العدد 4749 - الإثنين 07 سبتمبر 2015م الموافق 23 ذي القعدة 1436هـ

الكلمات دلالات اللفظ والمعنى

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

الكلمة من أخطر ما يقوم به الإنسان في حياته الذي يوصف بأنه حيوان ناطق وقد أبرز الرسول الكريم (ص) خطورة الكلمة عندما أجاب أحد صحابته رداً على سؤاله عما إذا كان يعاقب المرء على الكلمة فقال «وهل يكب الناس على مناخيرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم»، وفي قول آخر منسوب إليه (ص) «إن المرء لينطق بالكلمة فيهوي بها سبعين خريفاً في النار». ومن ناحية أخرى كان أول ما نزل من القرأن كلمة اقرأ وكانت هذه ذات دلالة واضحة لمن فيه عقل وأتى الله بقلب سليم. فالدلالة الأولى أن النبي محمد (ص) على رغم أنه كان أميّاً فإن الله أنار بصيرته ليعرف النتيجة الايجابية للقراءة بمعنى المعرفة اللدنية إعمالا لقوله تعالى «من لدن حكيم عليم» أما الدلالة الثانية فهي إن المرء عليه أن يتعلم القراءة والكتابة كفريضة واجبة على كل إنسان أنثى أو ذكر لأن الله عادل في حكمه وفي أوامره ونواهيه، فهو قال «اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم» سورة العلق الآيات (3 - 5) كما أنه خصص سورة كاملة هي سورة القلم.

باختصار القراءة والكتابة هما أداتان للولوج للعلم والمعرفة وهذا ما أراده الله سبحانه وتعالى. والدلالة الثالثة هو دعوة المسلمين وباقي البشر للبحث عن العلم والمعرفة ولذلك علم الله آدم الأسماء كلها وتكرر اسم الجلالة العليم والعالم عشرات المرات في القرآن، وأوضح أن العلماء هم من أكثر الناس خشية لله ودعا النبي الكريم كما ورد في الأثر اصحابه لطلب العلم ولو في الصين، وفي غزوة بدر طلب من الأسرى تعليم عشرة مسلمين القراءة والكتابة كفدية، وهكذا كثيرة هي الاستشهادات على دلالة أهمية الكلمة والقراءة والكتابة، فالكلمة هي ثمرة العلم وهي التي تقود للنار والجهل أو تقود للعلا والتقدم والرقي والجنة كل بحسب ظروفه، ومن هنا يمكننا أن نتحدث عن أحد مظاهر الكلمات من خلال استعراض كتابين صغيرين في الحجم ولكن كل كلمة منهما لها دلالات مهمة.

إنه من الصعب على المرء أن يكتب عرضاً متكاملاً لكتابين مهمين يحملان «عطر الكلمات» و «رمضان يجمعنا» من تأليف الأستاذ محمود أحمد شقير أستاذ اللغة العربية والمدقق اللغوي بجامعة البحرين سابقاً والفلسطيني الأصل البحريني الجنسية المسلم عقيدة والمعبر عن روح الإسلام في تسامحه وفي حبه للاخر والذي هو زاهد في الدنيا فهو يؤلف الكتب، ويهيئ له الله من أصحاب الخير ليطبعوها أو يمولون طباعتها ثم يقوم هو بتوزيعها مجاناً على من يرغب ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى.

والأستاذ محمود شقير بدأ حياته موظفاً مدرساً ثم أستاذاً للغة العربية لغة القرآن ولغة الحكمة الربانية، وانتهى صوفيّاً زاهداً، إذا جاز هذا التعبير، ولماذا أقول إنه تحول إلى الصوفية لأن الكتابين يعبران عن الفهم الصوفي الصحيح للاسلام ويقتبس من الآيات القرآنية ومن أحاديث الرسول (ص)، ومن أقوال الصوفية والصالحين بل من أقوال الشعراء ويضيف هو أيضاً شعراً من إبداعه ليكمل الصورة حول القضايا التي يطرحها. وإذا جاز لي أن اتحدث عن الصوفية فإنني ألخصها في ثلاث كلمات هي: العبادة لله والعمل لإعمار الكون بالعلم، والصفاء لله سبحانه وتعالى، وذلك استناداً للآيات القرآنية الكريمة، إذ يقول سبحانه وتعالى «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ(57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) سورة الذاريات. وقوله سبحانه وتعالى «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» (33) سورة البقرة الآيات (30 - 33). ثم يقول الله سبحانه وتعالى «وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار» سورة ص الآية (47)، وهذا هو غاية المنى والهدف النهائي.

باختصار إن العبادة والعمل يؤديان إلى النتيجة وهي الصفاء أو الاصطفاء ومن هنا كان من أسماء النبي محمد اسم «المصطفى» (ص).

كتاب «عطر الكلمات» يمثل سياحة دينية في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصالحين من عباد الله، ويحتوي على أربعة فصول كل منها يشتمل على موضوعات عدة، كما أنه محلى في بعض صفحاته بالشعر الجميل ومنه من أشعار المؤلف الأستاذ شقير ومرصع بدعوات مأثورة لمناسبات معينة. ويبدأ الكتاب بفصل عن «الحب الإلهي» من آيات الله، ومن أشعار عاشقة الله المتبتلة والقانتة رابعة العدوية التي من الأخيارالذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى. ومن ثم يفصح محمود شقير في أول صفحات الكتاب عن هويته الصوفية أو بالأحرى انتقاله من مقام العمل الدنيوي إلى مقام الصوفية والصفاء، حيث يلقى الصوفي من ربه الجزاء الأوفي بإذن الله تعالى.

ونظراً لدقة المحتوى وجاذبيته فلا يستطيع المرء عندما يبدأ القراءة أن يتوقف وإنما يواصل حتى نهاية الكتاب في صفحة 137. ويختتم المؤلف الكتاب بقول الله تعالى الذي يؤكد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في العمل وفي الجزاء ويعطي المرأة حقها كبشر مساوٍ للرجل وهي الآية 35 من سورة الأحزاب والتي تقول «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» هذه المساواة هي تعبير عن العدالة الإلهية تجاهلها الناس بمن في ذلك بعض من يسمون رجال الدين الذين تجاهلوا حقوق المرأة وأحطوا من قدرها.

أما كتاب «رمضان يجمعنا» فهو تعبير عن حالة التفاعل الاجتماعي والتواصل بين أفراد المجتمع البحريني عبر المجالس الرمضانية والتزاور بين مختلف الطوائف والاديان والاعراق بغض النظر عن المناصب والثروة والجاه، وهذا دليل على التقارب الاجتماعي والثقافي بين المواطنين البحرينيين حيث يلتقي كل منهم بالآخر هاشاً باشاً مهما كانت التوترات أو الخلافات الطبيعية بين بني البشر في أي مجتمع من المجتمعات. ويقع الكتاب في 35 صفحة، ولكنه بدوره يفيض علماً وفقهاً، حيث يشرح الصيام وما ورد فيه عن الرسول (ص) أو من آيات القرآن الكريم وأعمال الصالحين. ولا يمكننا أن ننسى الخصوصية الاجتماعية لرمضان وهي احتفالات الاطفال الصغار بالقرقاعون وهذا تقليد بحريني وربما خليجي مثل فوانيس رمضان في مصر، والهدف واحد فهو إدخال البهجة والسرور على نفوس الصغار ليشعروا بهذا الشهر الفضيل وربما يستعدون لصيامه عندما يكبرون.

ولن نخوض في تفاصيل ما احتوى عليه الكتابان لضيق المساحة وانما نسوق بعض التأملات:

الاولى إن هذين الكتابين يمثلان فاتحة خير للمؤلف وللمواطن العادي وللمثقف. فالمؤلف يحرص على بذل الجهد في البحث والتقصي ويوفقه الله ليجد من يمول نشر الكتاب تطوعاً ثم يقوم المؤلف بتوزيعه مجاناً على من يعرفه أو من يرغب في الاستزادة من المعرفة والعلم ومدون عليه أنه يهدي ولا يباع. إن المؤلف وجد فاعل الخير في هذين الكتابين ممثلاً في الدكتور وهيب الخاجة وجامعة العلوم التطبيقية.

الثانية: إن أهم ما أثار إعجابي في «عطر الكلمات» تركيز المؤلف على موقف الاسلام من حب الوطن والولاء له، وليس على مفهوم الأمة الذي يمثل خلطاً وأساءة فهم. وثمة فارق جوهري بين مفهوم الدولة ومفهوم الامة، والإسلام يؤكد على ارتباط الوطن بمسقط رأس الإنسان أي الدولة الوطنية بالمعنى الحديث. ولم ينس شقير وطنه الأصلي فلسطين الحبيبة وخصص بنداً حول وضع فلسطين في الإسلام. وهذا أمر حقيقي ويحمد له فسورة الإسراء تتحدث عن المسجد الأقصى كما أن ارتباط العرب بفلسطين وشعبها منذ أقدم العصور وخاصة المسجد الاقصى الذي بناه العرب اليبوسيون قبل ظهور بني إسرائيل ويعقوب عليه السلام.

الثالثة: اهتم المؤلف بقضايا المجتمع المعاصر وهذا انطلاقاً من اهتمام الإسلام بها مثل قضايا المرأة والطفل والمعوقين وكبار السن وغير المسلمين من مواطني الدولة الاسلامية بل إن الإسلام اهتم بالرأفة والرحمة والإحسان لمن يسيء للمرء وأيضاً بالطيور والحيوانات، ولعل في حديث النبي (ص) عن دخول إمرأة الجنة في هرة، وعن غفران الله لرجل سقى كلباً، خير دلالة على ذلك، وخاصة في عصر يقتل الأخ أخاه ناسياً أن ذلك من أكبر الجرائم أو يقتل المواطن رجل الأمن ناسياً أنه لولا رجل الأمن هذا لعمت الفوضى وعدنا لشريعة الغاب.

وأختم هذا المقال القصير الذي لا يفي بحق الكتابين ولا بحق المؤلف برجاء أن تضطلع أي من وزارات التعليم أو الشئون الإسلامية أو الإعلام بإعادة طبع هذين الكتابين ويتم توزيعهما على طلاب وطالبات المدارس لنشر الفكر الديني الصحيح والمعتدل بعيداً عن التجاذبات الطائفية والعرقية ونحوها، لعل الله سبحانه وتعالى يصلح أمور المسلمين والعرب وأمورنا جميعاً ويجزى صاحب المبادرة خير الجزاء.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4749 - الإثنين 07 سبتمبر 2015م الموافق 23 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً