العدد 4702 - الأربعاء 22 يوليو 2015م الموافق 06 شوال 1436هـ

حَرّ البحرين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في كل عام يتبارى البحرينيون في وصف حرِّهم الشديد. بعضهم يقول إن هذه السنة أشدُّ من سابقتها. آخرون يردُّون بأن ما قبلها كانت أشد. ويمتد النقاش ليصل إلى المقارنة الزمنية ما بين حَرّ هذه السنوات وبين السنوات الغابرة: خمسون أو ستون سنة خَلَت. فالبعض يقول بأن درجة الحرارة في السابق كانت أقل بكثير. يؤيّدهم البعض لكنهم يُعْزُون ذلك لكثرة الآلات المشتغلة في الطرقات إنْ كانت سيارات أو مكيفات الهواء أو حتى آلات الإعمار والبناء وغيرها.

أستلُّ من نهاية ذلك القول جوهر مقالي اليوم. فالتساؤل حول طقس البحرين، بين هذه السنوات والسنوات البعيدة يجعلنا نبحث عن حقيقة الأمر، وما إذا كانت بلادنا في زمن ما، تشهد جواً أقل حرارة مما نشهده اليوم أم لا. بالتأكيد، نتساءل ونحن نعرف درجات الحرارة في غير مكان في العالم وكيف أنها زادت عن السابق، وبالتحديد منذ منتصف العشرينيات بسبب الغازات الدفيئة وازدياد معدلات غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء والميثان في الهواء، نتيجة لفعل البشر.

خلال البحث في الموضوع، وجدتُ في المصادر التاريخية ما يعطي وصفاً دقيقاً للبحرين وأحوال طقسها، ليؤكِّد لنا أنها في الأصل أرض ذات جوّ حار بل وشديدة الحرارة، على الأقل خلال السنوات الألف الماضية! وأنها كانت مشهورة بذلك رغم مركزيتها التجارية وما كان يزرع فيها من مزروعات مختلفة.

فعلى سبيل المثال يذكر الرحّالة المعروف محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي والمشهور بـ «ابن بطوطة»، أنه عندما جاء إلى البحرين وجد أن جوّها حار جداً. ويقول في هذا الصدد: «ثم سافرنا من سيراف (في فارس) إلى مدينة البحرين، وهي مدينة كبيرة حسنة ذات بساتين وأشجار وأنهار وماؤها قريب المؤونة يحفر عليه بالأيدي فيوجد، وبها حدائق النخل والرمان والأترج والليمون ويزرع بها القطن وهي شديدة الحر كثيرة الرمال وربما غلب الرمل على بعض منازلها».

وحين يقول ذلك شخص كابن بطوطة، الذي زار زهاء 69 بلداً حول العالم في رحلة استمرت لـ 25 عاماً، فإن ذلك يعطينا وصفاً دقيقاً بأن أحوال الطقس في البحرين كانت على هذا الحال من القيظ منذ زمن بعيد، على الأقل إلى الحقبة التي كان يعيش فيها ابن بطوطة، والتي يفصلنا عنه 711 عاماً. والذي يظهر أن عموم المنطقة التي تقع فيها البحرين (الإقليم عينه) هي ذات المواصفات المناخية، ابتداءً من جنوب الخليج العربي حيث مدخله عبر مضيق هرمز، وانتهاءً بشماله وعلى ضفتَيْ الخليج.

وقد ورد عن المقدسي البشاري في «أحسن التقاسيم في معرفه الأقاليم»، وصفٌ لهذه المنطقة من بدايتها حيث يقول: «»وهرموز (هكذا لفظها) على فرسخ من البحر شديدة الحرّ الجامع». وينقل الحموي في «معجم البلدان» عن البشاري أيضاً عن منطقة بساحل فارس «رسمها نمرود بن كنعان ثم عمرها بعده سيراف بن فارس، وأكثرها ممتد على البحر، شديدة الحر».

بل حتى منطقة سيراف (أو صيراف) وهي الواقعة في جنوب إيران وتطلّ على الخليج، جاء وصفها عند الحميري في «الروض المعطار» أنها «ليس بها زرع ولا ضرع، وهي شديدة الحر جداً». كل ذلك للتدليل على اتّصاف هذه المنطقة في أغلبها بمواصفات شبيهة من بعضها فيما خص المناخ.

ومما ذكره ابن منظور في «لسان العرب» في تعريفه للفظة: «الوَمَدة»، وهي شِدَّة حر الليل، ما يعطينا انطباعاً آخر حول الأحوال المناخية الحارة التي كانت تشهدها البحرين منذ زمن بعيد. فالوَمَدة هي «ندى من البحر يقع على الناس في شدة الحر وسكون الريح» كما يُعرّف. ثم ينقل عن الليث أن «الوَمَدَة تَجِيءُ في صميم الحر مِنْ قِبَلِ البحر حتى تقع على الناس ليلاً». وينقل عن أبي منصور قوله «وكنا بناحية البحرين إذا حَلَلنا بالأَسْياف وهَبَّت الصَّبا بَحْريّةً لَمْ ننفك من أذى الوَمَد».

ومما يُحكَى في العرف الشعبي البحريني خلال الصيف لفظة «سهيل» التي تعني إحدى أيام فصل الصيف الحارة جداً. وربما كان لهذا اللفظ الضارب في الذاكرة البحرينية منذ زمن بعيد مدلول علمي وواقعي. وقد ذكر ابن سيده في «المخصص» أن «المُعْتَذِلات أيام القَيْظ في دُبُر الصيف، وقيل مُعْتَذِلاَت سُهِيْلٍ الأيام التي يطلع فيها سُهِيْلٌ وهي الشديدات الحَرِّ، وإنما سُمِّيَت مُعْتَذِلاَت لأنهن اعْتذَلْنَ لِيَأْتِينَ بِحَرٍّ أشد مما مضى، ويقال لكل يوم شديد الحر مُعْتَذِل».

في كل الأحوال، فإن الذي يظهر هو أن أجواء البحرين في فصل الصيف هي ذاتها منذ ألف عام أو يزيد على ذلك. وحسب المعطيات التاريخية، لم يحدث أي طارئ في الأنواء أو تبدل في الطبيعة جعلها على غير ذلك الوضع المناخي. لكن وفي الوقت نفسه، ورغم ذلك الجو الحار، إلاَّ أن البحرين ظلت مقصداً للعديد من الأنشطة التجارية وقبلة لزعماء الإمبراطوريات القديمة لما كانت تتمتع به من قداسة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4702 - الأربعاء 22 يوليو 2015م الموافق 06 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 2:10 م

      شديدة الحر والرطوبة ولكن ..

      عدم الاهتمام بالثروات الطبيعية من عيون ونخيل ومزارع وسواحل وغيرها مما له دور في تخفيف درجة الحرارة وإكساب الجو شيء من اللطافة هو عنصر يمكن ملاحظته حتى بين المدن والقرى لو قارنا بينها، فبعض القرى التي لا تزال محتفظة بشيء من مزارع النخيل تكتسب لطافة في الجو أقل بقليل مما هي عليه في خارجها المخالف لها.
      عموماً لا يوجد اهتمام بالإنسان فكيف بالأرض،
      سوى مما يستملكون و (.........) !

    • زائر 9 | 6:12 ص

      استاذ محمد

      لعل من عاش في الأزمنة الفائتة شعر بالحر وهو نفسه الذي نعيشه ولكن الا تعتقد بأن الفرق بين تلك الأزمنة والأن شاسع حيث كانت البحرين مظللة بالنخيل والأشجار مما يساعد على تخفيف درجات الحرارة اضافة الى الينابيع العذبة الطبيعية ، صحيح هناك درجات حرارة عالية ولكن الطبيعة كانت تخفف ، أما اليوم ونحن نرى التصحر وانتهاء النخيل والأشجار والينابيع زات من الطين بلة .

    • زائر 8 | 5:37 ص

      وطني

      وطني تاريخ وحضارة يعلي بالاسلام شعاره

    • زائر 7 | 5:07 ص

      حتى الاشوريين

      حتى الآشوريين أحبوا البحرين رغم حرها القاسي حيث قانوا يعتقدون بتميزها وقدسيتها

    • زائر 5 | 2:38 ص

      هذه ديرتنا ..... ونحبها

      وكانت جزيرة البحرين ( اوال ) من منافي دولة بني أمية، حيث يبعد إليها المعارضين لسياساتها وبخاصة من صحابة أمير المؤمنين علي (ع)، وذلك بسبب جوها الحار ورطوبتها القاسية وطقسها الدبق .

    • زائر 4 | 1:28 ص

      حلوو المقال

      اللي عجبني اكثر كلام بن بطوطة ان الماي يحفرون اله باليد و يطلع ....بلدنا قبل طاهر و مو مثل الحين الينابيع و الناس بتندفن بالحيا من هالفساد و النهب ...يا مجير

    • زائر 3 | 11:48 م

      رحم الله المخترع الأمريكي ويليس كارير

      لولا إختراعه للمكيف لكنا في حيص بيص.

    • زائر 2 | 11:04 م

      متابع . . . . هل هي نهاية البحرين ؟

      تقارير الامم المنحدة تحذر من أن 75 بالمئة من أراضي البحرين مهددة بالغرق خلال العقود المقبلة . . . . والسبب التغيرات المناخية وما يصاحبها من ارتفاع منسوب مياه البحر . . . المنسق المقيم للأمم المتحدة والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيد آغا قال أن تقرير الأمم المتحدة للحد من الكوارث يشير بأن ((( البحرين تعتبر خامس دولة في العالم عرضة للتأثر بارتفاع سطح البحر. )))
      هل سنشهد نهاية بلدنا قريبا ؟؟ ماذا يجول في خاطركم و أنتم تقرأون مثل هذه الأخبار ؟

اقرأ ايضاً