العدد 4804 - الأحد 01 نوفمبر 2015م الموافق 18 محرم 1437هـ

مستقبل الطاقة النظيفة

فيليب هاموند

وزير الخارجية البريطاني

فيليب هاموند

(الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية بمدينة مصدر) 

يسعدني الوقوف هنا في مدينة مصدر، هذا المكان الذي يجسد رؤية إمدادات الطاقة مستقبلا. ويسرني بشكل خاص أن مصدر تستثمر بالتقنيات النظيفة في المملكة المتحدة.

لقد استحوذتم في السنة الماضية على حصة تبلغ 35 في المئة في مزرعة ددجون للرياح البحرية، كما اشتريتم حصة تبلغ 20 في المئة في مشروع مصفوفة لندن لتوليد الطاقة من الرياح البحرية، وهي أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم. وهذان الاستثماران يعادلان نحو مليار جنيه استرليني، ما يجعل الإمارات واحدة من أكبر المستثمرين في قطاع طاقة الرياح في المملكة المتحدة.

إن استثمارات كهذه هي الدافع لإحراز تقدم هائل بمجال تقنية الطاقة النظيفة في أنحاء العالم. ويتضح هذا التقدم من الانخفاض الهائل بالتكاليف التي شهدناها في السنوات الأخيرة: حيث انخفضت أسعار ألواح الطاقة الشمسية بنسبة 80 في المئة منذ سنة 2008، كما انخفضت أسعار التوربينات الهوائية بأكثر من ربع قيمتها منذ سنة 2009. وذلك يتيح بشكل متزايد لمصادر الطاقة هذه المنافسة بأسعارها بمقابل توليد الطاقة من الوقود الأحفوري، دون الحاجة لدعم حكومي.

أود أن أوضح ما يعنيه ذلك لبلدينا، وللمنطقة، وللعالم ككل.

المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة: رؤية وشراكة

أحيي الرؤية التي أبداها قادتكم. فهذه الرؤية والقيادة هي ما أتاح لبلد مزدهر كالإمارات النمو في هذه الصحراء خلال هذه الفترة القصيرة.

ورغم أنكم حققتم ازدهارا كبيرا، لم تتوقفوا يوما عن التطلع إلى المستقبل. في الإمارات سابع أكبر احتياطي عالمي من النفط والغاز، وجميعنا يعلم أن أهميتهما ستستمر إلى عقود مقبلة. لكن مع ذلك، تخططون لمستقبل ما بعد النفط.

ويستثمر بلدكم ببعض من أكبر مصانع ألواح الطاقة الشمسية في العالم، وهو في طليعة الابتكار بمجال تقنيات كمحطات تحلية المياه عالية الكفاءة والتي تعمل بالطاقة الشمسية.

ليس هذا فقط، بل إن الإمارات العربية المتحدة، بحكم استضافتها للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تشجع أفضل الممارسات بسياسات وتقنيات وتمويل الطاقة المتجددة في أنحاء العالم.

والمملكة المتحدة تشارككم رؤيتكم هذه. فإلى جانب استثمارنا بالأبحاث المتعلقة بتقنيات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، أدخلنا إصلاحات واسعة على سوق توفير الكهرباء في بلدنا، ما مهّد السبيل إلى استثمار ما يصل إلى 50 مليار جنيه استرليني بالطاقة المتجددة خلال الفترة من 2014 إلى 2020. ونحن ماضون على مسارنا تجاه رفع حصتنا من توليد الكهرباء من مصادر متجددة إلى نسبة 30 في المئة بحلول 2020 مقارنة بنسبة 20 في المئة كما هي حاليا. وقد أصبحنا قبل سبع سنوات أول بلد يسن قانونا يحدد مسارا واضحا تجاه جعل اقتصادنا خاليا من الانبعاثات الكربونية.

ومنذ ذلك الحين اتبعت خطانا أكثر من 60 دولة أخرى بسن قوانينها المناخية.

إننا نشارككم رؤيتكم بأن جعل الاقتصاد العالمي خاليا من الكربون يشكل فرصة هائلة للابتكار وتوفير فرص العمر والنمو. ففي المملكة المتحدة وفرت شركات مرتبطة بتوفير سلع وخدمات منخفضة الكربون وفرص عمل لما يفوق 460,000 شخص، وساهمت بنحو 45 مليار جنيه استرليني بالاقتصاد البريطاني في 2013، وتلك زيادة بلغت 30 في المئة تقريبا في غضون 3 سنوات.

والشراكة بين بلدينا تلعب بالفعل دورا بهذا النجاح. فقد ذكرت للتو الاستثمارات الإماراتية بالطاقة المتجددة في المملكة المتحدة. وبالمثل فإن شركتيّ شِل وبريتيش بتروليوم، اللتين تستثمران في قطاع النفط الإماراتي منذ عقود، تساهمان حاليا بخبراتهما في مشاريع جديدة تتعلق بالطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة.

المنطقة ككل: لتتبع خطوات الإمارات العربية المتحدة للطاقة الشمسية هنا في منطقة الشرق الأوسط إمكانات بارزة. حيث يُقدّر بعض الخبراء أن الطاقة الشمسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تفوق احتياجات الطلب على الكهرباء في العالم ككل. ووفرة مورد الطاقة هذه واعدة ليس فقط لتلبية احتياجات الطاقة المحلية، أو حتى تصدير الكهرباء لخارج المنطقة – بل أيضا لتحفيز تطوير تقنيات عالمية تلقى طلبا أكبر عليها.

تتمتع دول هذه المنطقة بثروة هائلة، نتيجة موارد الطاقة التقليدية المتوفرة لديكم. فإن اخترتم، كما فعلت الإمارات، الاستثمار بالطاقة المتجددة، فإنكم ستستثمرون بمستقبلكم. بمستقبل الطاقة النظيفة، وكجزء من سوق عالمية سريعة النمو.

الانتقال العالمي: استثمار باقتصاد المستقبل

على الصعيد العالمي، نشهد بالفعل حدوث تغييرات هائلة. حيث نما الاستثمار بالطاقة المتجددة بنسبة 17 في المئة ليصل إلى 270 مليار دولار في 2014. وإضافات إمكانية توليد الطاقة المتجددة تجاوزت في 2013 الطاقة المولدة من الوقود الأحفوري لأول مرة على الإطلاق.

كما أن السوق العالمية للسندات الخضراء، التي بالكاد كان لها وجود منذ عقد من الزمن، تشهد الآن نموا سريعا للغاية – من نحو ملياري دولار في 2011 إلى نحو 66 مليار دولار بحلول شهر يونيو/ حزيران 2015.

وتقدر قيمة الاقتصاد العالمي منخفض الكربون بنحو 6 ترليون دولار، وهو يشهد نموا بمعدل 4 إلى 5 في المئة سنويا.

هذه التوجهات ستستمر مع التزام مزيد من الدول بخفض انبعاثاتها الكربونية، ومع بدء القادة الذين يتمتعون بنظرات بعيدة تجاه المستقبل التخطيط لإتمام عملية نزع مصادر الكربون من اقتصاداتهم خلال هذا القرن. إن الاستثمار في الطاقة النظيفة هو استثمار باقتصاد المستقبل، ومن يتحرك سريعا سيحقق السبق بالاستفادة منها.

اتفاق عالمي: لا بد من انتهاز الفرصة أعتقد بأن الآن هو وقت الاستثمار بذلك المستقبل.

فكما نعلم جميعنا، هذا ليس قرارا استثماريا كغيره من القرارات. بل الاستثمار بالطاقة النظيفة هو استثمار بمناخ آمن.

فإن اتخذنا قرارات خاطئة، فإن ما سنتركه للأجيال المقبلة ليس فقط موارد مستنفذة، بل أيضا عالم أكثر خطورة. وبينما أن المملكة المتحدة ستعاني من سقوط مزيد من الأمطار الغزيرة والعواصف الشديدة والفياضانات، فإن هذه المنطقة ستواجه خطر شدة ارتفاع الحرارة وشح المياه والجفاف. وستواجه كل دولنا مخاطر تؤثر على المدن الساحلية وأمن الغذاء والصحة العامة – بل وحتى أمننا القومي. فتغير المناخ لا حدود له، ولا يحترم سيادة الدول.

وبسبب هذه المخاطر علينا التعهد ليس فقط بالتزامات اقتصادية، بل أيضا بالتزامات سياسية.

سوف تجتمع دول العالم في شهر ديسمبر/ كانون الاول 2015 في باريس لحضور مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ. وحيث أن تغير المناح يشكل تحديا عالميا، فمن الصواب أن تكون استجابتنا السياسية له عالمية أيضا.

إن من شأن التوصل لاتفاق عالمي قوي وفعال أن يمنح جميع الدول الثقة بشأن مسارها. وسوف يساوي الظروف المتوفرة للجميع، ويشجع الاستثمار ويحفز الابتكار.

هناك مؤشرات على أن التوصل لهذا الاتفاق بات بمتناول اليد. فقد التزمت أكثر من 150 دولة بخفض انبعاثاتها الكربونية مع مرور الوقت. ليس فقط الدول المتطورة، بل أيضا هناك اقتصادات كبيرة ناشئة بدأت تتخذ خطوات حقيقية تجاه مستقبل طاقة آمن ومستدام ومزدهر.

إنني أرحب بالتزام الإمارات العربية المتحدة الذي أعلنت عنه الأسبوع الماضي. حيث أن هدفكم بتحقيق أن يكون ربع احتياجات بلدكم من الطاقة من مصادر الطاقة النظيفة في غضون ست سنوات يمثل طموحا جريئا.

وأحث دول المنطقة على أن تتبع هذا النموذج، لمساندة اتفاق قوي – من خلال التزامات وطنية طموحة، وإبداء قيادة خلال المفاوضات. ساندونا بالتوصل لاتفاق يمكن من خلاله لجميع الدول المساهمة بمعالجة تغير المناخ، وحيث يمكننا جميعا الاستفادة من الازدهار المرتقب بالطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة.

إقرأ أيضا لـ "فيليب هاموند"

العدد 4804 - الأحد 01 نوفمبر 2015م الموافق 18 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً