العدد 4777 - الإثنين 05 أكتوبر 2015م الموافق 21 ذي الحجة 1436هـ

دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة

أعلام في التسامح والسلام

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لم يُثنِني حديث صديقي صبيحة هذا اليوم، وهو يفسّر ما يحدث في سورية بأنّه بعض من علامات الساعة، عن البحث عن شخصيات وأعلام جديدة تدعو إلى الحوار والسلام والتقارب، وإنْ كان قد خالجني الإحساس بالعبثية في بحثي المحموم عن السلام وأسبابه في هذا الزمن المحموم بالحروب والاقتتال وأهواله، وخاصة بعد مزيد تدخّل القوات الأجنبيّة في أراضي الشام، ومزيد استباحة مجالها الجوي من الشرق إلى الغرب.

نعم قلت لم يُثنِني ما عبّر عنه صديقي هذا، من كونها بعض ما يسبق العلامات الكبرى ليوم القيامة، عن الانشغال بالبحث عن الحلول على الأقل من الداخل الإسلامي؛ فلا غرو أنّ بعضًا ممّا أصاب جسد الأمّة العربية الإسلاميّة اليوم مردّه الاختلاف المذهبيّ بين شقّي العالم الإسلامي، سنّة وشيعة، وهذا الاختلاف ليس بالأمر الجديد، بل هو سليل قرون وقرون، لكن توظيف هذا الاختلاف هو ما قد ينزاح به عمّا قدّره الله له.

غير أنّ العلماء والمجتهدين من العالم الإسلامي، وعلى امتداد التاريخ وخاصّة في العصر الحديث، لم يتوانوا في البحث عمّا يمكن أن يجمع بين المختلفين، لعلّهم بذلك يجسّرون هذه الفجوة بين مفاصل الجسد الإسلاميّ. وحريّ بنا، وقد اشتدّ الاتكاء على هذا الاختلاف المذهبيّ في تأجيج الصراع بين أبناء الأمة الإسلامية وخاصة في صفوف شبابها، أن نتذكر ونذكّر ببعض محاولات التقريب بين المذاهب الإسلامية.

إنّ الذاكرة القريبة، قبل البعيدة، تسعفنا بتجربة دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، وهي هيئة معنيّة بالتقريب بين المذاهب الإسلامية. تأسست في القاهرة العام (1368 هـ / 1947م) على يد نخبة من العلماء المسلمين، وقد ضمّت عند تأسيسها عشرين عضوا من كبار العلماء من مختلف المذاهب. ورأس الجمعية في أول تأسيسها أحد كبار المصلحين في مصر آنذاك، هو محمد علي علوبة باشا، ومن بين الأعضاء المؤسسين نذكر الشيخ عبدالمجيد سليم رئيس هيئة الفتوى بالأزهر، (صار شيخاً للأزهر فيما بعد)، والشيخ أحمد حسين، مفتي وزارة الأوقاف، والشيخ محمود شلتوت الذي كان عضواً بهيئة كبار العلماء (وصار بدوره شيخاً للأزهر)، والى جانب هؤلاء كان من بين الأعضاء الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، والشيخ محمد تقي القمي ممثلاً للشيعة الإمامية وغيرهم.

ولم تكن تجربة دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة (النصف الأول من القرن العشرين) وليدة فراغ، بل هي امتداد، بشكل أو بآخر، لفكرة الجامعة الإسلامية (النصف الثاني من القرن التاسع عشر) ولأفكار المصلحَيْن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وإن كان لكل من التجربتين سياقها التاريخي على رغم التقارب الزمنيّ. وإذْ لا تنفي أو تستنكر «دار التقريب» الخلاف بين المذاهب، فإنّها تبحث عن المساحة المشتركة بينها وتسعى إلى توسيعها، إذ إنّ من أهدافها التقريب بين مذاهب المسلمين، وإصلاح العلاقات فيما بين أتباع هذه المذاهب، وخاصة مع تنامي ظواهر التعصب والتفرق والتباعد بين أتباع مذاهب المسلمين.

ويذهب العديد من الدارسين والمتابعين لشأن المذاهب الإسلامية إلى أن تجربة دار التقريب هي أهم تجربة ظهرت خلال القرن العشرين في مجال تحسين العلاقات بين المذاهب الإسلامية وإصلاحها وتطويرها، فقد كشفت هذه المبادرة التاريخية عن «عطاء فكري وعلمي وديني وأخلاقي هو من ألمع وأثمن عطاءات الفكر الإسلامي المعاصر في مجال الوحدة والتفاهم والتآلف بين المسلمين، والتقريب بين المذاهب الإسلاميّة». بحسب الباحث زكي الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة ـ السعودية.

وقد اتخذت مجلة «رسالة الإسلام»، لسان حال دار التقريب، التي صدرت العام 1949م، من الآية الكريمة «إنَّ هذهِ أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون» (الأنبياء:92)، شعاراً لها، وقد أبان خطابها على امتداد سنوات صدورها عن فكر مفعم بروح التقارب والتفاهم والتآلف، ورغبة شديدة في نبذ كل أشكال التباعد والتعصب والتفرّق.

كما جسّد أعضاء هذه الجماعة دعوتهم من خلال ما تميّزت به اجتماعاتهم من حرص على التفاهم والتآلف، وقد ظهر ذلك في أكثر من صورة، إذْ أشاد الشيخ محمود شلتوت بروح الأخوة، وذوق المودة والمحبة التي كانت تغمر هذه الاجتماعات التي جرت في دار التقريب حيث يجلس المصري إلى الإيراني، أو اللبناني، أو العراقي، أو الباكستاني، أو غير هؤلاء من مختلف الشعوب والمذاهب الإسلامية، فلا تسمع إلا دوي أصوات العلم يحفّه الأدب، فلقد تجاورت في دار التقريب أفكار علماء من السنة والشيعة تبحث عن علاج لداء التفريق.

ولاتزال فكرة التقريب إلى اليوم، وعلى رغم ما تعرّضت له من تحدّيات ومحن، تمتدّ وتجد لها أعوانًا على نشرها والدفع بها إلى الأمام، وخاصّة من النخب الثقافيّة والدينية والأكاديمية؛ ذلك أنّ الحاجة تتأكد في زمن الصراعات المذهبيّة خصوصاً والدينيّة والقوميّة عموماً إلى ثقافة التسامح والحوار، فهو الخيار الأمثل للحدّ من نزعات القتل والإلغاء لدواع مذهبيّة أو دينيّة في مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4777 - الإثنين 05 أكتوبر 2015م الموافق 21 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:17 م

      صحيح ألف بالمئة

      تجربة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية: عطاء فكري وعلمي وديني وأخلاقي هو من ألمع وأثمن عطاءات الفكر الإسلامي المعاصر في مجال الوحدة والتفاهم والتآلف بين المسلمين، والتقريب بين المذاهب الإسلاميّة».

    • زائر 5 | 2:46 م

      فكرة التقريب تحتاج متابعة مستمرة

      ولاتزال فكرة التقريب إلى اليوم، وعلى رغم ما تعرّضت له من تحدّيات ومحن، تمتدّ وتجد لها أعوانًا على نشرها والدفع بها إلى الأمام، وخاصّة من النخب الثقافيّة والدينية والأكاديمية؛ ذلك أنّ الحاجة تتأكد في زمن الصراعات المذهبيّة خصوصاً والدينيّة والقوميّة عموماً إلى ثقافة التسامح والحوار، فهو الخيار الأمثل للحدّ من نزعات القتل والإلغاء لدواع مذهبيّة أو دينيّة في مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة.

    • زائر 4 | 5:03 ص

      دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة

      الفكرة جميلة قديمة جديدة بس أخاف أقول مثالية مع ها الواقع المرير

    • زائر 3 | 4:28 ص

      الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أكمل الرسالة والقرآن الكريم حجة الله في

      في الأرض لاكن المذاهب الإسلامية أتبعة تاريخ مغاير عن الآخر بسبب اعتمادها على كتب مؤلفيها عبيد الله وتقديسها هذا

    • زائر 2 | 1:53 ص

      أحسنت

      فلا غرو أنّ بعضًا ممّا أصاب جسد الأمّة العربية الإسلاميّة اليوم مردّه الاختلاف المذهبيّ بين شقّي العالم الإسلامي، سنّة وشيعة، وهذا الاختلاف ليس بالأمر الجديد، بل هو سليل قرون وقرون، لكن توظيف هذا الاختلاف هو ما قد ينزاح به عمّا قدّره الله له

    • زائر 1 | 1:16 ص

      70 عمّار ما قدروا على خرّاب واحد

      من يبث الفكر التكفيري والارهابي هم مدعومون بقوّة لذلك مسألة التقريب لا تجدي مع دعم متواصل وتسخير اموال من ميزانيات دول لبث افكار تكفيرية ارهابية

اقرأ ايضاً