العدد 4798 - الإثنين 26 أكتوبر 2015م الموافق 12 محرم 1437هـ

"أوروبا الإسلامية سحرُ حضارةٍ ألفيّة".. جديد "الفكر العربي"

ضمن سلسلة "حضارة واحدة"

بيروت - مؤسسة الفكر العربي 

تحديث: 12 مايو 2017

ضمن سلسلة برنامج "حضارة واحدة"، صدر أخيراً عن مؤسّسة الفكر العربي كتاب "أوروبا الإسلامية سحرُ حضارةٍ ألفيّة" وهو مُترجَم عن اللغة الإسبانية وقامت بترجمته الباحثة اللبنانية البارزة في مجال دراسة الحضارة الإسبانية ناديا ظافر شعبان.

الكتاب الذي صدر بالإسبانية نهاية عام 1991، جاء أساساً في إطار الاحتفال بالذكرى المئوية الخامسة لسقوط غرناطة (1492)، آخر معاقل المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية. إلّا أن مؤلِّفَيْه وهما المستعرب الإسباني أستاذ شرف في جامعة مدريد ورئيس سابق لها بيدرو مونتابيث، والمستعربة الإسبانية أستاذة في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد كارمن رويث برافو، آثرا الإبقاء على نصّه الأساسي كما نُشِر في ذلك التاريخ، ومن دون أيّ تعديلٍ في مضمونه، وذلك على الرغم من التحوّلات الكبيرة التي شهدها العالم منذ العام 1991.

أمّا السبب الرئيسي وراء إصرارهما فمردّه كما أشارا في مقدّمة الكتاب إلى رغبتهما في الحفاظ على المدلول الذي جسـَّـدَه الكتاب، "وعلى الرسالة التي نقلها، ليكون بذلك أشبه بشاهـدٍ على واقع تلك المرحلة التي نُشر فيها. وهي مرحلة تميّزت بالإصرار على حوارٍ ثقافيّ واجتماعيّ حقيقيّ يستحقّ، أولاً وآخراً، أن يُوصف بالإنساني".

ولئن اختارت مؤسّسة الفكر العربي بدورها هذا الكتاب، فلأن مطلع الألفية الثالثة، وعوضاً عن أن يحمل تباشير حوار حضاريّ بنّاء لصالح البشرية جمعاء، جاء يشهد تشنّجاً وصراعاً متزايدين، ولاسيما بين أوروبا والإسلام.

لقد صال الكتاب وجال بفصوله الخمسة ("تاريخ ألف عام"، "هندسيّة معماريّة ومدن"، "فنون وتقنيات زخرفيّة"، "الحياة اليوميّة"، "في الفنّ والأدب") في ثنايا تاريخٍ عريق، نجح الإسلام فيه خلال أكثر من قرن واحد بقليل تقريباً- منذ الثلث الأول للقرن السابع الميلادي وحتّى أواسط القرن الثامن- في الانتشار على امتداد مناطق شاسعة جداً ومختلفة ومتعدّدة، شملت معظم شبه الجزيرة الأندلسيّة، وقسماً مهمّاً من فرنسا، أو الأرض الكبيرة، كما سمّاها قدماء المسلمين.

انطلق الكتاب مُعرّفاً بالانتشار الإسلامي الكبير الذي بدأ من منطقة الشاطئ الغربي لشبه الجزيرة العربية، ليتوسّع عبر أراضي آسيا وإفريقيا، ناسجاً علاقة مباشرة لا تنفصم عراها مع العالم المتوسّطي، قبل أن يستقرّ في حدوده الجنوبية. وبالتالي، لم يكتف الكتاب بما حمله الإسلام بذاته إلى أوروبا، بل بما أخذته أوروبا عن الإسلام، ولاسيّما أن الحروب الصليبية والاستعمار (أي الوجود الأوروبي في العالم الإسلامي) عزّزا، كحَدثَين تاريخيّين، الوجود الأوروبي في العالم الإسلامي، وأتاحا للصليبيّين أن ينقلوا معهم ظواهر إسلامية مختلفة إلى بلاد الشرق، كانت قد شاعت ووُطِّنَت في أماكن متفرّقة من أوروبا.

بانوراما الفنّ الإسلاميّ المعماري

في تجواله بين مدن قرطبة، وغرناطة، وطليطلة، وإشبيلية، وبالـيـرمـو وكذلك بين مدن غير إسبانية، كإسطنبول، فضلاً عن تصويره فنّ الـزخرفـة الإسلاميّة ووظيفتها وعـالـَم السجّاد والكتاب والمعادن وصولاً إلى عالم الأدب، انصبّ همّ الكتاب على تلمّس الإرث الحضاري الإسلامي في تعبيراته المادية وغير الماديّة، التي تتجلّى في الفضاء التاريخيّ الفعليّ كما في الفضاء التخيّلي. ولعلّ اللافت من خلال استعراض المكانة التي احتلّها الإرث الحضاري الإسلامي في إسبانيا– شبه الجزيرة الإيبيريّة- في هذا الإطار، هو تتبّع الإيقاع الإنساني والروحي لتلك العلاقة. هذا الإيقاع الذي كان له دور السحر، لكن من دون أن يَلقى الاهتمام الكافي من قبل المؤرّخين أو غيرهم، على الرغم من تأثيره الفاعل في أوروبا حتّى بعد ألف عام.

ولا بدّ قبل كلّ شيء من القول بأنّ الفنّ الإسلامي شغل حيّزاً كبيراً في الكتاب، فترصّد المؤلِّفان إسلامية هذا الفنّ بدءاً من الهند وصولاً إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، ومن القرن العاشر وصولاً إلى القرن العشرين. غير أن قيمة هذا الحيّز تكمن في الجهد المنصَبّ على تبيان النماذج المختلفة للفنّ الإسلامي، سواء في الزمن، أم في الشكل، أم في المضمون، أم في المكان، على الرغم من وحدته الجوهرية. ففي جولتهما التاريخية هذه، بيّن البروفيسور بيدرو مارتينيث مونتابيث، والبروفيسورة كارمن رويث برافو أن مبدأ الوحدة القائم في الفنّ الإسلامي، لا يعني عدم نشوء ظواهر فنّيّة إسلاميّة مختلفة، لأن عناصر الوحدة والتنوّع تأتلف في ما بينها وتتباعد وفقاً للجدلية الخاصّة بكلّ ظاهرة ثقافية تنتمي إلى حضارة معيّنة.

في التفاعل الثقافي والروحي

في سياق توصيف التفاعل الثقافي بين ما هو إسلامي، وما هو أوروبي، في شبه الجزيرة الإيبيرية، تطرّق الكتاب إلى مختلف أشكال العناصر الثقافيّة تلك، من فنّ، ومأكل، وملبس، وطقوس، وعادات، وصولاً إلى الأدب:" فالمسلم، في المدى الإيبيري، يظلّ هو "الآخر" الأكثر قرباً من الإيبيريين، يشاركهم حياتهم اليومية والدنيوية، بصرف النظر عن أيّ شعور أو اعتبار آخر. وهذا ما يتيح لهم مبدئياً، خيارات أخرى، لمعرفته بطريقة أفضل وأكثر منطقية. ويظهر تأثير هذه المعرفة في السمات الرئيسة، غير القابلة للتغيير، والتي ميَّزت العلاقة الثقافية الإسبانية - العربية في تلك العصور؛ وهي سمات فريدةٌ ومتميّزة، مقارنةً بظواهر ذات طبيعة مماثلة، نشأت في أيّ بلد أوروبي آخر".

نحو حوارٍ إنساني

لئن كان الإسلام قد شكّل بالنسبة إلى أوروبا المسيحية ذاك الـ"آخر"، فإن أهمّية كتاب "أوروبا الإسلامية- سحرُ حضارة ألفيّة" تُكمن ليس في إطلالته البانوراميّة اللمّاحة على التراث الفنّي الإسلامي العظيم الباقي في أوروبا فحسب، بل في تطوافه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، في ثنايا تراث قادم من مناشئ إسلامية بعيدة أيضاً، خلّفه الإسلام في بلدان أوروبيّة عدّة. وبالتالي عدم اقتصار هذا التطواف على مجموعات النصب الآثارية التذكارية المهمّة؛ ومواكبته كذلك الفنون التي جسّدت اندماج الفنّ الإسلامي بالفنون الأوروبية، ولاسيّما في مجال الهندسة المعمارية الأندلسية، التي انتقلت إلى الغرب المسيحي وتوطّنت هناك. غير أن الإضافة القيّمة للكتاب تكمن في محاولات إظهار كيف أن أوروبا لم تعرف إسلاماً واحداً بقدر ما لم يعرف الإسلام أيضاً أوروبا واحدة. وهو ما يمثّل خروجاً عن النظرة الاستشراقيّة أو العدائيّة للآخر. تلك النظرة التي ناهضها الكتاب، والتي عبّرت عن نفسها سواء في المنهج الذي اتّبعه المؤلِّفان في قراءة العلاقة بين أوروبا والإسلام، أم في تصريحاتهما المباشرة، ومنها ما جاء في كلامهما في خاتمة الكتاب حين ورد عنهما الآتي: " إن التصوّر الجديد الذي اكتسبه العالم الإسلامي - على الأقلّ في جانبه الإيديولوجي - خلال السنوات الأخيرة، وتأثيره المباشر في أوروبا، على الصعيدين السياسي كما الاجتماعي، أسهم في تطوّر أدبٍ لم يستطِع التخلّي عن بعض الموروثات الواضحة. فالأدب، على الرغم من كونه أداة اجتماعية وثقافية، تبقى فعاليته أقلّ بكثير، مقارنةً بتأثير وسائل الإعلام التي ازدادت وتنوّعت كثيراً، والتي تقدّم باستمرار، أيضاً، صورةً للعالم الإسلامي تناسبها وتخدم مصالحها الإيديولوجية والسياسية، لتعزّز فيه الإبقاء على بؤر توتُّـرٍ تُفضي إلى نزاعات مسلّحة، تدخل مباشرة في تسيير المصالح الأوروبية في مناطق مختلفة من النطاق الجغرافي الإسلامي. ويكفينا للبرهنة على ذلك إشارةٌ بسيطة إلى القضية الفلسطينية، حتّى لا نُكثِر من الأمثلة الأخرى التي توالت من بعدها".

كتاب "أوروبا الإسلامية سحرُ حضارةٍ ألفيّة" كتاب موضوعيّ في طريقة عرضه، غنيّ بمعلوماته، ساحر بأسلوبه المتفلّت من صرامة التأريخ نحو رحابة الأدب وفضاءاته الحرّة. كتاب يزخر بالحبّ بدلاً من الكراهية الخفيّة أو المعلَنة تجاه "الآخر".

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً