العدد 4728 - الإثنين 17 أغسطس 2015م الموافق 03 ذي القعدة 1436هـ

أعلام في التسامح والسلام... «خواطر» أحمد الشقيري

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لا غرو أنّ ثقافة التسامح تعتبر اليوم أهم الضرورات الإنسانية والأخلاقية بعد أن انتشرت ظاهرة العنف والتطرف؛ فقد يجد الإنسان نفسه وخصوصاً الشاب عند مفترق الطرق في التعامل مع الآخر الذي قد لا يتفق معه في أفكاره، فهل يؤذيه ويُقصيه بسبب هذا الاختلاف؟ أم يسمعه ويتحاور معه؟ لذلك كان لزاماً على من يخاطب الشباب أن يخاطبهم بلغتهم وبالشكل الذي يجذبهم حتى يتمّ توجيه الشباب إيجابياً نحو تبني الفكر المتسامح وثقافة الاختلاف وآداب التعايش مع الآخر.

وفي هذا السياق، لابد من الإشادة بجهود الإعلامي السعودي أحمد الشقيري من خلال برنامجه التلفزيوني «خواطر»، الذي وظّفه خلال عديد الحلقات لنشر ثقافة التسامح والسلام بأسلوبه السلس الجذاب، ما من شأنه أن يترك عظيم الأثر في المُشاهد ويؤكد، ما كنا دائماً ندعو إليه، ألا وهو الدور الإيجابي والفعال للإعلام الملتزم بقضية القضايا في أيامنا هذه، ألا وهي نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف والإرهاب والطائفية. فمن هو أحمد الشقيري؟ وفيم تتمثل دعوته إلى السلام والتسامح والعيش المشترك؟ دأبنا في مقالنا هذا التعريف بشخصيات لها تاريخ عريق في الدعوة إلى الاعتدال والتسامح والعيش المشترك، أو شخصيات تركت كتباً ومؤلفات عديدة في هذا الشأن الجليل، وهي شخصيات بعضها انتقل إلى رحمة الله وبعضها في سنّ متقدمة... غير أنّنا اليوم آثرنا تقديم شخصية من الشباب وإلى الشباب.

نعم هو الإعلامي السعودي أحمد مازن أحمد الشقيري، مقدم برامج فكرية اجتماعية ومضيف السلسلة التلفزيونية «خواطر» والمضيف السابق لبرنامج «يلا شباب»، استطاع بأسلوبه كسب ثقة الشباب في الخليج بل وفي المشرق العربي ومغربه، ما دفعه إلى تأليف برامج تلفزيونية حول مساعدة الشباب على توجيه أفكارهم توجيهاً إيجابياً ومعالجة قضايا الشباب والأمة مفتتحاً تلك الحلقات بمقولته التي صارت مشهورة رغم بديهيتها: «لست عالماً ولا مفتياً ولا فقيهاً وإنما طالب علم».

استهلّ أحمد الشقيري مشواره الإعلاميّ العام 2002 من خلال البرنامج التلفزيوني «يلا شباب»، والذي شارك في تقديمه مع عدد من الشبان والفنانين لتناول القضايا الشبابية بشكل جديد لا يعتمد على الخطابية بقدر ما يعتمد على لغة بسيطة تجذب هذه الفئة من الجمهور. كما شارك الشقيري بعد ذلك في برنامج «رحلة مع الشيخ حمزة يوسف»، من خلال مرافقة مجموعة من الشباب للداعية الأميركي في مواقع عديدة ومتنوعة، لطرح رؤية متكاملة عن العلاقة بين الإسلام والغرب وكيف يمكن للمسلمين وخصوصاً الشباب، دعوة الآخرين إلى دينهم بشكل حضاري يعتمد الحوار وينبذ العنف تحت أيّ مسمّى من مسميّاته.

وقد قرن الشقيري القول بالفعل، حيث تبنّى مشاريع توعوية على أرض الواقع بالمحاضرات والندوات في المناسبات العامة والجامعات، وكان ممّن شاركوا في الدفاع عن النبي (ص) لا بالتحريض على الكره والقتل، وإنما بنشره فيديو باللغة الإنجليزية على شبكة الإنترنت رداً على صانعي الفيلم المسيء للنبي عليه السلام.

واستطاع الشقيري بأسلوبه البسيط واختياره قضايا قريبة من الشباب، أن يحظى بثقتهم حتى جاءت المحطة الأبرز في مشواره مع تقديمه برنامج «خواطر»، حيث يقدم قضية شبابية في حلقة لا تتجاوز مدتها 5 دقائق في شكل أقرب إلى النصيحة الموجهة للشبان والشابات، ما أهّله ليحتلّ المركز الأول كأقوى شخصية مؤثرة في الوطن العربي من الشباب في الاستفتاء الذي قامت به مجلة «شباب 20» الإماراتية، كما وفاز العام 2010 بجائزة أفضل شخصية إعلامية شابة في ملتقى الإعلاميين الشباب الثالث بالأردن، واحتل المركز 143 في قائمة أكثر 500 شخصية عربية مؤثرة في العالم العربي من قبل مجلة «أريبيان بزنس».

يؤمن الشاب أحمد الشقيري بالسلام عقيدةً، وبالتسامح مبدأً، وبالتعايش المشترك سلوكاً وأخلاقاً عمليّةً حيث لا يوافق من يرى أن التسامح انكسار، وأن الصمت هزيمة، لأنهم لا يعرفون أن التسامح يحتاج قوة أكبر من الانتقام، وأن الصمت أقوى من أي كلام. ويعتبر الداعية الشقيري أنّ الإسلام يعمر المساجد والمصانع، ويحيي القلوب والأبدان، ويحقق التوازن والوسطية.

وقد قدم الداعية الشاب أحمد الشقيري في الحلقة الخامسة من «خواطر 11» نموذجاَ حياَ لكيفية التعايش بين أصحاب المذاهب المختلفة؛ فقد ابتدأت الحلقة بالسؤال عن كيفيّة تعايش الإنسان مع أخيه الإنسان بسلم رغم اختلاف مذاهبهم حيث عرض خلال الحلقة بعض القضايا الدينية المختلف بشأنها، وحرص على استضافة شيخين مصريين لكل منهما رأي مختلف عن الآخر. وكانت زيارته لمجمع الأديان بالقاهرة، ذلك المكان الذى يجمع الأديان السماوية الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، مثالاً على إمكانية هذا التعايش تاريخياً.

ثمّ كانت زيارته لأحد المساجد في سلطنة عمان، حيث وجد الجميع يصلون في المكان نفسه، كلاًّ بحسب مذهبه. ونقل البرنامج ما ذكره أحد المصلين في المسجد بعد الصلاة في حديثه للشقيري: «نحن ندين بدين الإسلام وليس بدين المذهب»، وأشار الداعية السعودي إلى أن عمان نموذج إيجابي لدولة عربية نجحت في خلق بيئة إيجابية من التعايش بين المذاهب المختلفة من دون طائفية، لافتاً إلى أن الشعب العماني يعيش بسلام وأمن. واستعرض خلال الحلقة نماذج سلبية للتطرف المذهبي والعرقي وما آل إليه هذا التطرف من دمار وخراب في العالم.

لقد اجتهد الشقيري من خلال برنامجه «خواطر» في أن يلامس جوانب من حياتنا الاجتماعية والسياسية الحرجة بعقلانية واتزان وبحرفية عالية، ما مكّنه من جذب عدد كبير من المشاهدين، ومن ثمّ التأثير فيهم إيجابياً، بل وتوجيه اتجاهات الشباب نحو مبادئ التسامح والسلام ونبذ العنف والكراهية بشكل قد يفوق جهود العديد من الهيئات والمنظمات التي آثرت تنظيم الندوات والمؤتمرات في الفنادق الفخمة بعيداً عن الشباب الذي يعيش واقعاً أليماً يدفع به نحو التطرف والإرهاب.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4728 - الإثنين 17 أغسطس 2015م الموافق 03 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:48 ص

      دعوة ناقصة

      نشر الثقافة التسامح لابد ان يرافقها طمس ثقافة التكفير والاتهام بالشرك

    • زائر 2 | 1:17 ص

      التعايش و التسامح في البحرين و الكويت

      التسامح و التعايش في رأيي المتواضع تتجلى ملامحها و عمقها في البحرين و الكويت فقط. فأنت تعلم ان العاصمة المنامة كانت و لا تزال البوتقة التي انصهرت فيها جميع الأديان و المذاهب، فتجد المسجد و المأتم و الكنيسة المسيحية و اليهودية بعوائلها السنية الشيعية المسيحية و اليهودية العربية الإيرانية الهندية تعيش في مساحة لا تتعدى كيلومتر مربع واحد في سلام و وئام تام. البحري تجسد مبدأ و روح التسامح و التعايش و الاسلام الذي ينتهج التعايش و التسامح غاية في الحياة و ليس وسيلة، و المعذرة على هذه الاطالة.

    • زائر 1 | 1:11 ص

      حلقة التسامح و التعايش دعائية

      النسيج الاجتماعي العُماني على حد علمي يختلف عن الخليجي. عمان و في ظل التزامات الاقتصاديات المتطورة ينتظرها واقع سياسي متأزم و مؤلم اقسى من دول الخليج الاخرى. هذه الحلقة في رأيي مادة إعلامية كالمواد الإعلامية الاخرى مليئة بالمثاليات و الانشائيات و المواعظ. مشكلة الاعلام في هذا الزمن، انه اصبح سريعاً و سطحياً يلامس الرتوش فقط بهدف الإثارة قبل التحقق من المضمون و البحث التاريخي، و في اغلب الأحيان ذو مضامين سياسية الهدف منها تسويق اجندات سياسية، اي دعائية بحتة.

اقرأ ايضاً