العدد 4665 - الإثنين 15 يونيو 2015م الموافق 28 شعبان 1436هـ

الحاجة إلى «ماجنتا كارتا» عربي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

احتفل البريطانيون هذه الأيام بالذكرى الـ 800 لإقرار «الماجنا كارتا» (الميثاق الأعظم) الذي نظّم العلاقة بين الحكام والمحكومين، بعد قرونٍ من الاستبداد والطغيان.

الميثاق الأعظم، بالإضافة إلى وضع الأسس الأولى للديمقراطية البرلمانية الحديثة في الجزر البريطانية، وإرساء النظام القانوني، فإنه كان مصدر إلهامٍ للدول والشعوب الأخرى، في القارات الأوروبية والأميركية والآسيوية. وفي المقدمة منهم الرئيس الأميركي توماس جيفرسون أحد الآباء المؤسّسين وكاتب إعلان الاستقلال عن بريطانيا، حيث نادى بالديمقراطية وحقوق الإنسان؛ والزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي الذي قاد بلاده نحو الاستقلال عن بريطانيا.

هذا الميثاق تم تبنّيه يوم 15 يونيو/ حزيران من العام 1215، ومن أهم مواده حق الحصول على العدالة و»المحاكمة العادلة لجميع الأحرار». وأهميتها أنها أُقِرّت في زمنٍ كان معظم البريطانيين يعيشون حياةً قرويةً بسيطة، قبل خمسة قرون من انطلاق الثورة الصناعية في بلادهم لتعمّ العالم. وكانت الأغلبية تعيش خاضعةً لملاك الأراضي، ولم يكونوا يُعتَبرون من «الأحرار»!

الحرية مطلبٌ إنسانيٌ أصيل، تشترك فيه كل شعوب الأرض، وليس هناك من «يقيم على ضيمٍ يُرادُ به... إلا الأذلان عيرُ الحيِّ والوتدُ»، كما قال الشاعر القديم: فليس هناك من يقبل الطَرْق والذلَّ إلا الحمار والمسمار.

هذا على الخسفِ مربوطٌ برمّتِهِ

وذا يُشجُّ فلا يرثي له أحدُ.

في نظرةٍ أشمل وأعمق، فإن حركة الأنبياء والرسل كانت حركات تحررية كبرى، تهدف إلى تخليص الإنسان من عبودية البشر وسلطة المال، وأن يقوم الناس بالقسط. هذه الرسالات اختتمت برسالة محمد (ص) الذي جاء بالحنيفية البيضاء، متوِّجاً المسيرة البشرية بإعلاء العقل وقيم الحرية ومبادئ العدل والمساواة. ولم تكن تلك أحلام مصلحٍ أو نظريات فيلسوف، وإنّما كانت منهج حكم لتقويم مسيرة البشر. وأخذت طريقها للتطبيق خلال 11 عاماً، في المدينة المنوّرة، حسب مواثيق موقّعة رسمياً، حفظت حقوق الأقليات، اليهودية والنصرانية، فيما عُرف بـ «صحيفة المدينة»، وكانت أول دستور مدني في التاريخ، حيث طُبّق العدل على الجميع، دون محاباةٍ أو تمييزٍ أو اضطهادٍ أو ظلم.

في السيرة النبوية، نقرأ كيف غضب الرسول (ص) غضباً شديداً حين طلب منه بعضهم درء الحد عن المرأة المخزومية التي سرقت، ووسّطوا أسامة بن زيد (رض) ليشفع لها، فردّ عليه مستنكراً: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟ ثم قام خطيباً فقال: «إنما أهلك مَنْ كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد». ثم أطلق مقولته الخالدة التي تهتزّ لها الأبدان: «وأيمُ الله! لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقت لقطعت يدها». لقد وضع (ص) بهذه المبادئ المسلمين على أول طريق النهوض الحضاري.

هذه الرسالة الخالدة التي قُدّر لها أن تحمل مشعل الحرية في العالم، في تلك الفترة المبكرة من التاريخ، قبل 600 عام من «الماجنا كارتا»، سرعان ما انتكست تجربتها باستيلاء الأمويين على الحكم الإسلامي، وتحويل هذه التجربة الرائدة إلى سلطة امبراطورية كسروية، كما تنبأ بذلك الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض)، وكما قالها لهم عبدالرحمن بن أبي بكر: «تريدون أن تجعلوها هرقليةً، كلما مات هرقل قام هرقل»... وهكذا كان.

الحرية والكرامة والمساواة والعدل وتطبيق القانون على الجميع، مطلب إنساني ثابت، راسخٌ في وجدان كل البشر، والشعوب العربية ليست بدعاً من الشعوب، حين طالبت بها في هبّات الربيع العربي في العام 2011، ليستكثر عليها المستكثرون ويضجّ الضاجّون. حتى انتهينا إلى إجهاض آمال الشعوب العربية في غدٍّ أفضل، ليزجّ بالأحرار في السجون في الألفية الجديدة، عقاباً وانتقاماً ممن يطالب بالحرية والعدالة والمساواة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4665 - الإثنين 15 يونيو 2015م الموافق 28 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 22 | 6:39 ص

      سيدنه شكرا لك

      هؤلاء تركو دين محمد \\ص\\ فى المعاملة ويه البشر واتخدو الشيطان حليفهم مع انهم يصلوون على محمد \\ص\\ لاكن قلوبهم مع الشيطان وليس الله لانه الله لايرضى بالظلم الشعب خرج الي الشارع ليطالب بحقه فيقومون بقتل 160 شهيد وهدم مساجدهم ويقولون انها ليس مرخصه مسجد مثل بربغى مبنى من 500 سنه والحين يقولون ليس مرخص المشتكى لله ونرجوا منهم ان يلتفوا لانه وراهم حساب وعذاب شديد يوم القيامة والفرصة لازالت موجوده لاصلاح انفسهم واعطاء الشعب حقه

    • زائر 20 | 5:11 ص

      صدقني

      الامة التي تمجد القتل والذبح والارهاب وتدعم داعش واشباهها، لا ينفع فيها ولا الف ماجنتا كارتا.

    • زائر 18 | 4:57 ص

      هذا الكلام لا يعجب بعض الناس

      الحرية والكرامة والمساواة والعدل وتطبيق القانون على الجميع، مطلب إنساني ثابت، راسخٌ في وجدان كل البشر، والشعوب العربية ليست بدعاً من الشعوب، حين طالبت بها في هبّات الربيع العربي في العام 2011، ليستكثر عليها المستكثرون ويضجّ الضاجّون.

    • زائر 17 | 4:16 ص

      الحرية اصل إنساني، فكل إنسان يولد حرا، وهو ما يستدعي عدم التسلط عليه وإلغاء إرادته

      وهذا اصل يدين كل أشكال الاستبداد والاستعباد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويمكن لنا من خلال هذا الأصل التأكيد على أن تفجير الطاقات الكامنة بداخل الإنسان تعتمد بشكل كبير على عودته لأصل خلقه وهو حر كريم، فكلما تمتع الإنسان بحرية في ممارسه أنشطته وفاعلياته في هذه الحياة كلما زادت قدرته على الإبداع، على العكس من ذلك فان التسلط عليه يفقده - بنسبة التسلط -القدرة على الإبداع، وهذا ما هو واضح لكل ذي عينين اليوم، ونحن نرى الأثر الواضح لهذا القانون الإنساني على مختلف الشعوب.
      مقتبس ،

    • زائر 16 | 4:14 ص

      قبل الماجنا كارتا السياسي

      قبل الاحتفال بالماجنا كارتا العربي الذي ينظّم العلاقة بين الحكام والمحكومين ؛ ألسنا في حاجة لماجنا كارتا ينظّم العلاقة بين والمحكومين أنفسهم؟ أول الأولويات هو ميثاق يحرِّم و يجرِّم التكفير و روايات التكفير و استحلال الدماء بين فئات المجتمع. كل الطوائف فيها غلو لا تريد إصلاحه ؛ تسميه حالات فردية ؛ و مع ذلك لا خطة لإصلاحه!

    • زائر 15 | 3:01 ص

      ما الفرق ؟

      وهل هناك فرق بين النظام الملكي البرلماني البريطاني والنظام الملكي البرلماني البحريني، لا يوجد فرق فهناك ملكة وهنا ملك وهناك برلمان وهنا برلمان وهناك مجلس اللوردات وهنا مجلس الشورى، فما هو الفرق بينهم أيها المتأسلمون،

    • زائر 19 زائر 15 | 5:03 ص

      كلش

      كلش أبداً ما في فرق ... عندهم ملكة عندنا ملك - عندهم رئيس وزرا عندنا رئيس وزرا
      الفرق الوحيد إن احنا أحسن منهم في الديمقراطية وحرية التعبير وفي التعليم والصناعة والاقتصاد
      عندهم فش اند آچجبس عندنا كشري
      عندهم أوبرا عندنا زفان
      عندهم عندنا

    • زائر 13 | 2:46 ص

      هل منع العبودية ؟

      "لجميع الأحرار" ثم يضيف الكاتب "ولم يكونوا يُعتَبرون من «الأحرار»!" يعني الماجنتا كارتا يكفل العدالة للأحرار بينما كان أغلب الشعب البريطاني ليس من الأحرار، ثم يقول الكاتب أن الأنبياء حرموا العبودية، وجميعنا يعرف أن اليهودية والمسيحية والإسلام لم يحرموا العبودية وقبل عام قامت الدولة الإسلامية "داعش" بإبادة رجال الإيزيديين واستعباد نسائهم وأطفالهم باسم الإسلام، فما هو ردكم أيها الإسلاميون، العبودية منعتها الأمم المتحدة ولم تمنعها الأديان، ولماذا لا تستنكرون الاستعباد التي قامت به داعش

    • زائر 23 زائر 13 | 2:25 م

      الأديان لم تمنع العبودية

      الأديان لم تمنع العبودية ، إنما القوانين الوضعية هي التي منعت العبودية وسنت القوانين لمحاربة العبودية . ولولا قوانين الأمم المتحدة المتشددة ضد العبودية لكنا لازلنا نبيع ونشتري في البشر ، وبالذات في العالم الإسلامي .

    • زائر 11 | 2:08 ص

      زائر 1

      انته غلطان في اللي تقوله رسول الله كان قائد ديني ويأم المسلمين للصلاة وكان رجل الدوله والسياسه بالعكس الدين هو صمام الامام لرجل السياسة في ما يفعله ولكن عندما يبيع رجل السياسة دينه فانه يتخلى عن كل القيم والمبادي وتتحكم السياسه وخدعها في كل ما يقوم به فالعلمانيه ليست الحل

    • زائر 21 زائر 11 | 6:30 ص

      اي مذهب هو الإسلام الصحيح الذي يتبع القرآن الكريم والرسول الكريم

      إذا كانت الدولة من مذهب واحد واتفق الجميع على أي نظام حكم هذا راجع لهم أما شعب متعدد فالديمقراطية البشرية الحالية التي تتبعها جميع شعوب العالم هي صالحة في هذا الزمان لكل الأديان والملل وحتى الغير دينيين

    • زائر 10 | 1:53 ص

      الحل هو العدل

      هو احترام حقوق الانسان وحقوق البشر وكرامتهم وحريتهم والتخلص من ميرات الاستبداد .

    • زائر 12 زائر 10 | 2:12 ص

      العدل يأتي من غير إقحام المذاهب الإسلامية في السياسة

      لننظر ما عملته الأحزاب المدنية العريقة في الديمقراطيه في دول العالم المتحضر وما عملته الأحزاب الدينية والمذهبية من مآسي في الدول العربية والإسلامية

    • زائر 7 | 1:32 ص

      جعفر الخابوري

      نطالب بان تكون هلاوة الغلاء 450 دينار

    • زائر 6 | 1:18 ص

      مبادئ الاسلام والفطرة البشرية

      الحريه والعداله والمساواه وهي التي فطر عليها الانسان الا ان بعض الناس يرون في الذل والخنوع والانتقاص مطلبهم وحياتهم بل صارت جزء من ثقافتهم و السبب انهم تربوا على ذلك على مدى اجيال واجيال فلا تستطيع ان تغيرهم

    • زائر 4 | 12:52 ص

      لا يوجد حل لامه محمد

      يقول رب العزه كنتم خير امه اي اننا امه لا رجاء منها بريطانيا عندها الماكنا كارتا والعرب في الجاهليه لديهم حلف الفضول قبلها بسته قرون واتي الاسلام بتعاليم ارقي فما جنينا من قيام اللدوله الامويه الي اليوم الانحدار وصرنا في الحضيض بقيام داعش واخواتها الي ان يرث الله الارض او يبعث من يبسط عدالته وهو قادر علي كل شي

    • زائر 3 | 12:51 ص

      مقال عظيم يجب على الجميع أخذ العبر منه وبالأخص في وطننا الغالي 0755

      وهذا مؤكد لتصويب المسار الصحيح للمصالحة الوطنية وزيادة الحمة بين المواطنين بجميع اطيافهم ونتمنى من الوسط تبني هذا المقال بقوة لا فيه مصلحة عظيمة للوطن وشكرن جزيلا الاستاد قاسم حسين

    • زائر 2 | 12:28 ص

      أصبت ياسيد فعلاً لو اتبعنا الشعوب التي أسست الديمقراطية لتجنبنا هذه الماسي

      لاكن أردنا صباغة الديمقراطية البشرية بتعصبنا الديني والمذهبي والكل يعرف لا علاقة بالديمقراطية بأي دين أو مذهب فهل تكفي هذه الدماء لتيقض الأحزاب الإسلامية السياسية لكي تتحول إلى مدنية وهذا كفيل إيقاف كل الكراهية والتحارب

    • زائر 1 | 12:19 ص

      العلمانية هي الحل

      الحل هو فصل الدين عن الدولة و منع قيام احزاب و جمعيات سياسية على أساس ديني او طائفي او عرقي و منع رجال الكهنوت من اصحاب اللحى الطويلة و اصحاب العمائم من التدخل في السياسة او الشأن العام

    • زائر 8 زائر 1 | 1:49 ص

      وش تحچي يا زائر 1 ؟

      كلامك استبداد بحد ذاته! إذا الناس أغلبها تريد الدين و المتدينيين وعلماء الدين في العملية السياسية، أنت و أمثالك بأي حق تفصل الدين عن السياسة؟
      و إذا قلت ديموقراطية (ديمو=جمهور + قراطية=حكومة) فعليك الانصياع إذا للجمهور البحريني المتدين.
      باقغŒ البقية يجينا اللي يسوى واللي ما يسوى والمتردية والنطيحة يقنن ويتحدى رب العالمين! هه هزلت

    • زائر 14 زائر 1 | 2:59 ص

      العدالة هي الحل

      عدالة..مساواة...ديموقراطية

اقرأ ايضاً