العدد 887 - الثلثاء 08 فبراير 2005م الموافق 28 ذي الحجة 1425هـ

علاقة الادخار بالتوفير والاستثمار

بين الشرع والتشريع...

الوسط - المحرر الاقتصادي 

08 فبراير 2005

يشكل الادخار النواة الاساسية للاستثمار، ولكن الادخار الذي هو اقتطاع جزء محدد من دخل الفرد بشكل منتظم على فترة من الزمن الهدف منه توفير المال اللازم لتحقيق الاهداف التي يرجو تحقيقها، بالاضافة الى الفوائد العديدة كالقدرة على مواجهة الصعوبات، التعود على تنظيم ميزانية المصروفات الشهرية وهو أيضا من التدابير الشرعية للحفاظ على تنمية المال وزيادته نظرا لتحريم الإسراف، وذلك لأن الإسراف يؤدي إلى تبديد المال وتدميره، قال تعالى:"لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار". سورة غافر:/34/. ومثلها تحريم التقتير، وذلك لأن التقتير يؤدي إلى تجميد حركة الأموال، وبالتالي يؤدي إلى فقدان القيمة الشرائية للمال، قال تعالى وهو يصف عباد الرحمن: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما". سورة الفرقان: /76/.

وهكذا، شنت الشريعة الإسلامية حربا لا هوادة فيها على كل ما يؤدي إلى الترف والانحلال، ورفضت كل الوسائل المحرمة للكسب، ونددت بكل ما يؤدي إلى الانكماش والركود في الحياة الاقتصادية، وللحفاظ على ديمومة تداول المال وتقلبه فقد وضعت الشريعة الإسلامية عدة اصناف من المعاملات المالية، وذلك بهدف توزيع المال بين الناس، وعدم احتكاره في أيدي فئة معينة، مثال ذلك فرض الزكاة على الأغنياء، وذلك بهدف تفتيت الثروة التي يزداد تكدسها يوما بعد بوم في أيدي قلة من الناس، قال الله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم". سورة التوبة: /301/. أضف إلى ذلك مسألة الميراث، وهو بحق تشريع فريد عجيب، حيث يتم من خلاله تفتيت الثروة وتوزيعها وتداولها حسب حصص مضبوطة.

على ان الادخار كعملية مستقلة ليست عملية ايجابية بقدر ما هي سلبية وذلك لاسباب عدة منها فقدان القيمة الشرائية للاموال المدخرة، وكذلك عدم المساهمة في تنشيط الدورة الاقتصادية التي تنعكس ايجابا على الجو العام، وهنا يجب التمييز بين الادخار والتوفير، الادخار هو المال المقتطع بشكل منتظم لحالات الطوارئ التي قد تعترض اي واحد منا، اما التوفير فهو تاجيل صرف مبلغ من الاموال المتبقية ووضعها في محفظة استثمارية عادة ما تكون مشتركة بين عدد من المشتركين وبذلك يكون قد جمع بين الادخار والاستثمار ويتشكل ما يسمى بالادخار الاستثماري، ومن أهم أهداف الاستثمار تحقيق الرفاهية للجميع، ولذلك حرمت الشريعة الإسلامية كل الوسائل التي تسعد الفرد على حساب المجتمع، وتجعل المال يتكدس في أيدي فئة قليلة على أكتاف الآخرين، مثال ذلك تحريم الاكتناز، والربا، والاحتكار ونحو ذلك. وبالتالي، فعلى الأفراد أن يعمدوا إلى السير حسب نظام الأولويات، فيقدم الاستثمار في جوانب الضروريات على الاستثمار في جوانب الحاجيات، وهكذا.

ولقد وضعت الشريعة الإسلامية مجموعة من القواعد والمبادئ التي تهدف إلى توجيه سلوك الفرد المستثمر نحو تحقيق المنهج الرباني في العملية الاستثمارية، والتي هي القيام بمهمة الخلافة لله وعمارة الأرض حسب الأصول الشرعية. وبالتالي، فإن تلك القواعد والضوابط الاستثمارية هدفها تجنيب الفرد المستثمر من الوقوع في متاهات حب المادة وعبادتها، وتأخذ بيده إلى الترابط والتكامل بين الأمور الدينية والأمور الدنيوية، وذلك بهدف بناء وتعمير الكون، إضافة إلى تقدم الفرد وإسعاده، فلابد من استثمار المال في أفضل الأماكن التي توصل الفرد إلى السعادة في الدارين، ولا يكون ذلك إلا إذا ابتغى الإنسان من استثماره مرضاة ربه سبحانه، وما أكثر النصوص القرآنية والنبوية التي تؤكد على ذلك، ومن كان هذا حاله، فإنه لن يستثمر ماله في أي أمر يغضب ربه، إنما يبحث عن المحور الأسمى، ومن كان هذا حاله، فإنه لن يلهث وراء الربح الفاحش ونحو ذلك، إنما يضبط حركته بالمنظومة الأخلاقية الإسلامية، كالصدق، والأمانة، بحيث إذا خان الشريك شريكه، غضب الله عليه ولعنه ومقته، لقد وضعت الشريعة الإسلامية جملة من المبادئ والقواعد والضوابط الدينية للاستثمار، مثل: تحريم الاستثمار عن طريق الربا، أو عن طريق الاحتكار، أو الاستثمار في السلع الضارة، ونحو ذلك، قال الله تعالى: "يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم":سورة البقرة: /672/. وقال سبحانه: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون". سورة البقرة: /572/.

بالاضافة الى الضوابط الاقتصادية: وهي جملة من المبادئ الاقتصادية العامة التي تؤدي إلى استدامة تداول المال مع تحقيق السعادة والرفاهية للفرد والجماعة، مثل: اتباع أقوم الطرق وأرشدها عند الاستثمار، وهذا يتطلب وعيا اقتصاديا لكل فرد، بحيث يعيش الإنسان واقعه الاقتصادي، بعيدا عن الخيالات وما إلى هنالك، وبالتالي فعلى العلماء وولاة الأمر أن يبحثوا عن الطرق التي توافق الشرع وتخدم الفرد والمجتمع، ليدلوا الناس على الاستثمار الأحسن، ويكون ذلك عن طريق استيعاب الأساليب الاستثمارية المجربة الناجحة، مع تزاوج الأساليب الحديثة، ولا بأس من الاستفادة مما وصل إليه الآخرون، من حيث أن الحكمة ضالة المؤمن، فأنا وجدها فهو أحق بها. ومثله أيضا، اتباع الأولويات والمفاضلة بين طرق الاستثمار ومجالاتها، بحيث توضع الضروريات في المقدمة، ثم الحاجيات، ثم التحسينات، وهذه مسألة قررتها الشريعة ودعت إليها واعتبرتها مرنة وقابلة للتطور حسب مقتضيات العصور والأماكن.. فما دام الهدف الأسمى للاستثمار هو تحقيق مصالح الأفراد والجماعات، فلابد من السير حسب المنهج القرآني، مع النظر بعين الاعتبار إلى مسألة حسن التخطيط عند الإقدام على استثمار الأموال، ولا يكون ذلك إلا إذا قام بعض أفراد الأمة بالتخصص في المجالات الاقتصادية، وذلك ليفهموا دقائق الأمور الاقتصادية كالتضخم والركود والبطالة المقنعة وما إلى هنالك، مما يؤثر سلبا أو إيجابا على استثمار الأموال، وإلا كان الحال إلى الفوضى والقلاقل والكوارث والحروب الاقتصادية، والتي توصل إلى التهلكة ، قال تعالى: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين". سورة البقرة: /591/.

من هنا اصبح الادخار الاستثماري هو السبيل للوصول الى اهدافنا التي نعمل على تحقيقها نظرا لتكامل تلك العمليتين التي تعد اي عملية مستقلة منهما سلبية بحاجة الى العملية الاخرى حتى تكتمل وتصبح ايجابية ذات مردود ايجابي.

من هنا اصبح الادخار الاستثماري: هو ادخار مبلغ منتظم في صندوق استثماري لتجميع وتنمية راس المال حتى نحقق الاهداف المرجوة. على اعتبار ان تجميع المال لمدة قصيرة ومن ثم صرفه لا يؤدي الى ما نصبو اليه فلا يتكون راس المال المطلوب وبالتالي يجب ان يكون الادخار طويل الاجل مقرونا باستثمار حتى نصل الى المبلغ المرجو ونحقق بذلك اهدافنا وغاياتنا. ونصل الى تشكيل الدورة الاقتصادية الكاملة التي تنعش الاقتصاد القومي عموما والفرد خصوصا

العدد 887 - الثلثاء 08 فبراير 2005م الموافق 28 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً