العدد 4790 - الأحد 18 أكتوبر 2015م الموافق 04 محرم 1437هـ

التقارب والتنافر بين شعوب اسكندنافيا

هاني الريس comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي بحريني

قبل أكثر من عقدين من الزمن، نشرت مجلة «الخطوط الجوية الاسكندنافية»، وهي شركة نقل مملوكة للدول الاسكندنافية الثلاث (الدنمارك والسويد والنرويج) بصورة مكررة، من إحدى وكالات الصحافة العالمية، واقعة مرحة وطريفة، تحكي أوجه (تقارب الاسكندنافيين وتنافرهم في الوقت نفسه).

وتحدثت المجلة، عن أنه على رغم تشابه الاسكندنافيين في مختلف مناحي الحياة العامة، فإنهم يحرصون على الحفاظ على سماتهم الشخصية الوطنية، لذلك قامت بينهم علاقات متأرجحة بين الود والكراهية.

وأضافت أن «هذه الاختلافات تجاوز عمرها عقوداً من الزمن، لكنها تطورت خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي، وذلك عندما القى تور بيترسون وزير الداخلية الدنماركي الاسبق، بنكتة قال فيها إنه يرغب في إرسال جيش بلاده ليمنع السويديين من افتتاح مفاعل نووي قبالة شواطىء العاصمة الدنماركية كوبنهاجن» .

ورد عليه رئيس وزراء السويد الأسبق كارل بيلدت، باحتجاج على هذه الملاحظة، وسارعت وسائل الاعلام الدنماركية بالتقاط هذا الموضوع، وقالت إنه قد يفخر السويديون بسياراتهم (الفولفو) لكن تنقصهم الروح المرحة والخفة والمداعبة.

ورد وزير الدفاع السويدي، اعتبار بلاده، بالقول أنه سيقوم بغزو الدنمارك بمدفعية قوية يطلق عليها اسم «سوسترومين»، وهي عبارة عن طبق محلي سويدي من «الأسماك كريهة الرائحة» بينما أرسلت صحيفة دنماركية مندوباً عنها لوضع قطعة من «الجبن الفاسد» في المفاعل .

وحاول رئيس الوزراء الدنماركي الأسبق بول شلوتر (رئيس حزب المحافظين) تخفيف الأمور بقوله، من خلال خبرتي أعتقد أن السويديين يتمتعون بروح المداعبة، لكن لكل بلد روحه القومية، وعلى رغم أن روح الدعابة بين البلدين مرتفعة كثيرًا فإنها تختلف من مكان إلى آخر.

وأثارت معركة تبادل النكات نقاشًا واسعًا في وسائل الاعلام الدنماركية عن التشابهات والاختلافات بين الاسكندنافيين، وطلبت وكالة الأنباء الدنماركية (ريتزاو) من مجموعة من الخبراء الإدلاء بآرائهم بشأن هذا الموضوع.

وانتهى الخبراء، إلى أن السويديين جادون وأكفاء ويميلون إلى الوحدة واعتبار أنفسهم نموذجا للعالم، وأن سمات النرويجيين هي الابتهاج والسذاجة والمغامرة.

وأما الدنماركيون فإنهم يحبون المرح بإفراط ويتسمون بالفردية وعلى النقيض من السويديين يكرهون القواعد واللوائح ومختلف الأمور الطارئة والمعقدة.

وعلى امتداد قرون من الزمن نشبت حروب طاحنة بين تلك الدول، من أجل السيطرة والهيمنة على اسكندنافيا، لكن السويديين كتب لهم الانتصار في ميادين الحرب، واستولوا على الجزء الجنوبي من الدنمارك، واصبحوا الحكام الحقيقيين للنرويج.

ولم تحقق النرويج الاستقلال التام عن السويد، حتى بداية مطلع القرن الماضي، ولا يحب النرويجيون، شيئا أكثر من حبهم لهزيمة السويديين في الرياضة.

وفي المقابل، يحب السويديون إظهار النرويجيين أنهم أغبياء في نكات يقولون إنها نرويجية.

في السويد والدنمارك تنتشر الإباحية الجنسية، وإن كانت النرويج لها اتجاهات محافظة بشأن المطبوعات الاباحية، لكنها تتسامح في المعاشرة الجنسية قبل الزواج.

وربما تستلفت أنظار الزوار والسياح الاجانب في تلك البلدان، صورة التناقض بين عادات تعاطي الكحول والمسكنات بأنواعها، التي تنتشر في الدنمارك بصورة كبيرة، وتقل كثيرا في السويد والنرويج.

وتضيف المجلة، أنه في رحلة صباحية عادة يقدم طاقم الطائرة الدنماركي، مشروبا كحوليا وقت الافطار، أما إذا كان الطاقم نرويجيا، فانه سيحاول إثناء الراكب عن تناول المشروبات الروحية في الصباح، وإذا كان الطاقم سويديا فأنه لن يقدم مشروبا كحوليا، إلا إذا ألح الراكب في طلبه.

وفي واقع الامر، هو أن طبيعة شعوب منظومة الدول الاسكندنافية الثلاث، لا تشبه طبائع تلك الشعوب، التي تبحث عن خصومات أوعداوات صارمة مع الآخرين، بقدر ما هي تفتخر تماما بروح التفاهم والتآخي والتعاون وحسن الجوار، فهناك ثمة أشياء كثيرة مشتركة وأصيلة، تلتقي حولها هذه الشعوب المتحررة من فعل الأحقاد، مثل بعض العادات والتقاليد وتشابه اللغة، والقدرة على تجاوز الخلافات والاختلافات، حتى لو كانت تتسم بفرط الشدة والتعصب والحماس الأعمى، والتي يمكن أن تدفع بدورها، إلى نشوب بعض الصراعات والمنازعات المسلحة، أو حتى قيام الحروب الصغيرة، وهي صورة قد تكون مثالية رائعة، تنتحي بها بعض دول العالم المتخلفة جانبًا، في مجالات توطيد علاقات التقارب والتفاهم وحسن الجوار، التي تتسبب بها كثرة الحساسيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والايديولوجية والاقتصادية المفرطة، فهل هناك من طريق أفضل وأسهل، لإزالة حدة الكراهية ونشر الأحقاد، بين مختلف الأمم والشعوب حول العالم، غير المرح والدعابة، ونبذ الفتن والحروب والمنازعات والصراعات المقلقة والمخيفة، والتطلع إلى أهداف السلم والوئام والتسامح والتصالح والتعاون والتآخي وحسن الجوار الواقعي والحقيقي؟

إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"

العدد 4790 - الأحد 18 أكتوبر 2015م الموافق 04 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:40 ص

      مقال جميل

      الخير الي عندهم عندنا ايضا البشر نفس الشيئ

اقرأ ايضاً