العدد 4739 - الجمعة 28 أغسطس 2015م الموافق 14 ذي القعدة 1436هـ

حين لا يجبر كسرك إلا أهلك

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

بعض البشر يكونون دواءً لكل داء ينزل بك، بعضهم هم الداء الذي جسده الله على هيئة بشر.

الذين هم الدواء، لا تحلو الحياة إلا بقربهم، يخففون الهم، ينسونك الوجع، يكملون الناقص في حياتك ويهبونك كثيراً من الفرح الذي لا يفتر ولا يخبو إلا حين لا تجدهم من حولك.

هؤلاء هم ذوي القربى، هم الأهل من نفس الدم ونفس الهم، ونفس الذاكرة، ونفس التاريخ. يتقاسمون معك حزنك، ويهبونك فرحهم، يرتّبون أيامك بما يملكون من قلبٍ لا يملكه سواهم، قلبٌ يشعر بك قبل أن تتحدث، قلبٌ يمتصّ ألمك فيحوله إلى أمل، قلبٌ هو في الواسع من الرحمة والمحبة والصدق والوفاء.

قد يقتسمون معك لحظة فرحك، لكنهم يهبونك أضعافها مع كل اقتسام، ومع كل موقف سعيد يصادفهم تجدهم يستبشرون بوجودك وقربك، لتُكمِل سعادتهم وتُكمِل ما بهم من فرح.

هؤلاء هم هبة الله لخلقه، يهبهم الخلق ليستشعروا رحمة الخالق، ولولاهم لباتت الحياة أشبه بالجحيم بما تحمله من مواقف وأتراح تجعل المرء أسيراً للهمّ والحزن.

أما الذين يمثلون الداء، فهم أصحاب النفوس التي تتربص بك، تنتظر الخطأ منك لتعملقه وتضاعفه؛ فتغدو حياتك جحيماً بهم وبخطأ قد لا تكون من ارتكبه، تضاعفت بعده أخطاء وقّعوها باسمك وأنت منها برئ.

هؤلاء هم الذين يندسون في لحظات فرحك، فيدسون به الهم والغم ويمتصون كل أمل لديك ليحيلوه دمعاً ويأساً. هؤلاء هم الذين تجدهم بلباس الحمل فيما هم ذئب يتربص بحياتك وبسعادتك وأحلامك وطموحاتك كي لا تصل لأي شيء تتمناه.

ينظرون للقمة العيش في فمك ويتمنونها لأنفسهم، يراقبون الناس ويحاولون فضهم من حولك كي يستأثروا بمن يحبك ويسعد بقربك، وكأن الدنيا تنتهي كلما ابتسمت.

هؤلاء ليسوا وليدي الخيال، بل هم واقع نأسف كل الأسف لوجوده في الحياة، في الغالب هم ليسوا من أهلك، وما أشد الألم والفاجعة حين يكون هذا الداء هم بعض أهل من الذين من المفترض أن يكونوا دواءً لك، وقديماً قال الشاعر ذات جرح:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً

على النفس من وقع الحسام المهندِ

بعض الأهل داء، وبعض الأغراب دواء، ورب إخوان لنا لم تلدهم أمهاتنا. هذا الوضع ليس إلا وضعاً عارضاً، وليس أصلاً؛ إذ الأصل في الأهل أن يكونوا قلباً لك لا عليك.

الدواء من البشر نادرون، وحين يمرون بنا لابد وأن نتشبث بهم، وأن لا نسلم علاقتنا بهم لأخطاء عابرة تحدث بين المرء ونفسه أحياناً فكيف بالمرء مع غيره، فنكسر جماليات علاقاتنا بهم ونمزق أواصر محبتنا إليهم.

النادرون من البشر هم من يكون قلبهم معك لا ضدك، من يفديك بماله ونفسه وسعادته ووقته، وهو ما لا تجده مجسداً إلا في أهلك غالباً، ممن اختلطت دماؤك بدمائهم، ومن ابتسمت لابتساماتهم ومن كانوا حاضرين في وقت ضيقك قبل سعتك. ولا يعني هذا أن بعض الأصدقاء ليسوا كذلك؛ إذ يكون بعضهم أقرب إلى النفس من حبل الوريد، ولكن ....

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4739 - الجمعة 28 أغسطس 2015م الموافق 14 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:28 ص

      !

      رائع أم قيس ! لا فض فوك ولا عثر قلمك.

    • زائر 5 | 5:00 ص

      فقد و وحشة إنّ ذا لَعظيم !!!

      لا ينفصل مقال اليوم عن مقال أمس الأوّل : ذلك مثقل بذكرى كاوية ( مغادرةُ حبيبٍ ) ، وهذا ينوء بنفس نائية ( بُعدُ قريبٍ ) ، فإذا النفس واقعة بين فقد ولّد حرقةً، و بين غربة ولّدت وحشةً ، و تحت وطأة الأمرّين ( الفقْد القسْري موتا و مغادرةً ، و الفقد المبيَّت بإضمار متمثلا في داء البعد ) تتلوّى النفس بخدوش في الجسم و الروح ، أمّجراح الجسد فمصيرها إلى الاندمال ، أمّا خدوش الروح فاندمالها مرتهن بمن يتلمّس عميقا أدواءها ، يفجفّف منابع وحشتها و موارد تشاؤمها .

    • زائر 6 زائر 5 | 7:05 ص

      تصويب ذاتي

      تسرّب خطآن من وراء بصر غير حديد ، أوّلهما : " أمّجراح " و صوابه : أمّا جراح ، و ثانيها " يفجفّف" و صحيحه : فيجفّفَ ... ، فعذرا .

    • زائر 2 | 1:32 ص

      عبد علي البصري

      الناس بعضهم داء وبعضهم دواء وبعضهم سم وبعضهم سمه وبعضم ضباب وبعضهم ضياء وبعضهم غايه وبعضهم غوايه وبعضهم رعايه وبعضهم دعايه ينعقون مع كل ناعق

اقرأ ايضاً