العدد 4707 - الإثنين 27 يوليو 2015م الموافق 11 شوال 1436هـ

إبراهيم شريف من السجن إلى السجن... تتمّة الحكاية

إبراهيم شريف وزوجته بعد الإفراج الأول عنه
إبراهيم شريف وزوجته بعد الإفراج الأول عنه

لم يلبث الأمين العام السابق لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) حُرّاً أكثر من ثلاثة أسابيع حتى عاد للقضبان مرة أخرى، في حكاية، قال مغردون «إن تفاصيلها لم تنتهِ بعد منذ اندلاع حراك (14 فبراير/ شباط 2011م)».

إنه إبراهيم شريف السيد سليل الحركة الوطنية، التي تشرَّبها من المحرق مسقط رأسه، حيث وُلد فيها العام 1957م ومنها نشأت روح شريف عربية الانتماء ذابت عندها كل الفوارق المذهبية إلا مذهب الوطن.

تأثر شريف بالحركة القومية في لبنان، وذلك عندما ابتُعث من قبل حكومة البحرين لدراسة الهندسة بالجامعة الأميركية في بيروت. حدث ذلك في العام 1973م.

ومن بوابة الاتحاد الوطني لطلبة البحرين ومنظمة الطلبة العرب، استهل شريف أول نشاطاته السياسية، ليجد نفسه في العام 1980 لـ «الجهبة الشعبية». يومها أوقف شريف 15 يوماً لكن جوازه ظل مسحوباً مدة 3 أعوام.

ومع هبوب رياح التغيير في البحرين مع تسلم جلالة الملك لسدة الحكم في البحرين، أنجز شريف ورفاقه في العام 2001 برعاية أستاذهم الملهم عبدالرحمن النعيمي (رحمه الله)، حلم تأسيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي، وريث نضال الجبهة الشعبية البحرينية، ثم سطع نجمه أقوى بعدما خلف أستاذه النعيمي في العام 2006 لقيادة دفة الجمعية.

سَلّم النعيمي مقود الجمعية ومعها سلّم نفسه للراحة المؤبدة، حيث دخل النعيمي في غيبوبة منذ العام 2007 وحتى غادر الدنيا في (1 سبتمبر/ أيلول 2011)، مورثاً لخلَفه شريف تركةً ثقيلة أحقاباً من النضال والثبات على الخط الوطني، الأمر الذي ضاعف مسئولية شريف ودفعه إلى صدارة مشهد الجمعية والخط الذي تمثله أكثر من ذي قبل.

بدأ شريف يعيد نسج خطوط النعيمي الغائب الحاضر، فدخل بمعيته انتخابات 2006 بأم الحصم وفشل الاثنان في الوصول، وكرر شريف التجربة في 2010 غير أنه غادر أم الحصم إلى الترشح في المحرق، ورغم أنه نجح في الوصول إلى الدور الثاني للانتخابات إلا أن شريف لم يُفلح في الوصول إلى قبّة المجلس.

قبل الانتخابات وبعدها ظل شريف محتفظاً بعلاقة عميقة مع جمعية الوفاق كبرى الجمعيات السياسية في البحرين، وبالأخص مع أمينها العام الشيخ علي سلمان (محكوم بأربع سنوات ويقضي محبوساً حالياً)، حتى أن أطرافاً قريبة من السلطة عابت عليه ذلك، ونبزت إليه بارتمائه و «وعْد الليبرالية» في حضن «الوفاق الإسلامية»، إلا أنه ظل يدافع عن وثاقة هذا التحالف بأنّ «وعد ليست ذيلاً وفاقياً، لكن ما يجمع الجمعيتين المطالب الوطنية».

إلا أن هذا التحالف لم يخلُ من توترات جزئية، وخاصة في فترات الانتخابات، حيث لامت «وعدُ» «الوفاقَ» على عدم التنازل لبعض مرشحيها في المناطق المحسومة، وجعلها تصارع الأمرّين في مناطق أقرب إلى السلطة من جمهور المعارضة، غير أن «تجربة أبل الخاسرة» من جهة، وقناعة بأنّ «التحالفات تنسج بعد الوصول للبرلمان» من جهة أخرى ظلت تقود «الوفاق» إلى إحكام السيطرة على دوائرها المضمونة بنسبة 100 في المئة.

كان المشهد السياسي للمعارضة آنذاك قسيماً بين «الوفاق» الذي تقوده من داخل البرلمان من خلفها جمعيات التحالف، وبين الحركات المعارضة غير المرخصة، وإن كان ثقل «الوفاق» حينها أكبر؛ فإنّ شريف تفوق أحياناً على رموز «الوفاق» في مخالطته لجمهور تلك الحركات الذي كان حانقاً على الجمعيات بشدة، حتى أنه استُضيف يوماً وبشكل رسمي في منزل الناشط السياسي عبدالوهاب حسين واستَقبَل استفهامات الحضور في جلسة حوار ساخنة.

وسواء كان ذلك عن قصدٍ من شريف بعدم تقطيع وشائج الاتصال مع الشباب الغاضب أو لا؛ فإنه وعملياً كان أول قيادي من الجمعيات السياسية يصل إلى «دوار اللؤلؤة» برفقة الشباب في 15 فبراير/ شباط 2011، بعد إخلائه من التواجد الأمني، ومعها بدأ فصل آخر من حياة شريف.

داوم شريف كما أغلب القيادات السياسية على حضور فعاليات «الدوار» وإلقاء الخطب على منصته، والمشاركة في النقاشات السياسية التي تتم في الخيم المنتشرة في عمقه وعلى أطرافه.

شريف كان واضحاً في طرح مطالب الجمعيات «نريد مملكة دستورية»، في قبال خيار آخر كان أرفع من ذلك، إلا أن ذلك الاختلاف المجرد لم يمنع النقاشات من المواصلة حتى أتت اللحظة الفارقة في (16 مارس/ آذار 2011).

أخلي الدوّار تماماً من قاطنيه، حتى حلَّت ليلة القبض على شريف في اليوم التالي. إنه ليل الـ(17 من مارس 2011)، يروي شريف: «كنت حينها قد أخذت جولة أستطلع فيها الخارج بعد أن تمّ ضرب الدوار وقد عدت متأخراً، قبلها بليلة تم حرق جمعية وعد أيضاً. نزلت وكانت معي أم شريف. قال لي ضابط: افتح الباب. قلت له: لا أفتح، هل لديك أمر قبض؟ فتحنا الباب، كان (....) قد قفزوا من السور ودخلوا البيت وتم اعتقالي. تم أخذي إلى سافرة».

بعد رحلة من «سوء المعاملة» كما عبّر شريف، وقف في قاعة المحكمة المدنية ليلخص بحسب اعتقاده الأزمة في البحرين بالقول: «إنها أزمة امتدّت أكثر من عقدين ونصف منذ حُلَّ المجلس الوطني المنتخب عام 1975. لكن في فبراير 2001 كانت آمال المواطنين البحرينيين كبيرة بعد اتفاق المعارضة والحكم على فتح صفحة جديدة من خلال ميثاق العمل الوطني، وإعادة الحياة النيابية والانتقال إلى طور ديمقراطي أعلى بطرح مفهوم (الملكية الدستورية على غرار الديمقراطية العريقة)، إلا أن التعديلات التي أدخلت على الدستور في 2002 جاءت جميعها على حساب سلطة الشعب ومجلسه النيابي المنتخب».

حُكم على شريف بالسجن مدة خمس سنوات في (22 يونيو/ حزيران 2011)، ويومها كان أقلَّ زملائه حُكماً، حيث أدانت المحكمة الآخرين بأحكام تتراوح بين الـ15 والمؤبّد على خلفية تهم بـ «التحريض على كراهية النظام، والدعوة لإسقاط نظام الحُكم بالقوة».

مرّت أعوام أربعة بتفاصيل دوَّنها شريف في وسائل مختلفة، حتى صدر أمر بالإفراج عنه في (19 يونيو 2015)، وذلك بعد انقضاء ثلاثة أرباع مدة حُكمه السابق.

بعد الإفراج عنه مباشرةً، حرص شريف على بث رسائل تصالحية مع الحكومة والقوى السياسية المقربة منها، مشيراً إلى أن مهمته المقبلة هي «مد جسور الثقة بين المعارضة وهذه الأطراف»، دون أن يخلوَ حديثه من تأكيد حاسم على المطالب الذي سُجن من أجلها.

في ذروة الانشغال بالإفراج عنه، أدلى شريف بتصريحٍ أغاظ جمهور المعارضة، فيما يتعلق بالشأن الإقليمي، وذلك حينما أشار في لقاءٍ مع قناة «الميادين» إلى خطأ تدخُّل «إيران ومقاتلي حزب الله اللبناني في المعركة السورية»، إلا أن هذا سرعان ما نسخه خبرٌ آخر قدم في وقتٍ متأخر من مساء يوم الأحد (12 يوليو/ تموز الجاري). «لقد تم توقيف إبراهيم شريف مجدداً بسبب مشاركته في حفل تأبين الفقيد حسام الحداد»، ليعود بذلك إلى المحبس بعد نحو 3 أسابيع فقط من الإفراج عنه.

مُغرِّدون دشّنوا مؤخراً حملة تغريدية تطالب بالإفراج عن إبراهيم شريف السيد لدوره الوطني الكبير، واستذكروا مآثره في ما اعتبروه حفظ «النهج السلمي للحركة»، وكونه موقوفاً على أساس التعبير عن الرأي، في تناغمٍ لكلمةٍ قالها شريف يوماً في المحكمة؛ إذ استهل مرافعته بالقول: «إن الأفكار أيُّها السادة لا يمكن هزيمتها. المحكمة الوحيدة التي يمكن أن تُحاكم فيها الأفكار هي محكمة الرأي العام، والعقوبة التي تصدرها محاكم الرأي العام هي الحكم بهزيمة الفكرة ومن ثم اندثارها، أو الحكم بتبرئتها ومن ثم شيوعها.»... وهذه تتمّة الحكاية.

العدد 4707 - الإثنين 27 يوليو 2015م الموافق 11 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 5:57 ص

      توضيح

      سؤال من احمد شريف الذي على يمين الصورة ام يسار الصورة ومن الذي معاه في الصورة هل هذا اخوة جاسم ؟

    • زائر 12 | 5:41 ص

      يجب الافراج عن الاستاذ ابراهيم شريف وجميع المعتقلين السياسيين

      لا يمكن ان يكون استقرار وهناك معتقلين راي في السجون فالناس لن تسكت عن الظلم وعن الانتهاكات الفضيعة وعن الاقصاء والتهميش

    • زائر 6 | 1:41 ص

      اللهم فرجه عنه وعن كل المعتقلين

      شريف وستظل شريف مهما حاولوا فليفعلوا ما يفعلوا ويقولوا ما يقولوا والتاريخ يشهد لك بمواقفك النبيلة الكبير في حق هذه المملكة الصغيرة في حجمها والكبيرة في كل جزء فيها وبشعبها الكبير وانتمائهم العميق فرج الله عنك وعن كل فرد مضطهد مغيب في غياهب السجون ظلما

    • زائر 4 | 12:44 ص

      إلهي بالفرج وأن طال الزمن

      اللهم عجل لوليك الفرج يالله ،، حر وستظل حرا طليقا أخ إبراهيم شريف أنت ومن معك من وراء القطبان ولدتم أحرار وهي كلمه تكفي ليفخر بها كل واحد ويرفع رأسه عاليا.. حفظكم الله وعسى ربي ان يفرج عنكم جميعا أن شاء الله بحق الصلاة على محمد وآل محمد.

    • زائر 8 زائر 4 | 1:43 ص

      بو فهد

      لا تيأس يا شريف، فالمطالب بالحرية والديمقراطية ونبذ العنصرية ورفض الفساد مصيره السجن... الفرج سيأتي لا محالة، شاء م شاء وأبى من أبى لان كما قال الله سبحانه " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "
      الله يفرج عنك وعن المعتقلين وعن جميع المظلومين

اقرأ ايضاً