العدد 4840 - الإثنين 07 ديسمبر 2015م الموافق 24 صفر 1437هـ

الاتفاق النووي والتهديد الإيراني وعاصفة الحزم على طاولة النقاش في منتدى الخليج

الأمن وانعدام الثقة يسيطران على منتدى دراسات الخليج في الدوحة
الأمن وانعدام الثقة يسيطران على منتدى دراسات الخليج في الدوحة

سيطر الجانب الأمني وانعدام الثقة وعدم اليقين على مناقشات «منتدى الخليج والجزيرة العربية»، الذي ينظمه «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في الفترة بين 5 و7 ديسمبر/ كانون الأول 2015 واختتم أعماله مساء أمس الاثنين في الدوحة، بحضور نخبة من الخبراء والأكاديميين والجامعيين والإعلاميين، من دول خليجية وعربية وأجنبية، حيث ركّز المنتدى على مناقشة قضايا التعليم ومستقبل المنطقة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي بدأت تأثيراتها تظهر على مياه الخليج.

استهلت جلسات اليوم الثاني بمناقشة الاتفاق النووي الإيراني وتداعياته على دول الخليج العربية، حيث تناول الباحث الكويتي محمد الرميحي جملة من التفاعلات التي أطلقها توقيع الاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو/ تموز 2015، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، وقال إن «الاتفاق قيّد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر مما أطلق يدها، ووضعها تحت رقابة دولية حيث تهددها العقوبات في حال خرقت بنود الاتفاق».

الرميحي أكّد أن المفاوضات الماراثونية الطويلة لم تنحصر في الجانب النووي، كما كان يؤكّد الجانبان، وإنما شملت ملفات أخرى، من بينها دور إيران المستقبلي في المنطقة والعالم، وهو ما يفسر تسارع الأحداث في الملفين السوري واليمني.

دعوة للمواجهة

العقيد الكويتي المتقاعد ظافر العجمي، تحدث عن الخيارات الحادة لدول الخليج ضد الاستدارة الغربية باتجاه إيران، فالاتفاق النووي كشف حالة الارتباك التي عاشتها دول الخليج، مع غياب أي مشروع أو مبادرة خليجية. واقترح بعض الخيارات مثل الاحتماء بمظلة نووية أميركية، أو الدفع لإخلاء منطقة الخليج من السلاح النووي، أو امتلاك برنامج نووي خليجي مقابل. ومع اعترافه بصعوبة هذه الخيارات، فإن العجمي اقترح استغلال المزاج التعبوي العام الذي وفّرته عاصفة الحزم، «من أجل ترقية الهياكل العسكرية الخليجية وإظهار القوة لطهران للتقليل من غطرستها، ودفعها للحوار السياسي».

العجمي أضاف: «بعد انكماش طهران داخل نفسها بعد عاصفة الحزم، يمكن القول إن دول الخليج بتفوقها الجوي على إيران، قادرة على رفع كلفة أية مغامرة إيرانية مقبلة»، داعياً إلى ضرورة التماسّ المباشر بإيران، سواء باعتراض زوارق الحرس الثوري الإيراني أو القيام بمناورات بحرية وجوية في مضيق هرمز.

الباحث الكويتي فيصل أبوصليب، قدم مقاربة أخرى للموضوع، حيث تطرق لإيجابيات الاتفاق النووي الايراني، بما يتيحه من إمكانية تحقيق ازدهار اقتصادي بالمنطقة، على غرار ما هو قائم من علاقات بين عمان والإمارات. وأشار إلى الخيارات المحدودة أمام دول الخليج التي وجدت نفسها تبحث عن بدائل لمواجهة التحديات الجديدة، ومن بينها عاصفة الحزم، ليس لتحقيق أهداف سياسية في اليمن كما هو شائع، وإنما لإيصال رسالة سعودية للولايات المتحدة، أن بإمكان دول الخليج تحقيق مصالحها دون الاعتماد على حليفها التقليدي، ولتقوية موقفها في أية مفاوضات مقبلة. وكذلك الأمر بالنسبة للتقارب مع روسيا، للضغط على الجانب الأميركي، مع أنه من غير المتوقع أن يؤثر الخليجيون في تغيير موقف الروس في الملف السوري خصوصاً بعد تدخلها العسكري الأخير.

وتطرق أبوصليب إلى أن من البدائل المطروحة تشكيل حلف سني بإدماج تركيا، وتحسين العلاقات مع الجماعات المعتدلة كالإخوان المسلمين، وهو ما يصطدم بالموقف الإماراتي والمصري المعارض لأي تقارب مع الجماعة. ودعا الباحث دول الخليج إلى التفكير ملياً في إصلاحات داخلية حقيقية، والابتعاد عن الورقة الطائفية، فليست إيران وحدها التي تلعب بهذه الورقة، وإنما هناك دول خليجية تستخدم هذه الورقة لتحقيق مصالحها أيضاً، على حد قوله. وأضاف أبوصليب: «على دول الخليج أن تقوم بإصلاحات حقيقية جذرية وتحقيق دولة مدنية، لسحب الورقة الطائفية ممن يستغلها»، مضيفاً: «يجب أن نستغل وجود الثنائي روحاني/ ظريف، لتحقيق التقارب مع إيران، مع إزالة الحاجز النفسي الذي يتحكّم في المزاج الشعبي العام، الذي يرفض فكرة الحوار».

الباحث الإسباني لوسيانو زكار تحدّث عن التداعيات الإقليمية للاتفاق النووي، حيث ذكر بتاريخ هذا البرنامج الذي بدأ أيام الشاه في 1973، وتعرقل بعد ثورة 1979، وحاول الرئيس رفسنجاني إحياءه في 1989، وصعّده أحمد نجاد، حيث فُرضت العقوبات على إيران. وقال: «الصفقة الأخيرة هي أفضل اتفاق ممكن للطرفين، رغم عدم استقبالها بصورة إيجابية في المنطقة، لزيادة شعور دول الخليج بالخطر جراء ما سيحققه من نوفذ إقليمي لإيران، وقد استبق توقيعه إعلان عاصفة الحزم، وهو ما قد يوحي ببدء سباق تسلح في المنطقة مستقبلاً».

وعقّب الكاتب محمد المسفر بالقول إن «أمير قطر دعا إلى حوار مع إيران، إلا أنها لم تقدم أية مبادرة توحي بطمأنة المنطقة التي تعتبرها أضعف منها، حتى عاصفة الحزم لم تنجز ما أرادت لأسباب وأسباب، فقد ظهرت خلافات جوهرية بين الحلفاء وهو ما يجعل الطرف الآخر أقوى منهم في اليمن وفي مواقع أخرى».

الباحث السياسي حمد الثنيان تحدّث عن التنافس الجيوستراتيجي بين طهران والرياض، والذي تشجّعه الولايات المتحدة منذ مطلع السبعينيات بفعل عامل النفط. وهو تنافس تكون محصلته صفراً، ولكنه يترك أثراً عميقاً على المنطقة. وقدّم عدة توصيات لتعزيز الثقة وتضييق شقة الخلاف الإيراني السعودي.

الكاتب السعودي خالد الدخيل، ركّز في طرحه على تفنيد مقولة تصدير الثورة التي ارتبطت بإيران منذ 1979، وتساءل: «هل هناك ثورةٌ تصدرها إيران؟ فالنظام الذي قام بعد الثورة هو نظام ديني طائفي، يستند إلى فكرة ولاية الفقيه».

النفط والسلاح النووي

الخبير الدولي في الطاقة والاستشاري لدى البنك الدولي ممدوح سلامة، رأى أن «دول مجلس التعاون ترى في إيران تهديداً حقيقياً، ولذلك ما يبرره، فتوقيع الاتفاق النووي يعد انتصاراً عظيماً لها على خلاف ما تروّج له الصحافة العربية». ويوضح أن الاتفاق يحدّ من أنشطتها النووية، لكنه يتيح لها فرصة تخصيب اليورانيوم، مقابل إطلاق 120 مليار دولار من الأرصدة المجمدة.

سلامة يعتقد أن إيران بحاجة إلى إنتاج الماء والكهرباء، إذ يقترب تعدادها من حاجز الـ 100 مليون نسمة في غضون السنوات العشر المقبلة، «فالاتفاق هو عملياً تأجيلٌ لامتلاك السلاح النووي الذي ستسعى إيران لامتلاكه حتماً، لأن قادتها يقرأون التاريخ جيداً، وهم لن يكرّروا غلطة النظام العراقي السابق الكبرى، فما كانت أميركا لتجرأ على مهاجمته واحتلال العراق لو كان يملك سلاحاً نووياً».

الوزير البحريني السابق علي فخرو قال: يجب أن لا نتعامل مع موضوع الاتفاق النووي بهوس، لأنه يقود إلى الجنون، فهناك حقائق جغرافية وتاريحية ودينية تحكم علاقتنا بإيران. ويجب أن تكون هناك ندّيةٌ، وتواجد عربي سياسي واقتصادي يمتد من العراق إلى اليمن، وبعد أن نحقق هذه الندّية نعمل على إدماج إيران في المنطقة، أما موقفنا الحالي بأن ننتقدها وتنتقدنا، فلن يجدينا نفعاً».

وتساءل باحث عماني: لماذا نحن كرماء جداً في الانفاق على الحروب؟ لقد صرفنا مليارات الدولارات لتمويل الحروب في منطقتنا، لو صرفت على التنمية لتغير الوضع تماماً، وتساءل: هل استعدت دول الخليج في حال لو وجدت الولايات المتحدة وأوروبا بدائل للنفط»؟

الباكستانيون والأتراك

من باكستان، تحدّث الباحث زاهد شهاب أحمد عن أثر الصراع في اليمن على علاقات بلاده بدول الخليج، حيث تعاني بلاده من مأزق سياسي كبير وفوضى، وإرهاب وحركات انفصالية، وتدخّل قوى خارجية للتأثير على قرار باكستان، التي يمثل موقعها نقمة ونعمة معاً. وقال إن علاقات باكستان مع واشنطن كانت مضطربة، وهي تميل اليوم باتجاه روسيا والصين، وتعمل على إعادة تقوية العلاقات مع دول الخليج التي تعتمد عليها اعتماداً كبيراً بسبب تحويلات العمالة فيها.

وتطرق بالشرح إلى الرئيس الحالي الذي يعود الفضل للسعودية في إنقاذه من ملاحقة حكومة الجنرال السابق مشرف في 2001، حين فرض الأحكام العرفية، حيث عاش الرئيس الحالي في المنفى عدة سنوات، ولكنه وجد نفسه في حرج للاستجابة بالمشاركة في العمليات الجارية في اليمن، بسبب انقسام البلاد والبرلمان على ذلك. وذكر أن هناك رأياً عاماً باكستانياً انتقد إيران ودول الخليج بسبب موقفهما الذي تسبّب في إثارة حرب طائفية في بلد ثالث (اليمن)».

وأرجع أحمد الامتناع الباكستاني لعدة أسباب، فالعسكر الباكستاني متعب، لأنه مشغول على عدة جبهات، لحماية الحدود مع الهند، ومحاربة الإرهابيين في الداخل، ويشعر قادة الجيش أنهم لا يملكون ما يكفي من القوى البشرية لإرسالها في حروب خارجية. ولفت إلى أن بلاده لم تعد تعتمد على الخليج كالسابق، فهناك علاقات اقتصادية متنامية مع تركيا، وهناك مشروع يربط موانئها مع الصين، كما تسعى لتنفيذ مشروع مد الغاز الإيراني، ولذلك لا ترى لها مصلحة في المشاركة الحربية الخارجية وخصوصاً أنها دفعت ثمناً فادحاً لمحاربة الإرهاب.

أما الموقف التركي، فقد تحدّث عنه الباحث محيي الدين اوتمان، باعتبار وجود فرصة جديدة في نظام إقليمي متغير. وقد حدّد تأثر العلاقات التركية الخليجية بستة عوامل: الانقلاب العسكري ضد حكم الإخوان المسلمين في مصر، بتأييد خليجي عدا قطر؛ الأزمة اليمنية التي أدت إلى تقارب في الرؤية مع الخليج لمناهضة السياسة الإيرانية؛ دعم المعارضة السورية؛ بزوغ نجم «داعش»، توقيع الاتفاق النووي الإيراني؛ وأخيراً العنصر الاقتصادي، حيث لا تمتلك تركيا موارد طبيعية كبرى بخلاف دول الخليج، وحاجة السوق التركية إلى الاستثمارات والأموال الخليجية الضخمة، «وهو ما يوفر فرصة لشراكة جديدة بين الطرفين، حيث تعرض تركيا نفسها كقوة توازن وحيدة لترويض إيران» على حد وصفه.

أزمة الدول الصغيرة والتحالفات

الباحث في جامعة كينجز كولدج، جان مارك ركلي، تحدث عن الديناميكيات الجديدة للتحالفات في الخليج، حيث أشار إلى أزمة الدول الصغيرة المتمثلة في ضعف مواردها البشرية، وارتباطاتها بقوى خارجية، وسعيها إلى تحالفات، وذكّر بـ «مبادرة اسطنبول للتعاون» التي أطلقها الناتو في العام 2004، لإنشاء إطار للشراكة مع دول الخليج، إلا أن المبادرة فشلت لعدم انضمام عمان والسعودية إليها.

بعدها طرحت دول الخليج مبادرة موازية، لتوسيع عضوية مجلس التعاون لتضم المغرب والأردن. ولاحقاً أطلقت مصر والسعودية في قمة شرم الشيخ (مارس/ آذار 2015)، دعوة لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة. وأرجع ركلي فشل مثل هذه المبادرات إلى عدم وجود مصالح استراتيجية مشتركة تجمع بين هذه الدول، ولافتقارها للقدرة على العمل معاً.

العدد 4840 - الإثنين 07 ديسمبر 2015م الموافق 24 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً