العدد 954 - السبت 16 أبريل 2005م الموافق 07 ربيع الاول 1426هـ

طريقة تفكير "NDI"

عباس بوصفوان comments [at] alwasatnews.com

.

من حق كثيرين أن يبدوا ملاحظات على التعاطي مع المنظمات الأجنبية، ولهم أن يأخذوا موقفا سلبيا من المشاركة في النشاطات التي ينظمونها، بما في ذلك، بل على رأس تلك المؤسسات، المعهد الوطني الديمقراطي "NDI"، القريب من الحزب الديمقراطي الأميركي الذي ينشط على الساحة البحرينية منذ مارس/ آذار ،2002 مقدما خبرات مهمة تفتقدها الساحة السياسية المحلية.

وقد كتبت في 12 سبتمبر/ أيلول ،2002 في الإصدار السادس من صحيفة "الوسط"، تقريرا حمل عنوان: "هل تأتي من دوافع تنموية أم لأجندة خاصة: هواجس الجمعيات الأهلية للمساعدات الأجنبية"، تحدثت فيه عن إشكالات التمويل الأجنبي بالنسبة إلى المؤسسات المدنية والسياسية، وضرورة وضع ضوابط له، وأشرت إلى احتمالات تعرضه لـ "الضرب تحت الحزام"، من أطراف عدة، حتى من طرف المواقع الرسمية، على غرار ما فعلته السلطات المصرية مع الناشط سعدالدين إبراهيم، حين وجدت تعارضا بين توجهاتها المحافظة، ونشاط إبراهيم الداعي إلى ديمقراطية تداول السلطة.

ويمكن ملاحظة أن الضربة وجهت إلى إبراهيم، وليس إلى المؤسسات الأجنبية التي قدمت المساعدة له، لذلك يجدر أن يوضع تقنين يقي الناشطين البحرينيين الضرر، ويضمن للمؤسسة الأجنبية حقها في العمل في ضوء أهداف معلنة.

من خلال استطلاع آراء جملة من الناشطين في المجتمعين المدني والسياسي، يتضح أن الخبرات الأجنبية والتمويل الخارجي مقبولة، بل ومرحب به، على ألا يكون مشروطا بأي حال، ولا يفرض أجندة خاصة. وهو ما تدركه الجمعيات السياسية والمدنية، التي لا يمكن المزايدة عليها في حرصها على صون الوطن.

عموما، فإن المشهد السياسي البحريني، يبدو فاتحا عقله للاستماع إلى أفكار من هنا وهناك، وحاسما أمره في حضور فعاليات الـ "NDI"، ما دام المعهد يتيح الفرصة للتدريب، لكل الأطياف السياسية، مشاركين ومقاطعين، وموالين للحكومة ومعارضين لها، من دون أن يفرض عليها خيارا.

من دون شك، فإن الأولى الاستفادة من الخبرة المحلية، ويؤمل أن يتم ذلك مع إنشاء معهد التدريب السياسي، ولا يعرف إلى أي مدى سيكون المعهد حكومي الهوى وهذه إشكالية بحد ذاتها، بيد أن الخبرة المحلية غير متوافرة راهنا، في مجالات كثيرة، وهو ما يجعل كثيرا من مؤسسات القطاعين العام والخاص تلجأ إلى المنظمات الدولية والشركات العالمية والجامعات الغربية لتقديم الاستشارات في مسارات عدة، لذلك ربما يحتاج بعضنا إلى إعادة النظر في ثنائية "المقاومة/ الاستسلام"، التي يعتبرها مفكرون إحدى العوائق الثقافية التي تكرس رؤية المشهد السياسي على أنه ابيض وأسود.

في الوقت الراهن، يركز المعهد المذكور جهوده للتحضير للانتخابات البلدية والنيابية المقبلة لا كما يفعل بعض أصحابنا حين يحضرون قبل يومين، وقد أعد المعهد أجندة بدت مستوعبة لمشكلات البلد، آملا أن يساعد ذلك الجمعيات السياسية في التوصل إلى توافقات مع السلطات بشأن القضايا الخلافية. وقد حصل هذا البرنامج على دعم من السلطات، ومن الجمعيات السياسية التي تشارك فيه بفعالية، وكل يدرك الخطوط الحمر التي لا يصح تجاوزها.

بدأ المعهد نشاطه في الموسم الجديد، قبل عدة أشهر، مركزا على الجمعيات السياسية، وكان ركز في العام الماضي على دعم أداء مجلسي الشورى والنواب، واشتغل في العام الذي قبله في دعم نشاط المجالس البلدية المنتخبة.

قبل أشهر، أقنع المعهد الجمعيات السياسية بتقديم صياغات بديلة لقانون الجمعيات الذي أحالته الحكومة إلى مجلس النواب بدل الوقوف متفرجين ومكتفين باصدار البيانات، وتم ذلك بالتعاون مع جمعية المنبر التقدمي التي أدارت ورشة خاصة بذلك، ولكن المعهد ربما لم ينجح في إدارة اللعبة فيما يخص قانون التجمعات، الذي أدير على نحو تقليدي، تعاطى مع تقديم العرائض كخيار مثالي.

في شهر مارس/ آذار الماضي، نظم المعهد بالتعاون مع جمعية "الشفافية" حلقة بشأن دعم وتمويل الدولة للتنظيمات السياسية في ضوء أفكار تقليدية تعتبر التحويل الرسمي شراء للذمم. وقبل عدة أيام ساهم مع جمعية "الميثاق" في تنظيم قمة بين الجمعيات السياسية، حضرها أحد عشر تنظيما، يفترض أن تتواصل لقاءاتهم، وهذه ليست المرة الأولى التي يجمع فيها المعهد ألوان الطيف البحريني، لمناقشة قضية محلية.

يوم الخميس الماضي "14 أبريل/ نيسان الجاري" نظم المعهد بالتعاون مع جمعية "الشفافية" حلقة حوارية عن توصيات تقرير اللجنة الأهلية للرقابة على الانتخابات النيابية الماضية، والتي خرجت بتوصيات غاية في الأهمية، وتبنت الحلقة معظم التوصيات الستة والعشرين المذكورة في التقرير، لو طبق نصفها لتمكنا من إدارة انتخابات تتجاوز كثيرا المآخذات التي واكبت الانتخابات التي نظمت في .2002

وتعبر كثير من تلك التوصيات عن وجهة نظر المعارضة، أكبر من تعبيرها عن وجهة نظر السلطات، التي تحاول، كأي سلطة، الانفراد بترتيب المشهد الانتخابي. وربما من المناسب أن ترفع الجمعيات السياسية هذه التوصيات كجزء من مطالبها في إدارة الانتخابات المقبلة، وإن كان بعضها يحتاج إلى تأمل أعمق، وحلقة نقاش خاصة، لعل أبرزها موضوع رسم الدوائر الانتخابية، الذي يفترض أن يقوم على مبدأ المساواة. وهي نظرة صحيحة، لكنها قد تبدو مثالية بالنظر إلى واقع معقد، لا يسمح لغالبية شيعية تحكم المجلس النيابي، وهو موقف يجدر تفهمه، وأخذه في الاعتبار، وإلا تواصلت سياسات التمييز والتجنيس المضرة أكثر من غيرها، إذا كان ذلك خيارا لا مفر منه بالنسبة إلى السلطات التي ترى في بعض توجهات المواطنين الشيعة خطرا لا يمكن تجاهله...

لعل من المناسب درس رسم الدائرة، ضمن سياق المشهد السياسي المليء بما هو سلبي إن أردنا الصراحة، والتعاطي معها بشيء من محاولة تفهم شكوك الآخر، وحاجات النظام، والقطاعات الشعبية المختلفة، السنة المتوجسين والمستفيدين من الوضع القائم، والشيعة الشاعرين بالغبن، فقد يقود ذلك إلى تفاهم مرحلي، ولاحقا إلى توافقات أكبر، فالديمقرايطة عمليا هي بناء توافقات على أخرى، وليس تحصيل كل شيء في وقت واحد.

أعود إلى نشاطات الـ "NDI"، الذي ينظم في يوم الخميس المقبل 21 أبريل حلقة حوراية عن المادة "92/أ" من الدستور، بالتعاون مع "المنبر التقدمي"، وهي المادة التي أرهقت العمل التشريعي، بسبب استخدام الحكومة لها بشيء من العسف. وشخصيا ازددت قناعة بأن المشاركة في البرلمان من أجل التشريع فقط ليس خيارا، ولكنها "المشاركة" ستكون مفيدة على صعيد الحوار مع السلطات المشككة في نوايا "الوفاق"، وأهداف أخرى، ليس هنا محل سردها.

وكذلك سينظم المعهد، في الأسبوع الأول من مايو/ أيار المقبل، حلقة حوارية بشأن عضوية وصلاحيات مجلس الشورى، تهدف إلى تقريب وجهات النظر بشأن المجلس المعين، بالتعاون مع جمعيات "الميثاق" و"الوسط العربي" و"المنبر الاسلامي". وفي هذه الورشة، سيتم طرح خيارات تتعلق بالانتخاب غير المباشر أو المباشر لأعضاء المجلس الأربعين، وهي أفكار نوقشت مطولا داخل أروقة القرار الرسمي، وهي ستطرح من طرف جماعات قريبة من الحكومة "الميثاق والمنبر الإسلامي". وسيتم نقاش صلاحيات المعين، بما يمكن من جعل المنتخبين أسياد الموقف التشريعي، وستقدم أفكار في ذلك أيضا.

بيد أن الملاحظة الأهم هنا أن نقاش صلاحيات مجلس الشورى سيتحول إلى أمر إجرائي، ضمن المنصوص عليه دستوريا، في محاولة لتأويله وتطويره عبر الأعراف والإجراءات واللوائح الداخلية... وليس نقاشا دستوريا، وهو الأمر الذي تنزعج منه السلطات إلى درجة وضعت مادة في مشروع بقانون مكافحة الارهاب يعاقب على نقد الدستور.

ويمكن ملاحظة أن موضوعات مثل الجمعيات السياسية، وإجراء الانتخابات وإدارتها، وإشكالية ضعف التشريع، وصلاحيات مجلس الشورى هي القضايا المختلف بشأنها بين المعارضة والحكومة، وربما يشترك الموالون مع بعض الطروحات مع المقاطعين، ويحاول معهد الـ NDI عرض تلك القضايا، من دون أن يسمي ذلك إشكالية دستورية.

ربما يرى البعض في ذلك شطارة، ويراه فيه آخرون تخليا عن المبادئ، ولكن المؤكد أن محاولة التفكير بطريقة أخرى تستحق التشجيع، وسيكون من المفيد تعلم تحريك الموضوعات ضمن سياق يأخذ في الاعتبار واقع الحال، لا كما يفعل المقاطعون، المصرون على ثيمة، بدت مقدسة بعد ثلاث سنوات من التغني بها، حولها عالة بدل أن تكون متكأ، أو كما يفعل المشاركون الذي لقن بعضهم مواقف، أصبح يرددها دون تبصر

العدد 954 - السبت 16 أبريل 2005م الموافق 07 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً