العدد 1257 - الإثنين 13 فبراير 2006م الموافق 14 محرم 1427هـ

المتبقي... والجماعات العربية الجديدة

في رواية الزهير لباولو كويلو يتعرف البطل وهو في طريق البحث عن زوجته المختفية استير، على جماعة غير مألوفة تعرف بالتنغري لديها طقوس احتفالية غريبة وفلسفة غريبة، يتحدثون عن الحب والطاقة الروحية والخلق والإنسان والجنس يلتقون في مطعم ويقيمون احتفالاً هو مزيج من ثقافات متعددة شرقية وافريقية وغربية، يؤدون فيه رقصات خاصة ويمثلون فيه أدواراً بملابس غريبة ويحكون فيه قصصهم وهمومهم وتجاربهم عن الغيرة والهجر والإحباط، يحاول البطل أن يفهمهم هل هم طائفة دينية أو جماعة بويهيمية أو شيء آخر؟ «ما أزال غير مدرك المغزى من ذلك، يبدو الأمر وكأنه جلسة مساعدة ذاتية جماعية مثل الجلسات التي يعقدها المدمنون على الكحول المجهولون». تبحث جماعة التنغري tengri عن معنى جديد لوجودها وعلاقتها بالعالم، معنى يختلف عن معنى النظام السائد الذي لا ترى فيه قدرة على تفسير حياتها وحبها وولهها وفشلها ونمط وجودها. المتبقي هو ذلك الجانب من اللغة الذي يقيم الوصلات ويؤدي المعنى حتى في أصعب ظروف التفكك النحوي، وهو يشبه نبتة الجذمور التي تتصل بالحياة من أية نقطة مهما قطعت أو صلبت. يبدو المتبقي وكأنه شذرات غير مفهومة وهامشية ومحيرة ولا يمكن تسميتها تماماً كمتبقي (التنغريtengri). لم يكن الباحث عن زوجته الذي يعيش وفق نظام المعنى العام المستقر يدرك مغزى هذا المتبقي الذي يعيش على هامش النظام، وكان يحتاج إلى فترة طويلة ورحلة مضنية كي يفهم هذا المتبقي ويعثر على زوجته فيه. كان عليه أن يتصل بالحياة من جديد عبر هامش معنى غير معروف وغير معترف به. المتبقي يعمل في كل الأمكنة بما فيها النحو والشعر والمجتمع والإنسان ونظام القيم، وهو يعبث بكل المقولات والمستقرات والمألوفات، اما أماكنه المفضلة، نجدها في أجهزة اتصالنا بالحياة نجدها في غرف الانترنت وفي الموبايلات وفي (Blogger)، وفي كل ما يبدو متشذرا وغير خاضع لنظام المراقبة العام. المتبقي يعمل في اللغة والإنسان والحياة، ويشتد عمله متى تصلبت اللغة، لقد تصلبت في حياتنا العربية أنظمة الهوية والقومية والإسلامية وتصلبت معها اللغة التي تعبر عنها ولم تعد تتسع لزمن الإنسان الحديث الذي يعيش تحولات سريعة وغريبة، سيعبر المتبقي في هذه الحياة العربية عن نفسه في شكل جماعات جديدة تنشط على مستويات عدة وسيعبث هذا المتبقي في لغتها وقيمها وقضاياها وحكاياتها. «العرب الجدد» سيكونون متبقيات هذه الأنظمة المتصلبة، ليس بمعنى الباقي من هذه الأنظمة بل بمعنى العابث في هذه الأنظمة.

*ناقد ثقافي

العدد 1257 - الإثنين 13 فبراير 2006م الموافق 14 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً