العدد 4779 - الأربعاء 07 أكتوبر 2015م الموافق 23 ذي الحجة 1436هـ

بعض الظن جرح

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

من الضروري أن يكون لدى كل واحد منا قدرة على التروي قبل اتخاذ أي حكم على أي أحد من حولنا؛ فظواهر الأمور غالباً ما تكون خادعة وخصوصاً بالنسبة لأولئك الذين يجيدون إخفاء مشاعرهم ونواياهم إما لنيتهم الحسنة التي تحتم عليهم ألا يبيحوا بكل ما يعتريهم من مشكلات أو آلام أو ما يخالجهم من رغبات طيبة تجاه بعض الأمور فيرغبون في عملها خفية حتى لا يعرف أحد بما يقومون به من أفعال خيّرة وعون لمن هم حولهم، أو العكس فهنالك بعض البشر ممن يظهرون الخير أمام غيرهم وهم يبطنون شرا وعداءً.

في إحدى الحصص حكى المعلم للطلاب حكاية السفينة التي أوشكت على الغرق وكان عليها زوج وزوجته وهم آخر الناجين، ولكن لم يتبقَ حينها إلا قارب نجاة يتسع لشخص واحد فقط، فدفع الرجل زوجته وراءه ورمى بنفسه إلى قارب النجاة. وقفت المرأة في السفينة الغارقة وصرخت جملة واحدة لزوجها.

توقف الأستاذ وسأل طلابه: «ماذا تتوقعون أنها قالت لزوجها؟»

فأجاب معظم التلاميذ بحماس: «أكرهك!» ، ولكن الأستاذ لاحظ أن أحد التلاميذ كان غارقاً في الصمت فطلب منه رأيه فأجاب: «أعتقد بأنها صرخت تقول له: «اعتنِ بطفلي».

فوجئ الأستاذ من رد الصبي وسأله: «هل قرأت هذه القصة من قبل؟» .

هزّ الصبي رأسه وقال: «لا.. ولكن ذلك ما قالته أمي لأبي قبل أن تتوفى من جراء مرض أصابها»

قال الأستاذ للصبي: «جوابك صحيح، لقد أوصته ان يعتني بابنتهما».

غرقت السفينة بمن عليها، وعاد الرجل إلى منزله حيث ربى ابنته وحده. وبعد سنوات عديدة توفي الرجل فوجدت ابنته مذكراته بين أغراضه، وفي هذه المذكرات ذكر الأب أنهما ذهبا في رحلة بحرية بعدما كان الأطباء قد شخصوا حالة الأم وقالوا إنها تعاني من مرض قاتل.

في تلك اللحظة اندفع الأب إلى فرصة النجاة الوحيدة، وقد كتب في مذكراته: «كم تمنيت لو غرقت معك في أعماق البحار؛ ولكن حباً بابنتنا الصغيرة استطعت أن أتركك تنامين إلى الأبد في أحضان البحر وحدك».

هنالك الكثير من المواقف التي تسرع بعضنا في تأويلها وما إن يعرف الحقيقة حتى يخجل من سريرته ويخجل مما اتخذه من خطوات إن فعل، فلا ينفعه حينها ندم ولا اعتذار؛ إذ يكون الوقت متأخراً وتسبب في جرح من هو أمامه بشكوكه السيئة وظنه الآثم.

وهذا يذكرني بقصة الشيخ الذي قلب عكازه عندما أراد الخروج من المنزل الذي كان مدعوًا فيه، فأصبح توازنه في المشي غير سليم.، فتندّر بذلك بعض الحضور وقالوا له بأنّه كبر وفقد عقله بحيث لا يستطيع حتى التمييز بين رأس العكاز وقاعدته، فردّ العجوز بهدوء، أمسكت عكازي مقلوباً لكي لا تتسخ سجادة منزلكم من تراب الطريق العالق في قاعدته!

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4779 - الأربعاء 07 أكتوبر 2015م الموافق 23 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:49 ص

      شكرآ للوسط

      شكرأ للوسط الف شكر للاستاذة سوسن فانتم ‏ عنوان التفرد 

    • زائر 3 | 2:08 ص

      شوفوا كتاب الوسط من الصبح

      بارك الله في الكاتبه القديره شوفوا الوسط وشوفوا الجرائد النتنه التي لا ترى فيها الا كل قبيح جرايد تثير الغثيان والاشمئزاز مره اخرى تحياتي للكاتبه المحترمه والله يوفقك ويحفظك

    • زائر 1 | 12:46 ص

      ايقونة الوسط

      مقال معبر ورائع جدا يا ايقونة الوسط, وكم هو بليغ كتاب الله عندما يقول جل جلاله (اجتنبوا كثيرا من الظن, ان بعض الظن اثم), عندما تنظر تحسن الظن بالاخرين سترى الحياة جميلة وتدخل المحبة لقلبك والعكس صحيح, طبعا ذلك لا يمنع من (بعض سوء الظن) الضروري عندما تتعامل مع نوع معين من الناس.

اقرأ ايضاً