" اللتان تملك الدولة الجزء الأكبر من أسهمهما، فإن مجلس النواب أولى بذلك، كونه يقر موازنة الشركتين، وكذلك يقر موازنة الهيئات الحكومة الأخرى.

على أن الإشكال، يبقى في آلية هذه الرقابة، فهل للمجلس أن يتعاطى مباشرة مع الهيئات "مثل جامعة البحرين، المؤسسة العامة للشباب والرياضة، والهيئة الوطنية لحماية البيئة والحياة الفطرية" أم أن ذلك يمر عبر الوزير المختص؟

في الوقت الراهن فإن مجلس النواب "والشورى" يوجه السؤال إلى الوزير المختص. فالسؤال يوجه إلى وزير التربية إذا كان الاستفسار بشأن جامعة البحرين، وإلى وزير الشئون الإسلامية بخصوص الأوقاف، فيما السؤال يوجه إلى وزير شئون مجلس الوزراء بشأن الهيئات التي لا تتبع وزيرا مختصا، وقد أجاب الوزير السابق محمد المطوع عن أسئلة لها علاقة بالرياضة، والبيئة، وديوان الخدمة المدنية.

على الأرجح فإن من حق النواب سؤال مسئول الهيئة مباشرة، من دون الحاجة إلى مخاطبة الوزير "المختص" ليجيب نيابة عن الهيئة المطلوب معرفة وضعها. فمن ناحية فإن رؤساء هذه الهيئات يحضرون جلسات لجان المجلسين، ليعطوا توضيحات بشأن قانون ما، وحصل أن حضر غالبية رؤساء الهيئات الحكومية، مثل رئيسة جامعة البحرين التي ناقشت في لجنة الخدمات في الشورى قانون التعليم العالي، بل واختلفت رؤيتها مع الوزير ماجد النعيمي بشأن بعض البنود.

وإذا كانت دعوة مسئول ما لابداء رأي ممكنة، فإن من الممكن سؤاله عن أعمال مؤسسته، إذ لا يوجد نص دستوري يمنع المجلس من سؤال رؤساء الهيئات. ولعل المطلوب من مجلس النواب فهم الرقابة بصورة أشمل من المساءلة السياسية "الاستجواب وطرح الثقة"، التي تتحدث عنها الفقرة "أ" من المادة "66"، ذلك أن الرقابة تستهدف الإصلاح في الأساس، لا "قتل الناطور" بالضرورة، وإذا كان "قتل الناطور" أساسيا، فإن ذلك يمكن أن يتحصل فعلا، وبشكل غير مباشر، إذا أعلن مجلس النواب تقريرا يثبت فيه أن مسئولا ما لا يصلح في موقعه.

وقد اضطرت السلطات إلى استبدال الشيخ عيسى بن إبراهيم آل خليفة الذي كان يرأس الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية من موقعه، على خلفية ما قيل إنه فساد إداري في "التأمينات"، ويقال إن واحدا من أسباب تغيير الوزيرين عبدالنبي الشعلة وعبدالله سيف، هو ملف الهيئتين، أيضا.

إلى ذلك، فإن إحدى الأدوات التي قد تمكن المجلس من أداء دوره الرقابي بصورة أفضل، أن يكون له تأثير في قرار تعيين مسئولي الهيئات. الدستور ينص في المادة "40"، على أن "يعين الملك الموظفين المدنيين والعسكريين "..." ويعفيهم من مناصبهم..."، وربما يجدر خلق أعراف ما تعطي المجلس هذا التأثير، بأن يقترح مجلس النواب مثلا اسما "أو ثلاثة اسماء" لرئاسة مؤسسة ما، في ضوء معايير منضبطة، ويرفعها إلى جلالة الملك ليختار واحدا منها.

إن حصر الرقابة البرلمانية في اعمال مجلس الوزراء، وغض الطرف عما يحدث في الهيئات، لن يكون في صالح العمل البرلماني والسياسي في البلد، ذلك أن الرغبة في زيادة هذه الهيئات، قد تعني، ضمن فهم بعض أعضاء المجلس أن صلاحيات النواب قلصت إلى حد بعيد.

يمكن للمنتخبين المبادرة بنبش أوضاع الهيئات، والتأكيد أنها تخضع كاملا لرقباتهم كأعضاء، يفترض بهم أن يكونوا ممثلين للشعب

العدد 870 - السبت 22 يناير 2005م الموافق 11 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً