العدد 4694 - الثلثاء 14 يوليو 2015م الموافق 27 رمضان 1436هـ

التاريخ بين التدنيس والتقديس

أنس زاهد

كاتب سعودي

لا يزال العقل العربي يقبع في المرحلة البدائية التي يمكن أن نطلق عليها: مرحلة الوعي البسيط. من سمات الوعي البسيط، أنه ينطلق من اليقينيات والإطلاقيات، كافتراض وجود الحقائق المطلقة، وإمكانية تحقيق «اليوتوبيا» على الأرض، وإدراج البشر والأفكار والتجارب، إما ضمن خانة الخير المطلق وإما ضمن خانة الشر المطلق.

هذه السمات لا تقتصر فقط على المنتمين إلى تيارات الإسلام السياسي من أصحاب شعار «الإسلام هو الحل»، بل إنها تشمل أيضاً الكثير من المنتمين إلى تيارات الحداثة والليبرالية.

يتجلى الوعي البسيط كأحسن ما يتجلى، في تعامل الطرفين -الإسلامي والليبرالي- مع التاريخ. فبينما يلحق الإسلاميون التاريخ الإسلامي بدائرة المقدس، ينظر أدعياء الليبرالية والحداثة إلى التاريخ الإسلامي بوصفه شراً محضاً!

هذا الوعي البسيط الذي يميل إلى التسطيح وإصدار الأحكام القطعية، هو المسئول عن نزوع العقل العربي نحو التخندق والاصطفاف المستند إلى الأفكار اليقينية المسبقة، وإلى التصنيفات الجاهزة التي تنطلق من قاعدة التعميم! وهذا بالتحديد ما يجعل من هذا الوعي «البسيط» عاجزاً عن التحلي بالموضوعية التي تتطلب التجرد والحيادية، عند بحث القضية أو الفكرة أو الموضوع، محل النقاش.

أدوات التفكير عند الطرفين تبقى واحدة، وهذا هو المهم. أما النتائج التي يقدّمها كل طرف، فتبقى غير ذات أهمية مهما بدا حجم ونوع التناقضات. المهم هو المنهج وأدوات التفكير التي تنطلق من فرضية وجود الخير المطلق والشر المطلق. أما النتائج والتصنيفات التي يصل إليها كل طرف، فتظل مجرد اختلاف عرضي، لأنها، وهذا هو الأهم، تهدف إلى تكريس فرضية وجود الخير المطلق أو الشر المطلق.

إن التاريخ الإسلامي جزء من التاريخ الإنساني. إنه تجربة بشرية تحتوي على المظلم والمضيء، على الخير والشر، على الحق والباطل، على الجميل والقبيح... أي إنه لا يمكن إلحاقها بخانتي التقديس والتدنيس. وإذا كان التاريخ الإسلامي مليئاً بالعنف وبوقائع القتل، فأي تاريخ يخلو من ذلك؟ أو ليس تاريخ البشر السياسي كله، يدور حول الصراع على السلطة والمال؟

حتى التاريخ الغربي الحديث نفسه بل وحتى التجربة الغربية في صورتها الراهنة، ورغم كل الشعارات البراقة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، مازالا يقبعان في الدائرة المظلمة نفسها التي تتمحور حول القتل وممارسة العنف بحق الشعوب الضعيفة، للاستيلاء على ثرواتها وللهيمنة على قرارها.

إحدى أهم مشكلات العقل البسيط، هي أنه لا يحاول أن يرى المعطيات كما هي، بقدر ما يحاول أن يضع هذه المعطيات ضمن قوالب وتصنيفات جاهزة ومعدة سلفاً، ولا تخرج في الغالب عن الحق والخير المطلقين، أو الشر والباطل المطلقين!

العجيب أن الإسلاميين والليبراليين، لم يكتفوا بهذا القدر من التسطيح عند تناول التاريخ، بل إنهما تجاوزاه لمرحلة الابتسار نفسها، حيث قام الطرفان ودون اتفاق مسبق بينهما، بحصر التاريخ الإسلامي في الجانبين السياسي والديني! وهو أمر غير علمي، خصوصاً أنه يحصر تاريخاً أنتج حضارة عظيمة لديها إنجازاتها في مجالات العلوم والمعارف والآداب والفلسفة والفنون والحكمة، في الدين والسياسة وحدهما!

مشكلتنا ليست في التشدد الإسلامي أو التشدد المضاد. مشكلتنا تكمن في الوعي البسيط الذي ينتج التشدد والتحزب والأفكار الإطلاقية.

إقرأ أيضا لـ "أنس زاهد"

العدد 4694 - الثلثاء 14 يوليو 2015م الموافق 27 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:57 ص

      العلمانية هي الحل

      العلمانية هي الحل يا اخي و منع ............من التدخل في السياسة و الشأن العام لأنهم يفرقون الناس و لا يجمعونهم

    • زائر 2 | 12:30 ص

      الدول الليبرالية لا تعادي أي ديانة يل تحترم الكل بدليل وجود جميع الديانات فيها

      مع معابدهم ومذاهبهم المختلفة بس لا تسمح باحزاب سياسية لهم بل باحزاب مدنية تقبل الجميع ولا تفرق نين أحد بسبب دينه أو مذهبه ولا تسمح لأحد باستغلال الدين أو المذهب لأغراض سياسية أي أبعاد الديانات والمذاهب عن السياسة لأن لو العكس فل نتصور كم حزب سيقوم على هذا الأساس لأنه تحتوي على العشرات من الديانات والمذاهب وستتحول خلافاتهم إلى تناحر بين الشعب

    • زائر 1 | 10:00 م

      لا تخندق ولا ابتسار

      لا تخندق ولا ابتسار وانما هيمنة قوة الغاب وانحسار الايمان بالمبادئ والانجرار الى انحدار اخلاقي شهدته البشرية بشكل عام فلم يكن هناك وزاع من اخلاق ولا دين ولا عرف ولاحمية ولا مروئة وتحلل الانسان واصبح مادي بحت وغلب عليه جزاريه على عقلاؤه وبات القوى منهم مرهون باطماع الدنيا والجمع والغنى الفردي .. فكان ما كان الا النزر اليسير ممن يضخي ويغلب النزعة القومية على الانانية الفردية او قل الغل الفردي والا فالكل متهم من هذا الانحدار.

اقرأ ايضاً