العدد 4728 - الإثنين 17 أغسطس 2015م الموافق 03 ذي القعدة 1436هـ

من أحلام التغيير إلى محارق الحروب والمفخخات

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

احتفل العالم يوم الثاني عشر من أغسطس/ آب الماضي باليوم العالمي للشباب، واختارت الأمم المتحدة هذا العام شعار إشراك المواطنين الشباب، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة الى حماية الشباب من التطرف. وقد أصدرت العديد من الأحزاب والجمعيات السياسية العربية بيانات تدعو الى تمكين الشباب، وإشراكهم في صنع القرار واستغلال طاقاتهم للبناء، وتأهيلهم وتدريبهم علمياً ومعرفياً لتبوّء مكانة تحت شمس أوطانهم.

وتطرقت الكثير من استطلاعات الرأي والبرامج الاذاعية والتلفزيونية العربية على مدى الاسبوع الماضي إلى محنة الشباب العربي طوال السنوات الاربع الماضية، مستحضرة احتجاجات وحراك الربيع العربي ومآلاته وارتداداته والنهايات المأساوية لأولئك الشباب، الذين تصدروا التظاهرات وحلموا بالتغيير فانتهوا إلى المقابر والسجون والهجرة القسرية.

في يوم الجمعة 17 ديسمبر/ كانون الأول العام 2010 أقدم الشاب التونسي محمد البوعزيزي (26 عاماً) على حرق نفسه احتجاجاً على قيام البلدية في مدينة سيدي بوزيد بإهانته وبمصادرة عربة الخضار والفواكه التي كان يتكسب منها، ولم يدر بخلد البوعزيزي، الذي أطلق صرخة الاستغاثة، أن تلك الصرخة ستتردد أصداؤها في أرجاء العالم العربي وستشعل الساحات، وسوف تكون مصدراً للإلهام وللتحرك الشبابي المطالب بالحرية والكرامة والمساواة.

مياه كثيرة جرت تحت جسر ذلك الربيع العربي القصير، الذي بدا واعداً ومنذراً بقرب انتهاء منظومة الاستبداد، التي جثمت على أنفاس الشعوب عقوداً طويلة، لكن ماهي إلا فترة وجيزة حتى جرى الانقضاض عليه وتفتيته وشق صفوفه، والالتفاف على شعاراته وتخوين دعاته، وتوجيهه نحو التقاتل الداخلي والحروب الاهلية، لا لتحقيق أحلامه وطموحاته وأمانيه، بل للتخلص من أكبر عدد منهم عبر توظيفهم في ساحات الحروب الانتقامية ومحارق التشظي وتقاسم النفوذ والصراعات العدمية والمذهبية والسياسية في أكثر من بقعة في هذا الوطن العربي المنكوب بجهله وتخلفه وتبعيته.

وجدت التنظيمات المتطرفة في هذا الشباب اليائس العاطل والمحشوة رؤوسه بالأفكار والتعاليم الخاطئة، والذي خسر نعيم الأرض فتاق إلى جنة السماء، وجدت فيه صيداً مغرياً وسهلاً، وفي ظل إقليم عربي رجراج ومتشظٍ ويعيش مرحلة تحول تاريخي، ويعايش استقطاباً سياسياً وطائفياً، ويشهد حروباً خفية ومعلنة، وجد مشعلو الحروب وتجار السلاح والمؤامرات المئات بل الآلاف من المتطوعين من الشباب العربي، انضم الى هذه الجوقة كل من أخفق في حجز مكانة لائقة على الأرض، ولم يعد يرى مستقبلاً بانتظاره، لذا سارع بقبول عروض الدخول الى هذه المحارق الجديدة وحمل السلاح والمفخخات، أو الالتحاق بهذا الفصيل أو ذاك، مغتنماً لقب «شهيد» عوضاً عن حياةٍ لم يعشها. ويالها من مفارقة عجيبة ومؤلمة أن هذه الحروب وهذا السلاح موجه للداخل وليس للعدو الخارجي.

يمثل الشباب العربي نسبة 20 في المئة من مجمل السكان ضمن معدل للزيادة السكانية يعد من المعدلات العالية، وأما البطالة فهي تفوق الـ30 في المئة، ولكن الربيع العربي الذي جرى التآمر عليه لمنع التغيير، ساهم هو الآخر في إضعاف النمو الاقتصادي في كل الأرض العربية، وقد يؤدي التدهور في الحال المعيشي إلى إبقاء أسباب الصراع والاضطرابات قائمة، نعم، ما لم يعد النظر في الأنظمة الاقتصادية والسياسية القائمة، وفي إعادة توزيع الثروات ومكافحة الفقر والعوز والبطالة ونهج التمييز والاقصاء، فإن احتمالات اندلاع ثورات جديدة ومختلفة ونوعية تنادي بإسقاط الفساد ورحيل المفسدين، كما يحدث في العراق الآن، مرشحة للوصول الى الوطن العربي كله.

أخيراً، هل نتحدث عن اليوم العالمي للشباب دون أن نشير إلى تلك المبادرات التي انطلقت منذ مطلع العام 2000 وفي أكثر من بلد عربي، وترافقت مع موجة الاصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، والتي رأت ضرورة إيلاء الشباب دوراً في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية... البحرين كانت سبّاقة في هذا الجانب واشتغلت على استراتيجية وطنية للشباب وبرلمان للشباب (شاركت أنا وعدد من الزملاء الكتاب في الجزء المتصل بدور الإعلام والثقافة في تمكين الشباب)، لكن هذه الاستراتيجية الشاملة التي تلم بكل الأبعاد والجوانب المتصلة بتمكين الشباب والتي تضاهي رؤية البحرين 2030، الاستراتيجية الاقتصادية وغيرها من الاستراتيجيات، تعثرت هي الأخرى وجرى تهميش الجوانب السياسية فيها والاكتفاء ببنودها السهلة كالرياضة وغيرها. وفي الورقة التي ساهمت بها، ذكرت أن على الحكومة أن تستقطب الشباب وتجذبهم إلى صفها، عبر إدماجهم في برامجها التنموية وتأهيلهم تعليمياً ووظيفياً لمجاراة زمن معولم وخلق الشباب «الكوني الفكر»، الذي يقبل التعدد والاختلاف والبعيد عن التعصب والانقياد الأعمى، والذي يقدر على التعايش والعمل في كل مكان... واختتم بالقول إن الفرصة لاتزال سانحة لتفعيل هذه الإستراتيجية وتدارك ما فات... لعل وعسى!

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4728 - الإثنين 17 أغسطس 2015م الموافق 03 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:52 ص

      لو

      لو العرب والمسلمين طبقو احاديث الرسول \\ص\\ باتقان وذمه وخوف من الله شان الدنيا بخير لاكنهم اتبعو الشيطان لهادا بلدان العرب تدمر \\ بالارهاب الذين هم صنعوه الله يهدى الجميع وينفدون شرع الله

اقرأ ايضاً