العدد 4840 - الإثنين 07 ديسمبر 2015م الموافق 24 صفر 1437هـ

تركيا و«الناتو»... وأزمة إسقاط المقاتلة الروسية

رضي السماك

كاتب بحريني

ما كادت الحرب العالمية الثانية العام 1945 تضع أوزارها وهي الحرب التي خرجت منها الحليفتان، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، منتصرتين على دول المحور بقيادة ألمانيا النازية، وأصبحتا أقوى دولتين عظميين حتى بادرت الحليفة الأولى بإنشاء حلف عسكري كبير يضمها والدول الغربية عُرف بـ «الناتو» العام 1949 وموجه في الأساس ضد حليف الأمس ألا هو الاتحاد السوفياتي، وهذا بدوره، وبعدما توجس أمنياً من تطويق أسلحة الدمار الشامل لحدود حليفاته دول أوروبا الشرقية فإنه ما أن وجد الفرصة مؤاتية له إثر امتلاكه السلاح النووي 1955 حتى بادر في نفس العام بإنشاء حلفه مع تلك الدول الحليفة له والذي عُرف بحلف «وارسو».

لكن اللافت للنظر فيما يتعلق بحلف «الناتو» أن تركيا هي الدولة المسلمة والشرقية الوحيدة التي انفردت بالانضمام إلى هذا الحلف من بين الدول الإسلامية، وبفضل عضويتها فيه يتمتع «الناتو» بعدد من القواعد العسكرية الاستراتيجية البالغة الأهمية داخل تركيا، أشهرها وأضخمها قاعدة «أنجرليك» الجوية المجهزة بالمقاتلات الأميركية البالغة التطور، فضلاً عن أجهزة الاتصال الرادارية، وهذه القاعدة طالما سخّرتها واشنطن لخدمة عملياتها العسكرية والاستخباراتية في المنطقة، كما لصالح أيضاً حليفتها المدللة «إسرائيل».

وبهذه السوابق التاريخية يتضح لنا أن «الناتو» لم يكن مجرد حلف «دفاعي» عن أعضائه الغربيين فقط، بل وأداة هجومية ضاربة لتحقيق وحماية الأهداف والمصالح السياسية والاقتصادية الدائمة المشتركة لدول الناتو، وعلى رأسهم أميركا، في المناطق الاستراتيجية من العالم، ولاسيما منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا يمكننا فهم سر تمسك الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى به، حتى بعد زوال الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، بينما ما لا يمكن فهمه تمسك تركيا الإسلامية بالحلف حتى بعد استلام السلطة من حزب معارض إسلامي ممثل في حزب «العدالة والتنمية «حيث مازالت تركيا في ظل حكمه محجمةً عن الانضمام إلى حركة عدم الانحياز التي تجمع كل الدول العربية والإسلامية.

ولكي تثبت أميركا وحليفاتها الدول الغربية الكبرى عدم انتفاء الحاجة الأمنية والدفاعية للناتو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وزوال الحرب الباردة أسندت للناتو أدواراً عسكرية وحربية في حروب يوغسلافيا السابقة والبلقان وأفغانستان وليبيا، لكن رغم تفاقم المخاطر الإرهابية في السنوات القليلة الماضية، وعلى رأسها «داعش»، التي باتت تهدد الأمن الداخلي لدول الحلف، وبخاصة الأوروبية منها، فقد فشل الحلف فشلاً ذريعاً في حماية الجبهات الداخلية لأعضائه، بل ولم يتمكن من إلزام حتى عضو من أعضائه، تركيا، بإغلاق حدودها مع سورية إغلاقاً مُحكماً في وجه المقاتلين الداعشيين التي يتسللون منها إلى أوروبا أو إلى سورية حيث معقل «داعش» ومازالت واشنطن تكرر طلباتها من أنقرة بهذا الشأن دون جدوى.

أما وقد قامت أنقرة بإسقاط مقاتلة روسية أثناء عودتها من قصف مواقع جماعات إرهابية في سورية، فمن اللافت للنظر مسارعة تركيا بزج «الناتو» في القضية، رغم عدم مشاركته في الحرب على سورية، وطلبت عقد اجتماع عاجل للحلف، والغريب أن واشنطن تبنت على الفور الرواية التركية بعد سويعات قليلة من صدورها بأن المقاتلة الروسية خرقت الأجواء التركية، وتم إنذارها مسبقاً عشر مرات، وهي الرواية التي لاذت بعدها واشنطن بالصمت عن ترديدها مما دفع المراقبين أن يشككوا في مدى صحتها بالنظر إلى التصريحات المتضاربة والمرتبكة التي أدلى بها المسئولون الأتراك الكبار، وآخرها ما ذكره الرئيس أردوغان بأن تركيا لو كانت تعلم مسبقا بأن المقاتلة روسية لتعاملت معها بشكل مختلف وأنه حزين لإسقاطها. لكنه وعلى رغم إقراره بهذا الخطأ بضرب المقاتلة دون علم جيش بلاده بأنها روسية، رفض الاعتذار لموسكو التي أعلنت من جانبها سلسلة من العقوبات الاقتصادية الانتقامية ضدها، ولاسيما أن الحادث يأتي بعد أيام من اسقاط داعش طائرة مدنية روسية فوق سيناء، كما أن الحادث يأتي ضربة لهيبة روسيا العسكرية التي تريد إثبات استعادتها قوتها كدولة عظمى عسكرياً من خلال تدخلها العسكري في سورية، فجاء الحادث وكأنه يريد تقزيم روسيا عسكرياً، وهذا مما فاقم في تعقيد العلاقة ليس بين روسيا وتركيا فحسب، بل وفي تعقيد سُبل حل الأزمة السورية باعتبار هاتين الدولتين من الأطراف التي لها تأثير ونفوذ في تحقيق الحل أو عرقلته.

والحال إن تركيا و «الناتو» وروسيا لحري بهم ان يتوحدوا معاً ضد أكبر غول وحشي إرهابي يهدد السلم العالمي في اللحظات التاريخية الراهنة ممثل في «داعش»، فالنظام الدكتاتوري السوري لا يشكل خطراً على أمن وسلامة شعوب العالم، كما يشكله «داعش» ومن الممكن إرجاء الخلاف حول مصير الرئيس الأسد إلى ما بعد تطهير الأراضي السورية والعراقية من كل الجماعات الإرهابية. ولدى روسيا وأميركا تجربة تاريخية ثمينة جديرة بالاقتداء حينما جمدتا خلافاتهما مؤقتاً وتوحدتا ضد الغول النازي الذي كان يهدد سلام البشرية بأسرها إبان الحرب العالمية الثانية.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4840 - الإثنين 07 ديسمبر 2015م الموافق 24 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:36 ص

      رجاء أوضح لي

      هل افهم بان اردوغان باعتراضه و تركه المؤتمر ضد اسرائيل ما يمثل ؟ هل يجوز قصف طائرة فقط لاختراقها الأجواء؟ اذن كيف يجب الرد علي اللواء العسكري التركي و الدبابات التي اخترقت الحدود مع العراق و طائراتها التي تقصف المناطق الكردية؟ ماذا يفعل البرزاني في أنقره اليوم ؟ هل يلعب تيلة مع اردوغان او يخطط لتقسيم العراق؟ للتذكير تركيا كانت تطالب بموصل بعد الحرب العالمية الثانية. بريطانيا و التي كانت اكتشفت النفط هناك لم توافق و باتفاقية سايكس بيكوضمت الموصل الي العراق. هل نساهم بجهلنا بالتقسيم الجديد؟

    • زائر 3 | 2:27 ص

      ما يغفله التاريخ

      ما يغفله التاريخ - عزيزي الكاتب - أن الاتحاد السوفيتي هو الذي قضى بالضربة القاضية على ألمانيا النازية دون مشاورة/ علم الحلفاء الوقتيين له أثناء الحرب العالمية الثانية؛ ما وضعهم أمام حرج تاريخي كبير؛ لذا أضحى لزاماً إنشاء حلف الناتو الذي يستشعر خطر الدب الروسي حتى أوانه. أمس أخرجت روسيا آخر عديد سياحها من تركيا وستنتقم وإنّ غداً لناظره لقريب.

اقرأ ايضاً