العدد 938 - الخميس 31 مارس 2005م الموافق 20 صفر 1426هـ

مبادئ الحسين "ع" حلقة الوصل. .. فلا تقطعوها!

في "أربعينه" انتصار للإنسان

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

تتعكز على عصا بالية بكف مرتعشة تلونها تجاعيد الزمن المديد، وتخطو ماشية ببطء شديد ينبئ عن 70 عاما أو تزيد من العمر، تقطع أودية ودهاليز النجف الأشرف وكأنها تجدف بعصاها الملتوية في بحر من الهم باحثة عن صيد ثمين لا يعلم قيمته الا الله والراسخون في العلم. وأقل ما يقال عنها انها عجوز منهكة آلت على نفسها الا ان تتشرف بزيارة الأربعين. كثيرون رأوا هذا المنظر "الواقعي" على شاشة التلفزيون، عندما توقفت السيارة بجانبها وفتح السائق لها الباب: "يمه على وين ماشيه؟". فترد: "على كربلا يبني..." ويدعوها بنبرة حنونة: "تفضلي يمه أوصلج بالسيارة"... فتفاجئه بقولها: "لا يبني، اروح أمشي على رجليني، أنا مو أحسن من العقيلة زينب"! كل من تشرف بزيارة مدينة النجف الأشرف يدرك بأن المدة التي يقطعها المسافر من النجف إلى كربلاء بالسيارة لا تقل عن ساعة واحدة... فما بالك لو كان المسافر راجلا وفي عمر تلك العجوز؟! لاشك في ان بعض النفوس المبتلية بداء التسقيط "ان لم يكن التكفير" ستقول ان هذه العجوز ومن هم على شاكلتها من ملايين الزوار جميعهم همج رعاع مضللون ولا يفقهون من الدين شيئا. وجاءت الإجابة جلية بالأمس عندما شاهدنا المسيرات الحاشدة التي انطلقت باسم الجامعيين والاساتذة والمفكرين في العراق زاحفة نحو زيارة الإمام الحسين "ع"، علها تبرهن للبعض بأن الزيارة الأربعينية ما هي الا تزود واستنارة من فكر الحسين الإسلامي ومبادئه الحقة التي تعين الإنسان في هذا الزمن الموبوء على اختيار الطريق الصحيح في مجابهة هموم الحياة. ذكرتني تلك المسيرات "الجامعية" بما يقوم به كبار الأطباء والمهندسين والخبراء والعلماء في ايران، إذ تفاجأنا عند زيارتنا للإمام الرضا "ع" قبل سنوات عدة بأن أولئك ما هم الا خدام الحرم الرضوي الذين يعملون "تواضعا" في "الكاشوان" على ترتيب أحذية الزائرين. إذ من المتعارف عليه هناك كما نقل لي أحد الاخوة ان هؤلاء المفكرين يغتنمون فرصة اجازتهم السنوية للتشرف بخدمة زوار الإمام الرضا "ع" تطوعا. هكذا يجد أولئك المثقفون وغيرهم حلاوة الايمان بالله "عزوجل" والتقرب إليه زلفى ويبتغون اليه الوسيلة للوصول إلى مكامن الحق. إذا، إحياء ذكرى أربعين الحسين ليس مجرد طقس عبادي تقليدي كما يظن البعض، بل هو حركة تجديدية لتلك المسيرة التاريخية التي انتصرت للانسان وكرامته، وقدمت القرابين الطاهرة من أجل بقاء الحق والعدالة، المسيرة التي اختطت للبشرية كل البشرية نهج المطالبة بحقوق الإنسان وحرية الفكر والعقيدة. ومن هنا شكلت نهضة الامام "ع" حلقة وصل للحركة الإنسانية بجميع مفاصلها، ووحدت مبادئ العدل والاقتصاص للمظلوم من الظالم أيا كان، وعرفت العالم بأن ليس هناك أحدا فوق القانون ولو كان يزيد عصره.


لا تستوحشوا طريق "الحسين"!

من المؤسف حقا ان يستكثر البعض في هذه الأيام على مكمل النهضة الانسانية بعد الرسول الأكرم "ص" هذا الخلود التاريخي والانتماء الجماهيري في الوقت الذي يستغرق فيه الكثيرون في التشبث بقشور الحضارات وأصحاب النظريات التي عفا عليها الزمن والتي لم تقدم ربما للإنسانية شيئا يذكر. إن كنا طلاب حق وإصلاح فماذا يضرنا لو بقي الحسين؟! وإن كنا دعاة انفتاح وحضارة فهل يعوق تخليد مبادئ كربلاء حضارتنا وهي من صنعت حضارة الأمم؟ وايهما التي تعرقل حركة الاستثمار، "الأعلام الحسينية السوداء" أم الأقلام التكفيرية التي تؤجج الأنفس وتزيد النار حطبا؟ ليس من العقل ان تشتبه علينا الأمور الى الحد الذي نهدم فيه ما بدأنا نبنيه بسبب جرة قلم طائشة وغير مسئولة تؤلب قوما على قوم، وليس من الفطنة السياسية اللعب على الوتر العقيدي في هذه الربكة على الصعيد الدولي فضلا عن مستقبل المملكة. لقد مرت البحرين بتجربة مريرة إبان الحوادث التسعينية المؤسفة، ومن المفترض ان نكون أدركنا ان أشد ما أشعل أوار المواجهة هو التعرض إلى ما يلامس العقيدة، وهاهي أربعة أعوام مرت من عمر الإصلاح بعد السنين العجاف رأينا فيها كيف ان المآتم والمساجد المتهمة الآن بالتحشيد واللاانتماء قد فتحت ذراعيها لعقد الندوات الوطنية والحوارات التي تصب في مصلحة البحرين ومستقبلها. فلا داعي لأن نتربص ببعضنا الدوائر، ولنبحث عما يجنب البحرين تلك المتاهات الغامضة. الحسين "ع" هو القاسم المشترك بين الجميع، فلا تفرطوا فيه أبدا، ولتجعلوه حبلا ممتدا نتمسك به جميعا للوصول بهذه المملكة الصغيرة الى مرفأ الأمان الدائم، لا تخدشوه ما استطعتم، ولننهل جميعا من بحر الحسين المتلاطم كل بحسب إنائه... نعم، ولا تستوحشوا طريق "الحسين"..

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 938 - الخميس 31 مارس 2005م الموافق 20 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً